تزينت مدينة أكتاو غرب كازاخستان، المطلة على بحر قزوين، لاستقبال رؤساء دول روسيا وإيران وأذربيجان وتركمانستان بالإضافة إلى كازاخستان، وذلك للمشاركة في قمة دول بحر قزوين، وإنهاء المشاكل القانونية العالقة بين الدول سالفة الذكر المطلة على البحر والمستمرة منذ 20 عامًا، بسبب الخلاف حول تقسيم الثروات النفطية والطبيعية الموجودة في باطن البحر وعلى شواطئه.
ويتحضن بحر قزوين، أعلى مخزون نفطي في العالم، ويعتبر هو مستقبل الثروة النفطية، بعد نضوب آبار البترول في دول الخليج، أو انخفاضها، لذلك شهدت المنطقة صراعًا سياسيًا واستخبارتيًا، وحرب للسيطرة وبسط النفوذ بين أمريكا من جانب وروسيا من جانب آخر، حيث ترغب واشنطن في تأمين مصادر النفط في المستقبل، في حين ترفض موسكو أي تدخل خارجي في شئون المنطقة، وتدعو الدول المتشاركة معها في التواجد على البحر للحوار، بهدف الوصول إلى حلول جذرية، وقد استجابت لها إيران وكازاخستان في حين لم تتخذ أذربيجان وتركمانستان قرارًا قاطعًا في هذا الأمر.
وتقدّر مساحة هذا المسطح المائي بحوالي 371 ألف كلم مربع تقريبًا، أمّا طوله فيقدّر بحوالي 1030 كلم ، في حين يبلغ أقصى طول له هو 1200 كلم، ويصل عرض البحر 300 كلم تقريبًا، فيما يقدر أقصى عمق له تقريبًا بحوالي 1023 مترًا، ويقدر حجمه تقريباً بنحو 76 ألف كلم مكعب، ويقع قزوين في غرب القارّة الآسيوية، وهو بحر مغلق محاط باليابسة من كافّة جهاته، ويطلق عليه ًأكبر بحيرة في العالم، ويتدرج عمق البحر من 10 أمتار على السواحل الشمالية الروسية ليصل من 180 مترًا إلى 788 مترًا في الأجزاء الوسطى منه، ويزداد العمق إلى 960 مترًا في جنوبه قرب الساحل الإيراني، ويبلغ أقصى عمق مسجل 1023 مترًا في جنوبه.
وشمال هذا البحر تقع روسيا، كما أنّها تمتدّ إلى شماله الغربي أيضًا، أمّا من جهته الغربية فتقع أذربيجان، ومن جنوبه تحدّه إيران، أمّا من شرقه فتحدّه كازاخستان وتركمانستان، وتطلّ على قزوين عدّة مدن تتوزّع في مختلف الدول التي تطل عليه، ومن هذه المدن: باكو الأذرية، وأستراخان الروسيّة، وآسترا بندر أنزلي الإيرانية، وأكتاو الكازاخستانية، وتركمانباشي التركمانستانيّة، ويعد البحر موطنًا لحوالي 78 نوعًا من الأسماك، ويختص هذا البحر بأنواع معينة ينحصر وجودها في البحر والأنهار التي تصب فيه ومنها سمك الكافيار.
وقد سكن القزوينيوّن تاريخيًا على شواطئ هذا البحر المهم، ومنهم عروة القزويني، وهو من اشتهر بقوّته الكبيرة، وفي القرون الوسطى كان هذا البحر يعرف باسم آخر وهو “بحر الخزر”، وقد سمي باسم بحر قزوين، نسبة إلى مدينة قزوين الإيرانية، ويعتبر من أهم المسطحات المائية على خريطة العالم الاقتصادية حيث تستفيد منه دول أخرى كممر إستراتيجي لها ولمواردها إلى تركيا وجنوب أوروبا.
ويتميّز البحر بغناه الكبير بالثروة النفطيّة والغاز الطبيعي أيضًا، ومن هنا فقد كان هذا البحر محلاً للنزاع الدائم بين الدول كلّها الّتي تسعى لتقاسمه، وفي هذا البحر حقل تنجيز النفطي في كازاخستان الّذي يعدّ الحقل الثاني من حيث المساحة على مستوى العالم، بعد حقل الغوار في السعودية، ويحتوي بحر قزوين على عدد ضخم من الجزر، وهي جزر غير مأهولة بالعمران في معظمها، أمّا بالنسبة لجزرها المأهولة بالعمران والسكّان فهناك جزيرة بولا وبيرالاهي ونارغين، أمّا جزيرة آشوراده فهي التي تتبع لمدينة كلستان الإيرانية.
وتصبّ في بحر قزوين العديد من الأنهار منها: نهر الفولجا، ونهر الأورال، ونهر كورا، ونهر أترك، ونهر تيريك، والنهر الأبيض، حيث يأتي 30 % منها من الأنهار الإيرانية، كما تسهم الأنهار الروسية، بما في ذلك نهر الفولجا الضخم، بنسبة 50% تقريبًا، فيما يعاني بحر قزوين من مشكلة التقلّص الدائم لمياهه، وهو تقلّص كبير جدًا ناتج عن التبخر، ونقصان مستوى الأنهار التي تصب فيه؛ حيث انخفض مستوى هذا البحر المائي خلال فترة قلّت عن نصف قرن تقريبًا بحوالي مترين، الأمر الّذي أدّى إلى انخفاض مساحته، فبعد أن كانت مساحته تقترب من 424 ألف كيلو متر مربع، تقلّصت إلى 360 ألف كيلو متر مربع في يومنا هذا.
ويقول الدكتور عبد الواحد عبد الرحيم، الباحث المتخصص في الشئون الكازاخية، إن سقوط جدار برلين بين الألمانيتين الشرقية والغربية، وانهيار الاتحاد السوفيتي، شكلا تحولاً تاريخيًا في العلاقات الدولية، وفي مستقبل البحر، حيث برزت دول جديدة لم تكن موجودة على الخريطة العالمية، وهي الدول التي استقلت عن الاتحاد السوفيتي، مثل أذربيجان وكازاخستان وتركمانستان، وبرزت مشكلات إقليمية ودولية لم تطرأ قبل ذلك.
وأوضح ، أن مشكلة تحديد بحر قزوين، وتقسيم الثروات الموجودة على سطحه وفي أعماقه إحدى أهم المشكلات الإقليمية التي سببها التفكك السوفيتي، بعد أن كانت التوازنات حوله محصورة بين إيران والاتحاد السوفيتي فقط، وفق اتفاقيات وقعت بين الطرفين تحكم كيفية تقاسم ثروات البحر بينهما، وأنه على الرغم من ذلك، فإن التعاون والتفاهم حول تقاسم هذه الثروات ظل قائمًا بين إيران وروسيا والدول التي أصبحت متشاطئة حول البحر، مثل أذربيجان، تركمانستان وكازاخستان، دون الوصول لحلول نهائية.
وأكد أن وكالة الطاقة الدولية، قدرت الاحتياطيات المثبتة من النفط بنحو 15- 40 مليار برميل، وهو ما يمثل 1,5% إلى 4% من الاحتياطيات العالمية المثبتة، أما الاحتياطيات المثبتة من الغاز الطبيعي فتقدر بنحو 6,7-9,2 تريليونات متر مكعب، إضافة إلى احتمال وجود ثمانية تريليونات أخرى، وهذا يعني أنها تمثل نحو 6%-7% من الاحتياطيات العالمية من الغاز، ولا تزال غالبية الأحواض، خاصة البعيدة منها عن خط الساحل وفي قاع البحر دون استغلال لأسباب تقنية.
وأشار إلى أن المشكلة القانونية للبحر تبرز، من واقع أن إيران كانت تتقاسم مع الاتحاد السوفيتي السيطرة على بحر قزوين، وذلك من خلال معاهدتين وقعتا في 1931 و1941 تنصان على أن البحر مشترك بين الدولتين، ومع تفكك الاتحاد السوفيتي وانهياره في عام 1991، وظهور ثلاث دول آسيوية تشاطئ بحر قزوين كازاخستان وتركمانستان وأذربيجان، أصبح هناك مشكلة حقوقية يثيرها عدم توصل الدول المتشاطئة إلى حل لتقسيم البحر فيما بينها وفق وضع قانوني محدد؛ حيث ترغب إيران بالتوصل إلى اتفاق يسمح بالاستغلال المشترك لسطح البحر وللثروات الهائلة الكامنة في أعماقه، وبالمقابل فإن الخيار الآخر، هو تقسيمه بمسافة واحدة للبحر ومتساوية للقاع بين الدول المتشاطئة.
وأضاف أنه كانت المشكلة القانونية الأساسية تكمن في اختلاف تحديد كل دولة من دول الإقليم لهوية بحر قزوين، فهناك اختلاف على كون قزوين بحيرة أو بحر مغلق، أما اليوم فيبدو أن هناك اتفاقًا حول أن قزوين بحر مغلق، كذلك كان هناك عدم اتفاق حول مدى تطبيق معاهدة قانون البحار الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1982 عليه.
ويعتبر قزوين بحسب المادة 122 من اتفاقية قانون البحار بحرًا مغلقًا، وبالتالي فإذا ما طبق قانون البحار على قزوين سيصبح لزامًا أن تعين الحدود البحرية للدول الخمس المطلة عليه – بناء على مسافات متساوية من البحر وموارد قاعه- إلى قطاعات تعرف باسم القطاعات القومية.
وألمح الدكتور عبد الواحد عبد الرحيم، إلى أن البديل القانوني في الاستغلال الجماعي للبحر وموارده، يتمثل فيما يعرف باسم منهج السيادة المشتركة، وأنه في هذا الشأن تشكلت عدة مجموعات عمل مؤلفة من الدول الخمس للخروج بإعلان مشترك حول الوضع القانوني الجديد للبحر، وهذا من الحلول المناسبة جدًا لتقاسم ثروات البحر وتمتين العلاقات بين دوله.
وكشف عن أن رؤية إيران للحلول الممكنة، تقول بوجوب تقسيم البحر “بالتساوي والعدل” بين الدول الخمس المطلة عليه مع تطبيق ما يُعرف في القانون الدولي بمبدأ “السيادة المشتركة”، الذي يُطبّق على البحيرات المغلقة ويعطي الدول الخمس نسبًا متساوية، تبلغ 20 % لكل دولة من مساحة البحر ومن عائد الاستغلال الجماعي والمشترك لثرواته الباطنية.
وأضاف أنه يمكن وفق النظر الروسية تقسيم قاع البحر إلى قطاعات وطنية بطريقة خط الوسط، بحيث يكون للدول الحق في استغلال الموارد كل في حدود قطاعه مع ترك السطح وعمق المياه للاستخدام العام، مضيفًا بأنه هكذا لم تعد فكرة تقسيم قاع البحر مرفوضة من قبل أي دولة من الدول الخمس، الأمر الذي يعد في حد ذاته مقدمة مهمة للتوصل إلى حل توفيقي نهائي بشأن الوضع القانوني للبحر، مشيرًا إلى أنه قد دعت المادة (123) من الاتفاقية، الدول المتشاطئة أن تتعاون فيما بينها في ممارسة ما لها من حقوق وما عليها من واجبات بمقتضى هذه الاتفاقية، إما مباشرة أو من طريق المنظمات الإقليمية.
وقد ظهر هذا التعاون في ختام إحدى قمم رؤساء الدول المطلة على بحر قزوين، والتي عقدت في مدينة أوسترخان جنوب روسيا، حيث أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التوصل إلى تفاهمات حول تحديد الوضع القانوني الخاص بمنطقة بحر قزوين، وهذا ما أكده رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية حسن روحاني والرؤساء المشاركون في القمة، حيث يتم في مراحل مقبلة تنفيذ وتثبيت النظام القانوني لبحر قزوين، وبالتالي التوافق على استثمار ثروات البحر، وبالأخص الثروة النفطية والثروة السمكية.
المصدر: بوابة الأهرام