على وقع التجارب الصاروخية التي أجرتها كوريا الشمالية نهاية أكتوبر الماضي ، لتحسين “تكنولوجيا الصواريخ” عبر إطلاق قذائف جديدة، أشارت تقارير إلى إن كوريا الشمالية والولايات المتحدة قد تعقدان جولة مرتقبة من المحادثات على مستوى مجموعات العمل، في الفترة من منتصف نوفمبر 2019 إلى بداية ديسمبر المقبل.
وإطلاق القذيفتين هو الأحدث في سلسلة تحركات قامت بها كوريا الشمالية في الآونة الأخيرة ، لكنه الأول من نوعه منذ الثاني من أكتوبر الماضي، حينما أطلقت صاروخا في البحر في خطوة استفزازية لكوريا الجنوبية واليابان.
يأتي ذلك الاختبار في أعقاب تجربتين في أغسطس وسبتمبر الماضيين للسلاح نفسه، أشرف عليهما الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون، وفقاً لـ”وكالة الأنباء المركزية الكورية” وتم الإعلان على الفور عن نجاح التجارب، وعبَّر الزعيم كيم عن ارتياحه وهنأ العلماء الذين طوروا السلاح.
وتخضع بيونج يانج لسلسلة عقوبات بسبب برامجها النووية والباليستية، فيما تقول إن سياستها تهدف إلى الدفاع عن نفسها في مواجهة احتمال حصول اجتياح أمريكي، وتطالب بتخفيف هذه الإجراءات وحثت واشنطن تكرارا على التقدم بعرض جديد بحلول نهاية السنة 2019.
كان مسؤولون كوريون شماليون وأمريكيون قد اجتمعوا خلال أكتوبر الماضي في استوكهولم ، للمرة الأولى منذ فشل قمة ثانية بين زعيمي البلدين في فبراير الماضي بفيتنام ، والتي انهارت بسبب رفض ترامب دعوات كيم جونج أون لتخفيف العقوبات على نطاق واسع، مقابل تفكيك مجمعه النووي الرئيسي، وهي خطوة جزئية لنزع السلاح.
لكن اجتماع السويد انهار أيضاً، وقال كبير مفاوضي كوريا الشمالية، إن المحادثات النووية مع الولايات المتحدة انهارت؛ لكن واشنطن أكدت أن الجانبين أجريا “مناقشات جيدة” ويعتزمان البناء عليها في غضون أسبوعين.
وقد استأنفت كوريا الشمالية الاختبارات الصاروخية وغيرها من الأسلحة، بما في ذلك إجراء أول اختبار منذ ثلاث سنوات، لصاروخ أطلق من تحت الماء سقط داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة لليابان. وطالبت كوريا الشمالية الولايات المتحدة منذ ذلك الوقت بالتقدم بمقترحات مقبولة للطرفين، لإنقاذ الدبلوماسية النووية بنهاية هذا العام.
كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد التقى مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون على خط الترسيم العسكري داخل المنطقة منزوعة السلاح التي تفصل بين الكوريتين الشمالية والجنوبية، في نهاية يونيو، واتفقا على استئناف المفاوضات حول برنامج الأسلحة النووية لبيونج يانج. ويسعى ترامب إلى إخلاء كوريا الشمالية من الأسلحة النووية، وضغط على كوريا الشمالية من خلال زيادة العقوبات الاقتصادية، لكن التقدم توقف في المحادثات النووية.
انفراجة أم تأزم ؟
يرى محللون أن ما قامت به كوريا الشمالية في الحادي والثلاثين من أكتوبر الماضي، ربما يمثل انفراجة في العلاقات بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية ، وربما يترتب عليه تأزماً جديدا للعلاقات، من خلال الرسائل السياسية والدلالات لهذه التجارب الصاروخية.
.. أول هذه الرسائل: إعراب بيونج يانج عن استيائها بسبب عدم تقديم واشنطن تنازلات في المحادثات النووية، في إشارة إلى تأزيم العلاقات. وفي هذا الصدد، قال ليم أول – شول، أستاذ الدراسات الكورية الشمالية في جامعة كيونجنام، إن عملية الإطلاق تعتبر بمثابة “تحذير لسيول وواشنطن بأنها قادرة على القيام بأنشطة عسكرية إضافية، إلا إذا اتبعت الولايات المتحدة نهجاً جديداً”، يأتي ذلك فيما وجه كيم جونج أون رسالة تعزية إلى الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي في وفاة والدته التي ولدت في الشمال.
وقال السيناتور الأمريكي الجمهوري كوري جاردنر رئيس اللجنة الفرعية للعلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ بشأن شرق آسيا والمحيط الهادي والسياسة الدولية للأمن الإلكتروني في بيان: “كوريا الشمالية منخرطة في تصعيد متزايد، وأن هذا الإطلاق والعدوان الكوري الشمالي المستمر يؤكدان ضرورة إعادة التزام إدارة ترامب بسياسة الضغوط القصوى، وفرض الكونجرس عقوبات إضافية على حكومة كيم”.
.. ثاني الرسائل السياسية والدلالات، وهي عكس الأولى، حيث أن كوريا الشمالية تهدف من وراء هذه الاختبارات إلى جعل موقف الرئيس الأمريكي ترامب أكثر ليونة، خاصة مع اقتراب فترة الاستعداد للانتخابات الأمريكية الفترة الثانية، الأمر الذي يجعل الرئيس ترامب يُقدم على خطوات إضافية مع بيونج يانج.
.. ثالث الرسائل، أن الرئيس الكوري الشمالي كيم يهوي ممارسة الضغوط وانتهاز الفرص السياسية، على خلفية محاولات الديمقراطيين التحقيق مع ترامب واتخاذ الإجراءات لعزله، لكن ترامب يتحدى ضغوط الداخل عبر توجيه الدعوة للرئيس الأوكراني لزيارة الولايات المتحدة.
.. رابع الرسائل السياسية، توجيه رسالة شديدة اللهجة للدول الإقليمية الرافضة للبرنامج الصاروخي الكوري الشمالي، وذلك على خلفية الانتقادات التي وجهتها اليابان والصين وألمانيا وكوريا الجنوبية للممارسات والسلوك السياسي لبيونج يانج.
كانت الحكومة الألمانية قد أدانت الاختبار، وقالت متحدثة باسم الخارجية الألمانية “كوريا الشمالية انتهكت باختبارها الصاروخي الثاني عشر هذا العام مجدداً التزاماتها بموجب قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وتعرض الأمن الدولي للخطر بطريقة غير مسؤولة”. وأضافت المتحدثة أن الحكومة الألمانية تطالب كوريا الشمالية بشدة بالوفاء بالتزاماتها تجاه القانون الدولي وعدم إجراء اختبارات على صواريخ باليستية أخرى، موضحة أن كوريا الشمالية لا تزال مُلزَمة بإنهاء كامل ولا رجعة فيه وقابل للمراجعة لبرامجها الخاصة بتطوير أسلحة دمار شامل وصواريخ باليستية.
في حين وصف كبير أمناء مجلس الوزراء الياباني يوشيهيدي سوجا أحدث تجربة إطلاق صاروخ أجرتها كوريا الشمالية، بأنها “مؤسفة للغاية”، وتتعارض مع قرارات الأمم المتحدة. وقال : إن اليابان احتجَّت لدى كوريا الشمالية على عملية الإطلاق.
وفي إشارة للتقليل من الآثار السياسية للتجربة الصاروخية الكورية الشمالية وخطب ود بيونج يانج، قال مستشار الأمن القومي في كوريا الجنوبية تشونج إوي “إن التجربة الكورية الشمالية لا تشكل خطراً كبيراً”. وقال خلال جلسة برلمانية: “نحن أيضاً نجري تجارب صاروخية وليس أقل مما تفعله كوريا الشمالية. قدراتنا على الدفاع الصاروخي والاعتراض متفوقة تماماً على قدراتهم” في حين قالت وزارة الخارجية الصينية، إنه يتعين على كل الأطراف العمل من أجل التوصل لحل سلمي للوضع الراهن في شبه الجزيرة الكورية.
يبقى القول أن الفترة المقبلة ستشهد المزيد من الحوارات السياسية بين واشنطن وبيونج يانج، من أجل العمل على حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة، تفادياً لتصادمات سياسية جديدة، تعرقل المصالح الاستراتيجية العليا لدول المنطقة، ومن المتوقع أن يتم إحراز تقدم في المحادثات السياسية المرتقبة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية.
المصدر : أ ش أ