تأتي زيارة مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، ومباحثاته مع المسؤولين الإيرانيين الثلاثاء، في أول زيارة له إلى طهران بعد توليه منصبه الجديد، في إطار المحاولات الأوروبية لإنقاذ الاتفاق النووي من الانهيار الوشيك، وتخفيف حدة التوتر في العلاقات الأوروبية – الإيرانية، وإعطاء دفعة قوية للأمام بشأن مستقبل الاتفاق النووي.
وتبدو جولة بوريل لإيران مدفوعة برغبة قوية من وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي لفتح القنوات الدبلوماسية مجدداً من أجل تخفيف حدة التوتر والسعي إلى إيجاد فرص لحلول سياسية للأزمة الراهنة بشأن الملف النووي الإيراني.
**محركات رئيسية
جاء هذا التحرك من جانب الاتحاد الأوروبي مدفوعاً بمجموعة من التطورات المتلاحقة لعل من أبرزها، أولاً: إقدام طهران على اتخاذ الخطوة الخامسة والأخيرة في الخامس من يناير الماضي بخفض التزاماتها النووية، وفقًا للاتفاق النووي الموقع في 2015 بين مجموعة 5+1 وإيران في جنيف بسويسرا، وبذلك أصبحت إيران تنتج يورانيوم مخصباً بنسبة أعلى من الـ3.67 في المائة المحددة في الاتفاق، ولم تعد تحترم حدود الـ300 كيلوجرام المفروضة لمخزوناتها من اليورانيوم المخصب، وتخلت إيران بموجب الخطوة الخامسة والأخيرة عن كل قيود تخصيب اليورانيوم؛ بما فيها عدد أجهزة الطرد المركزي.
وتتهم إيران الأوروبيين بعدم احترام التزاماتهم لأنهم لم يفعلوا شيئاً لمساعدتها في الالتفاف على العقوبات الأمريكية، وتقول إنها مستعدة للعودة في أي وقت إلى التطبيق الكامل للاتفاق “في حال رفعت العقوبات واستفادت إيران من الانعكاسات” الاقتصادية التي كانت تتوقعها من هذا الاتفاق، وتشدد على أن كل إجراءاتها قابلة للعكس.
ثانياً: إعلان الثلاثي الأوروبي بريطانيا وفرنسا وألمانيا، تفعيل آلية فض النزاع النووي مع إيران، لعدم احترامها التزاماتها بموجب الاتفاق النووي، وأرجعت الدول الثلاث اتخاذ هذا القرار، ردا على تكرار إيران لإخلالها بالتزاماتها بالاتفاق النووي.
وتعني آلية فض النزاع عمليا إعادة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي، وإمكانية إعادة فرض العقوبات الدولية على طهران التي رفعت عنها بفضل الاتفاق المشار إليه.
وتُعد “آلية فض النزاع ” أحد سبل حل النزاعات في الاتفاق النووي الإيراني، والمنصوص عليها ضمن الفقرتين 36 و37 بالاتفاق نفسه المبرم بين طهران ومجموعة دول 5+1 منذ 2015، ورغم ذلك أعلنت طهران مواصلة التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، واستعدادها التراجع عن خطوات التصعيد في الملف النووي إذا رفعت واشنطن العقوبات المفروضة عليها.
كما ردت إيران بإعلان المزيد من الإجراءات للتخلي عن التزاماتها في الاتفاق، وهددت بالانسحاب من اتفاقية الحظر الشامل للأسلحة النووية، وتم تقديم طلب إلى مجلس الشورى الإيراني، الأسبوع الماضى، لبحث الخروج من تلك الاتفاقية.
ثالثاً: أصبح موقف الدول الأوروبية في حاجة إلى حيوية جديدة تجاه ملف الاتفاق النووي، بعد انضمام 6 دول (هولندا والنرويج وفنلندا والدانمارك والسويد وبلجيكا) إلى آلية “إنستكس” في التاسع والعشرين من نوفمبر الماضي، والتي رحبت بها كل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا التي أنشأت الآلية في الأساس.
يُشار إلى أن الآلية الأوروبية المعروفة إعلاميا باسم “إنستكس” وتعني أداة دعم الأنشطة التجارية، هي مبادرة أطلقتها بريطانيا وألمانيا وفرنسا في يناير 2019 من أجل الالتفاف على منظومة العقوبات الأمريكية على إيران، وتسمح الآلية الأوروبية للشركات بالتبادل التجاري مع إيران رغم العقوبات ولكن وفق شروط محددة، من أهمها أن يقوم التبادل التجاري على نظام المقايضة، أي مبادلة النفط الإيراني بأموال أوروبية تصرف فقط على الأدوية والمواد الغذائية في إيران.
*استشراف المستقبل
يشير مراقبون إلى أن ملف الاتفاق النووي ربما يشهد دفعة جديدة على خلفية الخطوات والتحركات الدبلوماسية التي يقوم بها مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، وربما تحديداً بعد خروج بريطانيا من الاتحاد مؤخراً.
كان بوريل قد دعا في 24 يناير الماضي، الدول الموقعة على الاتفاق النووي إلى عقد اجتماع، في فبراير الحالي، للحفاظ على الاتفاق المهدد بالانهيار، وكانت طهران قد وافقت الأسبوع الماضي، على تقييد برنامجها النووي مقابل رفع جزئي للعقوبات الدولية التي تخنق اقتصادها.
ومن المفترض أن يوجه بوريل دعوة إلى إيران، للمشاركة في اجتماع بفيينا بين أطراف الاتفاق النووي لبحث الخلافات بين إيران والدول الأوروبية المعنية بالملف.
ولا يرجح المراقبون أن تقبل إيران دون الحصول على تنازلات، مثل إنهاء العقوبات الأمريكية أو اتخاذ أوروبا إجراءات لتخفيف تأثير العقوبات على اقتصادها، ووفق حسابات المكاسب والخسائر الاستراتيجية، تحاول إيران تفادي الآلية التي قد تؤدي إلى إحالة الملف لمجلس الأمن في حال عدم تسوية الخلافات، لأن إحالته ستعني موت اتفاق فيينا نهائياً.
ومن جهة أخرى، يبدو أن ثمة انفتاحاً أوروبياً تجاه إمكانية التوصل لتفاهمات بشأن الملف النووي الإيراني، حيث أظهرت كل من فرنسا وبريطانيا انفتاحهما الشهر الماضي على اتفاق يشمل قيوداً جديدة على إيران وبرنامجها في الصواريخ الباليستية ودورها الإقليمي، كما شكل الملف النووي مؤخراً أحد محاور لقاء بوريل ووزير الخارجية الألماني هايكو ماس في برلين، وقبل أيام من زيارة بوريل إلى طهران أعلنت كل من أمريكا وسويسرا، تفعيل قناة لنقل سلع إنسانية تشمل أغذية وأدوية لإيران، بعيداً عن العقوبات الأمريكية.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)