اجتازت كوريا الجنوبية بنجاح التحدى الجديد لدبلوماسية الوساطة التى تقوم بها بين جارتها الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية، بعدما أسفرت قمة الكوريتين التى اختتمت أعمالها اليوم الخميس في العاصمة الشمالية بيونج يانج عن الاتفاق لأول مرة على سبل نزع السلاح النووي، وعن توقيع حزمة من الاتفاقيات المعززة لجهود التطبيع بين الكوريتين، ومهدت لإعادة توحيد شبه الجزيرة الكورية، الأمر الذي يكسر الجمود الحالي فى العلاقات الامريكية الكورية الشمالية وينقذها من انهيار المسار الدبلوماسي بشكل حال دون عودة سيناريو حافة الهاوية إلى صدارة المشهد من جديد.
وتوج اجتماع قمة بين الرئيس الكوري الجنوبى مون جيه إن، والزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون، الذي استمر 70 دقيقة، بالتوقيع على بيان بيونج يانج المشترك، الذي تضمن اتفاق الطرفين على وقف المناورات العسكرية على الحدود بين البلدين بدءا من أول شهر نوفمبر القادم، ووقف إطلاق النار داخل المنطقة المحايدة على بعد 10 كيلومترات عن الخط العسكري الفاصل.
وقال الرئيس مون في مؤتمر صحفي إن الكوريتين اتفقتا لأول مرة على سبل نزع السلاح النووي، في “إنجاز ذي مغزى كبير”، مشيرا إلى أن كوريا الشمالية وافقت على إغلاق موقع اختبار المحركات والمنصة الخاصة بإطلاق الصواريخ في دونج تشانج ري ببلدة تشولسان بشكل دائم، وستتخذ إجراءات إضافية تتمثل في إغلاق منشأة “يونجبيون” النووية بشكل دائم.
ومثلت تلك القمة فرصة إيجابية أعادت الرئيس الكورى الجنوبى مون جاى إن إلى الصدارة مرة أخرى كوسيط سلام أسهم من قبل فى إحداث تقارب بين أمريكا وكوريا الشمالية، وأفضى ذلك إلى عقد قمة غير مسبوقة فى شهر يونيو الماضى بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالى كيم جونج أون فى سنغافورة، وقد رحب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بنتائج القمة ووصفها بأنها مثيرة للإعجاب، مشيدا بقرار كوريا الشمالية بالإستمرار في إعادة رفات الجنود الأمريكيين الذين قتلوا في الحرب الكورية التي استمرت بين عامي ١٩٥٠ – ١٩٥٣، وقرار تقديم طلب مشترك لتنظيم الأولمبياد.
زيارة مون جاى الرسمية للشطر الشمالى التى استغرقت ثلاثة أيام، هي الأولى منذ أكثر من عشر سنوات يقوم بها رئيس من كوريا الجنوبية لكوريا الشمالية، والثالثة بعد قمتين عقدتا في شهري أبريل ومايو الماضيين في المنطقة الفاصلة بين الكوريتين، وأسفرت عن انفراجة شهدتها العلاقات بين الدولتين، حيث أسهم إعادة الخط الساخن بين الدولتين وجمع شمل الأسر التي مزقتها الحرب الكورية على مدى سنوات الحرب الثلاث، أسهم في عودة العلاقات الودية وتبادل الوفود والزيارات الرسمية بعد انقطاعها منذ عام ٢٠٠٧.
وفيما تزامنت قمة (مون/كيم) مع الذكري السبعين لتأسيس كوريا الشمالية والتى تميز احتفالها هذا العام بخلوه من المظاهر الاستعراضية للقوة النووية والصاروخية، جاءت في توقيت شديد الحساسية بالنسبة للعلاقات بين بيونج يانج وواشنطن التى تراجعت لمرحلة الفتور، ولم يمنع هذا الولايات المتحدة من الإعراب عن أملها في أن تؤدى القمة بين الكوريتين لخطوة هامة على طريق نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية، معتبرة أنها تمثل فرصة تاريخية للزعيم كيم جونج أون للمضي قدما في التعهد الذي قطعه على نفسه أمام الرئيس دونالد ترامب في سنغافورة، وصادف انعقادها كذلك ذكرى مرور 13 سنة على موافقة بيونج يانج على التخلي عن كامل أسلحتها النووية والعودة إلى اتفاقية وقف الانتشار النووي، ومنذ ذلك الحين قامت بست تجارب نووية وأطلقت صواريخ بالستية عابرة للقارات قادرة على ضرب الأراضي الأمريكية.
وفي قمة سنغافورة التزم كيم ب “إخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية”، وهي عبارة قابلة لتفسيرات متعددة، ولهذا يلتقى الطرفان الشمالى والجنوبى بين الحين والأخر لتحديد معناها الدقيق، فواشنطن تريد نزعا نهائيا وكاملا يمكن التحقق منه للاسلحة النووية، ومن جانبها تريد بيونج يانج إعلانا رسميا لانتهاء الحرب الكورية، حيث لا تزال الكوريتان في حالة حرب من الناحية التقنية، منددة “بطريقة العصابات” التي تتبعها الولايات المتحدة في مطالبتها بنزع الأسلحة من جانب واحد، وحملتها كامل المسئولية عن تعثر المحادثات.
مسألة النزع الكامل للأسلحة النووية وإحلال السلام فى شبه الجزيرة الكورية كانت القضية الرئيسية فى القمة بين الكوريتين، حيث جاءت جولة مون الثالثة من المحادثات الرسمية مع كيم ضمن مساعيه لإقناعه باتخاذ خطوات ملموسة نحو نزع الأسلحة يمكن لمون أن يعرضها على ترامب المتوقع أن يلتقيه في وقت لاحق هذا الشهر على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وسعى الرئيس الكوري الجنوبي المؤيد للحوار لرؤيته أن بلاده فقدت الكثير جراء الحرب الكورية، سعى إلى تعزيز عملية التقارب بين الكوريتين وتقريب المحادثات بين الولايات المتحدة والشمال لخفض تهديد نزاع مدمر على شبه الجزيرة، فى الوقت الذى سعى فيه كيم لضمان مزيد من التعاون بين الكوريتين وسط تحرك سيول وواشنطن بسرعتين متفاوتتين في تقاربهما مع بيونج يانج.
وضعت القمة كيم زعيم كوريا الشمالية فى دائرة الضوء كرئيس منفتح على العالم، تلتزم إدارته بالقضاء التام على خطر اندلاع نزاع مسلح فى المنطقة ولدي لقائه مع الرئيس مون أشاد كيم بجهوده في التوسط لعقد القمة التاريخية في سنغافورة مع الرئيس ترامب، مضيفا أن هذا أدى إلى استقرار في المنطقة، متوقعا مزيدا من التقدم، ومن جانبه قال مون إن “العالم بأسره يراقب وأرغب في إظهار نتيجة السلام والازدهار للناس في أنحاء العالم”.
المصدر:أ ش أ