وتمر اليوم الجمعة الذكرى الـ75 لانتصار أوروبا في الحرب العالمية الثانية والإعلان عن نهايتها، حاملة المآسى التي شهدتها وخلفتها، فيما يتوق العالم لكتابة الفصل الأخير من حربه ضد فيروس كورونا المستجد (كوفيد – 19)، الذى أطل برأسه عليه منذ نحو ستة شهور مخلفا الآلاف من الضحايا، تركز أغلبهم في دول أوروبا، فضلا عن التداعيات الاقتصادية والتجارية والاجتماعية الكبيرة.
وتعد الحرب العالمية الثانية هي الأوسع والأكثر دموية في تاريخ البشرية لما أسفرت عنه من عدد كبير من الضحايا المدنيين، الذين لقوا مصرعهم في القصف الاستراتيجي الذي أودى بحياة حوالي مليون شخص، ومنه القنبلتان الذريتان اللتان ألقيتا على مدينتي هيروشيما وناجازاكى اليابانيتان.. فيما تعد الحرب العالمية ضد فيروس كورونا المستجد هي الأكثر غموضا وحيرة واستنزافا لطاقة الإنسان واقتصاده.. وإذا كانت الحرب العالمية الثانية قد غيرت الخارطة السياسية والعسكرية والبنية الاجتماعية في العالم، فمن المتوقع أن تغير الحرب ضد كورونا العالم أيضا.
ومنذ 81 عاما بدأت “العالمية الثانية” كحرب دولية فى عام 1939 في أوروبا وانتهت في عام 1945، وشارك فيها بصورة مباشرة أكثر من 100 مليون شخص من أكثر من 30 دولة، منها الدول العظمى في حلفين عسكريين متنازعين هما “الحلفاء” و”دول المحور”، وقد وضعت تلك الدول كافة قدراتها العسكرية والاقتصادية والصناعية والعلمية في خدمة المجهود الحربي.
وبدأت شرارة الحرب العالمية الثانية من أقصى شرق الكرة الأرضية، حيث أعلنت الإمبراطورية اليابانية الحرب على جمهورية الصين في عام 1937، مستهدفة السيطرة على آسيا والمحيط الهادي، إلا أن البداية الفعلية للحرب تعتبر في الأول من شهر سبتمبر عام 1939، وذلك عندما قامت ألمانيا باجتياح بولندا، وتوالت بعدها إعلان الحرب على ألمانيا من قبل فرنسا والمملكة المتحدة.. سيطرت ألمانيا “النازية” آنذاك، على مساحة واسعة من قارة أوروبا من أواخر عام 1939 إلى أوائل عام 1941، وذلك بعد سلسلة من الحملات العسكرية، مكونة تحالف دول المحور مع إيطاليا واليابان، واتفقت مع الاتحاد السوفييتي على تقاسم الأراضي المجاورة لهما والواقع في نطاقها بولندا وفنلندا ورومانيا ودول البلطيق.
وظلت المعركة الأساسية في الحرب بين دول المحور من جهة، والمملكة المتحدة إلى جانب دول الكومنولث من جهة أخرى، إضافة إلى حملة في شمال إفريقيا وحملة أخرى في شرق أفريقيا، فضلا عن معركة برلين الجوية وقصف لندن، وحملة البلقان، ومعركة المحيط الأطلنطى.. وفي عام 1941، قام تحالف دول المحور بغزو الاتحاد السوفييتى فيما يعرف بـ”عملية بارباروسا”، مما أدى إلى إشعال الجبهة الشرقية، التي مثلت أكبر مسرح للحرب في التاريخ، حيث زجت كبرى دول المحور في حرب استنزاف، وشهدت قيام اليابان بالهجوم على ميناء “بيرل هاربر” ومنطقة ملايا البريطانية في المحيط الهادي، حيث سيطرت سريعا على جزء كبير من غرب المحيط الهادي.
وفي عام 1942، توقف تقدم دول المحور عندما خسرت اليابان في “معركة ميدواي” بالقرب من ولاية هاواي الأمريكية، وخسرت ألمانيا في “معركة العلمين الثانية” شمال أفريقيا وهزمها الاتحاد السوفيتى هزيمة ساحقة في “معركة ستالينجراد”.. وفي عام 1943، تلقت ألمانيا سلسلة هزائم على الجبهة الشرقية، وقام الحلفاء بغزو صقلية وإيطاليا، إضافة إلى انتصارات الحلفاء في المحيط الهادى، وبذلك فقدت دول المحور زمام المبادرة وبدأت تراجعا استراتيجيا في كافة الجبهات.
وفي عام 1944، قام الحلفاء بتحرير فرنسا فيما يعرف بـ”إنزال نورمندى”، في حين استعاد الاتحاد السوفيتى جميع المناطق التي خسرها وقام بغزو ألمانيا وحلفائها.. وخلال الفترة ما بين عامى 1944 و1945 تراجعت اليابان في جنوب وسط الصين خلال “حملة بورما”، في حين قام الحلفاء بشل حركة البحرية الإمبراطورية اليابانية وتم السيطرة على الجزر الرئيسية في المحيط الهادي.
وانتهت الحرب العالمية الثانية في أوروبا بغزو الحلفاء لألمانيا، وسيطرة الاتحاد السوفيتى على برلين، مما أدى إلى الاستسلام غير المشروط من قبل ألمانيا في عام 1945.. وعقد بعدها “مؤتمر بوتسدام” قرب برلين، وصدر فى ختامه “إعلان بوتسدام”، وقامت الولايات المتحدة يومى 6 و9 أغسطس عام 1945 بإلقاء قنبلتين نوويتين على هيروشيما وناجازاكى على التوالى، تبع ذلك استسلام اليابان في 15 أغسطس 1945.
وأسفرت الحرب العالمية الثانية عن إنشاء الأمم المتحدة لتعزيز التعاون الدولي ومنع الصراعات في المستقبل، وأصبحت الدول المنتصرة في الحرب الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى والصين والمملكة المتحدة وفرنسا أعضاء دائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فيما برزت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى كقوى عظمى على الساحة الدولية.
كما أسفرت الحرب عن انحسار نفوذ القوى الأوروبية، الأمر الذى مهد الطريق للحرب الباردة، والتي استمرت حتى تفتت الاتحاد السوفيتى بخروج بعض مناطقه وبقيت دولة روسيا، كما اندلعت حركات الاستقلال في آسيا وأفريقيا، واتجهت الدول التي تضررت الصناعة فيها إلى إصلاح وضعها الاقتصادي.. أما على الصعيد السياسي وتحديدا في أوروبا، فقد بدأت مرحلة تكامل سعيا لتجنب العداوات التي تسبب الحروب، وأن يكون للأوروبيين هوية مشتركة.
المصدر:أ ش أ