يعقد قادة الاتحاد الأوروبي غداً الخميس قمة عبر الفيديو لمناقشة سبل إرساء قواعد انتعاش اقتصادي قوي للدول الأعضاء في مواجهة وباء “كورونا”، الذي تسبب منذ بداية ظهوره في إصابة أكثر من مليون حالة وسقوط أكثر من مئة ألف ضحية في القارة الأوروبية.
ومن المنتظر أن يتقدم رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، خلال القمة باقتراح لتأسيس صندوق طوارئ أوروبي بقيمة 1500 مليار يورو يقسم على الدول الأكثر تضرراً من “كورونا” في صورة مساعدات أو قروض ميسّرة لمدة عشرين عاماً، وسيشمل المقترح الإسباني البدء في عمليات تحويل الأموال بدءا من 1 يناير 2021 على أن يتم تنفيذها خلال العامين أو الثلاثة أعوام القادمة.
ويأتي هذا المقترح كحل توفيقي بين ما تطالب به إيطاليا وتدعمها فيه فرنسا من ضرورة اتخاذ موقف أوروبي موحّد لمواجهة الأزمة بإصدار “سندات كورونا” التي توزع الديون على كل الدول الأعضاء، وبين الموقف المتشدّد الذي تتبناه ألمانيا وهولندا والرافض لفكرة السندات.
ويبدو أن المفوضية الأوروبية بدأت تدعم هذه الفكرة حيث من المنتظر أن تتقدم باقتراح في القمة لطرح سندات أوروبية بقيمة ألف مليار يورو يضمنها الاتحاد من موازنته للفترة من 2021 إلى 2027، وتوزّع على الدول الأكثر تضرراً من فيروس “كورونا”.
وكان وزراء مالية دول اليورو قد قرروا، في اجتماعهم في 9 أبريل الجاري، تقديم حزمة إنقاذ مالية قدرها 500 مليار يورو ضمن آلية الاستقرار الأوروبية لمساعدة الدول الأعضاء الأكثر تضررا من “كورونا” لتعزيز قدراتها وتحسين نظمها الصحية للتعامل مع الوباء وإنقاذ حياة مواطنيها، وهو ما لم يلق قبولا واسعا من عدد من الزعماء الأوروبيين على رأسهم رئيس الوزراء الإيطالي، جوزيبي كونتي، الذي أكد أن هذا الاتفاق ليس كافياً، وأنه لن يتخلّى عن المطالبة بإصدار سندات “كورونا” في القمة الأوروبية المقرر عقدها غدا.
من جانبه، أوضح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في حديث له مع إحدى الصحف الأسبوع الماضي أن عدم وجود اتفاق أوروبي بشأن صندوق الطوارئ “يهدد بانهيار منطقة اليورو”، مشددا على أهمية المرحلة الراهنة في تاريخ الاتحاد الأوروبي، وأنه حان الوقت لتحديد ما إذا كان هذا التكتل “لا يعدو كونه السوق الاقتصادي الموحد”، لافتا إلى أن “نقص التضامن خلال فترة الوباء يهدد بتأجيج الغضب الشعبي”.
وبات من الملاحظ في الفترة الأخيرة بدء بعض الدول الأوروبية تخفيف الإجراءات المفروضة لاحتواء الفيروس تمهيدا للعودة إلى الحياة الطبيعية، وأملا في النهوض من حالة الركود الاقتصادي السائدة في القارة العجوز نتيجة تداعيات تفشي وباء “كورونا”. وبدا لافتا أن أهم ما يجمع هذه الدول الأوروبية هو توخي الحذر الشديد في تحديد الجدول الزمني والإجراءات المصاحبة لاستئناف النشاط الاقتصادي بها، وهو حذر نابع من الخوف الشديد من وقوع انتكاسات من شأنها أن تعيد الأزمة إلى المربع الأول، وتقضي على الجهود المبذولة طوال الفترة الماضية.
في هذا السياق، أعلن ماكرون تمديد العمل بحالة الحظر حتى 11 مايو المقبل، مبديا تخوفه من التسرع في العودة إلى الحياة الطبيعية، لأن ذلك قد يفتح الباب لموجة جديدة من وباء “كورونا”.
وأعلن أنه ابتداء من 11 مايو سيتم إعادة فتح المدارس غير أن ذلك لن يشمل التعليم الجامعي، حيث لا ينتظر أن تعاود الجامعات عملها إلا في الصيف دون إعطاء تاريخ محدد، كما أعلن استمرار غلق المقاهي والمطاعم والفنادق ودور السينما إلى ما بعد 11 مايو.
أما ألمانيا فقد قررت الأسبوع الماضي استمرار فرض القيود، بما فيها إغلاق المدارس، حتى الثالث من مايو المقبل على أن يتم رفع هذه القيود تدريجيا اعتبارا من ذلك التاريخ. كما تم الاتفاق على أنه سيتم السماح لبعض المحلات التجارية، التي لا تزيد مساحتها على 8000 متر مربّع، بإعادة فتح أبوابها اعتبارا من الإثنين الماضي، إضافة إلى تجار السيارات والدراجات الهوائية والمكتبات.
بدوره، أعلن رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، أمس أن بلاده ستعلن قبل نهاية الأسبوع الحالي خططاً لتخفيف إجراءات العزل العام المفروضة لمكافحة فيروس كورونا، على أن يجري تطبيق الخطط بدءاً من الرابع من مايو.
أما الحكومة الإسبانية فقد رفعت مؤخرا بعض القيود التي كانت وضعتها في 27 مارس الماضي، وسمحت بعودة عمل عدد من الشركات التي لا يستطيع موظفوها القيام بمهامهم من المنزل، مع استمرار إجراءات الإغلاق الرئيسية، حيث يُسمح للبالغين فقط بالخروج للذهاب إلى المتاجر والصيدليات أو الذهاب لعملهم إذا كان ضروريا، ومُنع الأطفال من مغادرة منازلهم على الإطلاق.
وأعلن رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، أنه سيطلب من البرلمان تمديد حالة الطوارئ في البلاد حتى 9 مايو المقبل حيث أن الإنجازات التي تحققت “لا تزال غير كافية وهشة” ولا يمكن أن نخاطر بـ”القرارات المتسرعة”.
وبدأت النرويج في إعادة فتح دور الحضانة بعد أن أعلنت أن “الفيروس بات تحت السيطرة” ومن المنتظر أن تفتح المدارس والجامعات جزئيا اعتبارا من 27 ابريل الجاري.
أما الدنمارك فقد أعلنت خطتها لاستئناف النشاط الاقتصادي بعودة بعض الفئات إلى العمل وفتح دور الحضانة، بينما قامت النمسا بإعادة فتح بعض المحلات الصغيرة والمتاجر و المطاعم والمؤسسات الثقافية مثل دور السينما في الهواء، وستفتح المتاجر الكبرى ومراكز التسوق اعتبارا من أول مايو المقبل.
وفي ضوء هذا الترقّب الحذر من الأوروبيين لما قد تؤول إليه الإجراءات المتبعة في هذه المرحلة، يبقى الوضع محفوفا بالمخاطر لاسيما في ظل تحذيرات منظمة الصحة العالمية من خطورة التسرع في العودة إلى الحياة الطبيعية خشية من ظهور موجة جديدة من الوباء وانتشاره بصورة أكثر شراسة، والتأكيد على ضرورة التدرج في أي رفع لإجراءات العزل العام المفروضة لاحتواء الفيروس.
المصدر : أ ش أ