تشكل قمة هلسنكي بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين التي عقدت، الاثنين، فرصة لإعادة مسار علاقة جديدة بين واشنطن وموسكو في وقت تشهد فيه العلاقات الأمريكية الأوروبية حالة من الفتور بعد الانتقادات اللاذعة من ترامب لحلفائه الأوربيين خلال قمة الناتو وقيامه بفرض رسوم جمركية على صادرات الاتحاد الأوروبي وتصريحاته المنتقدة لعدد من الزعماء أبرزهم المستشارة الألمانية ميركل ورئيس وزراء كندا جاستن ترودو إضافة إلى انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية الإيرانية واتفاق باريس بشأن المناخ واتفاقية التجارة الحرة.
اجتماع صعب مع حلفائه الأوروبيين تحت مظلة حلف الناتو في العاصمة البلجيكية ورحلة محرجة للمملكة المتحدة ، جعلت ترامب يتلهف للحصول على بعض الإيجابيات في قمة هلسنكي فجاءت مخرجاتها كما لم ير الأمريكيون من قبل حيث لم يروا في تاريخ بلادهم رئيسا للولايات المتحدة يؤيد خصما لأمريكا كما فعل ترامب أمس مع بوتين.
وجاءت مواقف ترامب مؤكدة لمخاوف قادة أوروبا بشأن رغبة واشنطن في التراجع عن مواقفها السابقة والتزاماتها التعاقدية المنصوص عليها في ميثاق حلف الأطلنطي بشأن ضمان أمن أوروبا ضد التهديدات الخارجية ، وأبرز تلك المواقف تمثل في امتناع ترامب عن إعادة تأكيد التزام الولايات المتحدة بالمادة الخامسة من ميثاق الحلف والتي تنص على الالتزام بـ “الدفاع المتبادل” في حالة تعرض أحد أطراف الحلف لتهديدات خارجية وهو ما تم تفسيره بأنه رغبة أمريكية في التراجع عن التزامات سابقة بأمن أوروبا ووسيلة ضغط على الحلفاء الأوروبيين لحثهم على زيادة مخصصاتهم الدفاعية.
اتجاه الدول الكبرى لخفض ميزانياتها الدفاعية بدأ مع انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي في ديسمبر 1991 واختفاء عالم القطبين ، فكانت الدول الأوروبية هي الأكثر إسراعا في تنفيذه اعتقادا منها أن عصرا جديدا من السلام قد بدأ يكلله انتصار النظام الليبرالي الغربي على النظام الشيوعي لكن ظهور تحديات أمنية جديدة مع بداية الألفية الثانية من أهمها الإرهاب وما مثلته عودة روسيا على الساحة الدولية في ظل حكم الرئيس فلاديمير بوتين من إحياء للتنافس مع الغرب جعلت دول أوروبا تعيد النظر في أولوياتها الدفاعية وتسعى للاهتمام من جديد بتقوية جيوشها.
وبالإضافة إلى تراجع التزام ترامب بأمن أوروبا ، فإن هناك أسبابا أخرى زادت من التباعد بين الولايات المتحدة والقوى الأوروبية الكبرى وفي مقدمتها انتقاداته المستمرة للاتحاد الأوروبي ووصفه الدائم لدوله بالخصم للولايات المتحدة الأمر الذي دعا برلين إلى الإعلان عن أنه لم يعد باستطاعة أوروبا الاعتماد على البيت الأبيض على نحو مطلق في إشارة إلى ضرورة البحث عن شراكات استراتيجية بديلة لواشنطن قد تكون بكين في مقدمتها.
وختام قمة هلسنكى جاءت مع تأكيدات الرئيسين بوتين وترامب بأن مباحثاتهما تمت وسط أجواء من الصراحة والعمل وأنها كانت ومفيدة للغاية ، وإعلانهما عن الاتفاق بعد مناقشة مطولة للكثير من القضايا الثنائية بشأن الملفات ذات الاهتمام المشترك والأكثر حساسية عالميا وإقليميا (السلام في سوريا والدور الإيراني في المنطقة) فضلا عن ملفات أخرى مثل التعاون في مجال الطاقة والاستمرار في التنسيق الاستخباري في مواجهة الإرهاب بالإضافة إلى تأكيد ضمان أمن إسرائيل.
وأشار ترامب إلى أن عقد القمة مع نظيره الروسي ليست سوى بداية لعملية استعادة العلاقات..معتبرا أن من مصلحة الجانبين مواصلة الحوار .. معربا عن رغبته في تحسين العلاقات الثنائية مع موسكو ووصف التحقيق الذي تجريه بلاده بشأن التدخل الروسي في الانتخابات بأنه كارثة مهاجما التحقيق الذي يقوم به المدعي الخاص روبرت مولر في هذا الشأن وبدا مقتنعا بنفي بوتين لأي تدخل من هذا النوع.
وبالتوازي قال بوتين “إن إقامة السلام في سوريا يمكن أن يكون مثالا بارزا على عملنا الناجح”، نافيا من جهة أخرى أن تكون بلاده قد تدخلت في الانتخابات الأمريكية التي جرت في عام 2016 .
صدى وأجواء ما بعد القمة كانت سلبية بالنسبة لترامب في الداخل الأمريكي حيث تأرجحت تلك الأصداء ما بين اتهامات بعدم المسئولية والضعف وصولا إلى الخيانة والخضوع للابتزاز إلى الدعوة للعزل ، فقد وصف السيناتور الجمهوري الأمريكي جون ماكين القمة ومخرجاتها “بالخطأ المأسوي” فيما استنكر الساسة الأمريكيون من الحزبين الجمهوري والديمقراطي على حد سواء تلك المخرجات منتقدين أداء الرئيس خلال القمة، مشيرين إلى خروج بوتين منتصرا إلى حد بعيد من هذا اللقاء خاصة بعد أن أعرض ترامب عن تحميل روسيا بوضوح مسئولية تدخلها في انتخابات 2016 الرئاسية رغم توجيه الاستخبارات الأمريكية الاتهام ل١٢ شخصا بالتورط في هذه القضية ولم يحذر بوتين بشأن الانتخابات المقبلة مما أحدث صدمة كبيرة في الداخل الأمريكي.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)