نجحت فرنسا في جمع العديد من القادة من جميع أرجاء العالم في عاصمتها باريس من أجل هدف واحد وهو التوصل إلى توافق “من أجل ميثاق مالي عالمي جديد”؛ يهدف إلى إرساء قواعد لنظام مالي يكون أكثر عدلا وأكثر تضامنا، لمواجهة التحديات العالمية المشتركة، ومن بينها الحد من الفقر ومواجهة التغيرات المناخية وحماية التنوع البيئي.
وجاءت قمة “ميثاق التمويل العالمي الجديد” في وقت يواجه العالم فيه أصعب الظروف منذ عقود، خاصة عقب أزمة فيروس “كورونا” والصراع الروسي الأوكراني، حيث وصل الدين العام إلى مستويات غير مسبوقة في جميع دول العالم، وأصبح ثلث البلدان النامية وثلث البلدان منخفضة الدخل أكثر عرضة لخطر تفاقم الديون، كما ارتفع معدل التضخم بشكل حاد وأدى تشديد السياسة النقدية إلى حدوث تقلبات مالية ما أدى إلى اتساع الفجوات الاقتصادية على نطاق عالمي.
وعلى مدار يومين انعقدت القمة بمشاركة أكثر من 300 من رؤساء الدول والحكومات وعلى رأسهم الرئيس عبد الفتاح السيسي، إلى جانب مسئولي كبرى المنظمات الدولية وممثلي المؤسسات المالية العالمية وممثلي القطاع الخاص والمجتمع المدني، وانعقدت مناقشات على أعلى مستوى بين رؤساء الدول والحكومات ورؤساء المنظمات الدولية المالية.
وتناولت الجلسات عدة قضايا من بينها تطوير نظام بنوك تنموية متعددة الأطراف للاستجابة لتحديات القرن الحادي والعشرين، والديون وتحسين حقوق السحب الخاصة، وخلق بيئة مواتية للقطاع الخاص في مجالات البنية التحتية المستدامة، وذلك بمشاركة أكثر من 70 من شركاء القطاع الخاص.
وخلال اجتماعاتهم، أدرك قادة العالم أن هناك حاجة ماسة إلى إجراء إصلاح ومراجعة شاملة لنظم وأدوات التمويل وبناء نظام مالي دولي أكثر عدلا، وبالتالي المضي قدما بشكل أكثر تضامنا من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتحقيق الحياد الكربوني والأهداف المشتركة المتمثلة في حماية التنوع البيولوجي.
وأكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن قمة ميثاق التمويل العالمي الجديد نجحت في بناء هذا التوافق الدولي لصالح كوكب الأرض كله، وصياغة فكر مشترك وخارطة طريق جديدة بالتنسيق مع صندوق النقد والبنك الدوليين.
وأوضح ماكرون أن قوة القمة أنها جمعت نحو 50 رئيس دولة وحكومة من الدول المتقدمة والنامية والمتأثرة بأزمة المناخ، حيث جرت مناقشات حرة وبناءة من أجل بناء نظام جديد والحفاظ على وحدة المجتمع الدولي في مواجهة التحديات المشتركة والقضاء على انعدام العدالة.
وخلصت القمة إلى مجموعة من الالتزامات الثابتة التي ستساعد في إصلاح النظام المالي العالمي، بعد ما يقرب من 80 عاما من إنشائه والمعروف باسم “بريتون وودز”، وتحسين حماية المنافع العامة العالمية للحفاظ على كوكب الأرض وضمان توفر التمويل المطلوب لمساعدة الدول الفقيرة.
ودعا رؤساء الدول والحكومات إلى العمل المشترك للحد من الفقر ومساعدة الدول الأكثر ضعفا والأكثر هشاشة، والوقاية من التغير المناخي وتخفيض الانبعاثات الكربونية، فضلا عن الالتزام المشترك للحفاظ على التنوع البيئي.
وركزت المناقشات على الحلول التي يمكن أن تخفف من عبء الديون التي يعاني منها العديد من الدول، من خلال عمليات إعادة الهيكلة المناسبة، أو إعادة توجيه التمويل من سداد الديون إلى الاستثمار والاستجابة الفورية للأزمات وحماية المنافع العامة العالمية، حيث يمثل الاتفاق الذي تم التوصل إليه في إطار لجنة دائني زامبيا بشأن إعادة هيكلة ديون البلاد، خطوة تاريخية لهذا البلد.
وأعلنت مجموعة البنك الدولي أنها تعمل على تعزيز قدرتها على مساعدة البلدان في الاستعداد للأزمات والاستجابة لها، وتقديم مساعدة إضافية لتطوير التأهب لمواجهة الأزمات، وتصميم أنواع جديدة من التأمين لتوفير شبكات أمان لمشروعات التنمية.
وأسفرت القمة عن الإعلان عن تحقيق هدف المساهمة بـ 100 مليار دولار في يونيو 2023، والذي كان أعلن عنه في مايو 2021، خلال القمة المعنية بتمويل الاقتصادات الإفريقية باعتماد التزام بتعبئة 100 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة، وذلك بفضل التزامات 14 دولة بإعادة تخصيص ما لا يقل عن 20% من حقوق السحب الخاصة بها.
وعلى هامش القمة، تعهدت مجموعة من الدول الغنية وبنوك التنمية تقديم 2.5 مليار يورو لمساعدة السنغال على تقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري وتعزيز طاقاتها المتجددة، حسبما أعلن الرئيس السنغالي ماكي سال، مؤكدا أن بلاده ملتزمة بزيادة طاقاتها المتجددة إلى 40% بحلول عام 2030 بتمويل يبلغ 2.5 مليار يورو.
كما تم الاتفاق على حشد موارد مالية إضافية، لا سيما من القطاع الخاص.. وتعهدت مؤسسة التمويل الدولية وفرنسا والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير بتقديم دعم إضافي لتحالف ريادة الأعمال في إفريقيا.
وفي ختام القمة، تم الاتفاق على وضع آلية مراقبة لمتابعة ما تم إحرازه في هذه الالتزامات كل ستة أشهر، وسيتم مراجعة ما تم إنجازه والأهداف التي تم تحقيقها في عام 2025.
المصدر : وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)