عقد من الزمن مر على ثورة “الياسمين” التي انطلقت شرارتها في 17 ديسمبر عام 2010، وأطاحت بالرئيس الراحل زين العابدين بن علي ونظامه الذي حكم البلاد قرابة 23 عامًا، وكانت أبرز مطالبها الحرية والكرامة الإنسانية وتوفير فرص عمل للشباب التونسي.
ومنذ ذلك الحين ظل التونسيون، على امتداد السنوات العشر الماضية، ينتظرون حصد ثمار ثورتهم في كافة المجالات تنمويًا واجتماعيًا واقتصاديًا، إلا أن تلك الطموحات، والتي بلغت ذروتها في أعقاب الثورة، اصطدمت بصعود تنظيمات وتيارات ظلامية على الساحة السياسية، دأبت على الإطاحة بأحلام الشباب التونسي وأغرقت البلاد في أزمة تلو الأخرى، لتوقف أحلام الشباب عند مرحلة الشعارات وتبقي أحلامهم مجرد حبر على ورق، لم يتحقق منها شيء على أرض الواقع.
وفي هذا الصدد، قال الإعلامي والمحلل السياسي التونسي لطفي العماري – في تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط – إنه منذ أن وصلت جماعة الإخوان وحركاتها وأذرعها السياسية إلى السلطة في أعقاب الثورة التونسية، وتغلغلت في مفاصل الحكومات المتعاقبة منذ 10 سنوات، وهي تثبت فشلاً ذريعًا أدى إلى ما وصلت إليه البلاد اليوم من انهيار اقتصادي واجتماعي وظهور حالة من الاحتراب والصراعات والتجاذبات السياسية بين مؤسسات الدولة.
وأضاف “كان يمكن أن تكون الثورة التونسية لحظة فارقة في تاريخ البلاد لأنها اندلعت على يد شباب يعاني البطالة وفئات مهمشة ونخبة سياسية كانت ترى أن تونس تستحق الحرية ووفرة اقتصادية، ولكن للأسف نرى اليوم مظاهر الحزن تعم البلاد في ذكرى ثورة الياسمين، بدلاً من أن يكون يوم عيد يحتفل به التونسيون لنجاح ثورتهم ولكنهم في حقيقة الأمر صدموا بجماعة لا تعترف بالدولة ولا مؤسساتها ولا تحترم تاريخ البلاد”.
وأوضح العماري أن الإخوان قاموا بالسطو مبكرًا على ثورة شباب تونس والفئات المهمشة بدعم مالي سخي تقدمه قطر الراعية للإرهاب والإرهابيين، الأمر الذي أدى إلى ذبح الثورة التونسية وبدد أحلام وطموحات تلك الفئات، مؤكدًا أن الإخوان قاموا أيضًا بالسطو على ثروات البلاد وأهدروا كل ما وصل إلى تونس من مساعدات مالية في صرف تعويضات لأعوانهم وأهدروا أمولاً كثيرة كانت من المفترض أن تساهم في تنمية البلاد وتشغيل الشباب العاطل، والحصيلة اليوم بعد عشر سنوات حالة من الإفلاس المالي غير المسبوق أدت أيضًا إلى حالة من الانسداد السياسي والاجتماعي.
ولفت إلى أن المكسب الوحيد الذي يعتز به التونسيون اليوم هو أنهم استطاعوا كشف حقيقة الإخوان وتعريتهم أمام الجميع بأنهم متاجرون بالدين الإسلامي، حيث أصبح حضور الإخوان يتضاءل يومًا بعد يوم، إذ أكدت كافة استطلاعات الرأي أن دور “النهضة” والإخوان وجميع تيارات الإسلام السياسي اجتماعيًا وسياسيًا في انحدار وتقهقر مستمر.
وأوضح أن “النهضة” تشهد اليوم أزمة حادة جدًا ويتصارع أعضاؤها فيما بينهم من أجل المناصب والمغانم وأظهروا نوياهم الحقيقية أمام الرأي العام، حيث نجح المجتمع المدني والنخب والإعلام والمرأة التونسية في فضحهم وكشف حقيقتهم وذلك يعد إنجازًا كبيرًا سيدفع إلى التخلص من هذا الابتلاء.
من جانبه، قال المحلل السياسي التونسي، أيمن العبروقي إن حركة “النهضة” الإخوانية قتلت طموحات شباب الثورة، وبخرت أحلامهم، بعدما وجدوا أنفسهم أمام حركة تتحكم بها جماعة لا يشغلها سوى السعي لإقامة دولة الخلافة ولا تؤمن بالديمقراطية، إذ استغل الإخوان ثورة الياسمين لتصفية حساباتهم الماضية مع الشعب التونسي، الذي رفض وجودهم على الساحة السياسية في السبعينيات والثمانينات من القرن الماضي.
وأضاف أن تاريخ الجماعة الإرهابية منذ وصولها إلى سد الحكم يدلل على فشلها وإفشالها لأهداف الثورة، موضحًا أن الإخوان خلال فترة “الترويكا” (الجمع بين الرئاسات الثلاثة)، أغرقوا البلاد في ظلام الإرهاب والفساد والصراعات والانقسامات وأدخلوها في دوامة الاغتيالات وإهدار الدم وإفلاس خزينة الدولة.
وأشار أيضًا إلى فترة توافق حركة النهضة مع الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي وحزب نداء تونس، تلك الفترة التي كانوا يديرون فيها البلاد من وراء الستار، حيث استغلت الحركة هذه الحقبة لبسط سلطتها على إدارة البلاد، وعينت أتباعها في الوزارات السيادية كالدفاع والداخلية من خلال تعيين موظفين يدينون لها بالولاء، ولم تكتف الحركة بذلك وحسب بل شكلت “عصابات من لجان شعبية وشرطية ” – على حد وصفه – مثلما يحدث في إيران، وكانت مهمتها قمع المظاهرات المناهضة للجماعة، فيما وفرت لتلك العصابات غطاءً قانونيًا للاعتداء على المتظاهرين.
وأكد العبروقي أن الإخوان أغرقوا الوظيفة العمومية من خلال انتدابات عشوائية، حيث أدخلت في السنوات ما بين 2011 إلى 2014 قرابة 240 ألف موظف في مواقع مهمة بتونس، رغم أن هؤلاء المعينين لا يمتلكون أي كفاءة ولا مستوى تعليمي وبالتالي تدهورت أوضاع المؤسسات وأصبحت اليوم عاجزة عن النهوض مجددًا.
وشدد على أن الأخطر من ذلك كله قيام حركة “النهضة” بفتح الطريق أمام تيارات السلفية الجهادية، حيث أرادت في بداية الأمر استغلالهم كخزان انتخابي، ووفرت لهم الإطار كي ينشطوا ويتغلغلوا في المجتمع لكن تلك التيارات لم تكن سوى تيارات إرهابية بامتياز وتم توظيفهم لمحاربة الدولة.
وأضاف المحلل السياسي التونسي أن تلك التيارات قامت، تحت غطاء الإخوان، بتسفير الشباب التونسي بدعوى القتال في سوريا، بفتاوى من زعيمهم يوسف القرضاوي وتشجيع من حركة “النهضة”، وكانت النتيجة كارثية على هؤلاء الشباب الذي تم توظيفه لخدمة جماعات إرهابية، مؤكدًا أن آلاف الشباب كانوا يسافرون إلى ليبيا ثم إلى تركيا ومن ثم تصديرهم إلى بؤر التوتر ليجدوا أنفسهم يحاربون في صراعات إقليمية لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
وحول مدى تضرر الوضع الاقتصادي في تونس، وارتفاع نسب البطالة بين الشباب في أعقاب الثورة، قال الخبير الاقتصادي التونسي، نور الدين وسلاتي، إن ما يشهده الاقتصاد من تدهور يرجع إلى عبث جماعة الإخوان واعتبار اقتصاد البلاد “غنيمة” لهم ولحلفائهم، فما يشهده الاقتصاد حاليًا من تدهور لم يحدث حتى خلال فترة الاحتلال الفرنسي لتونس، إذ بلغت نسبة الانكماش الاقتصادي إلى أكثر من 26% خلال النصف الثاني من العام الجاري فقط.
وأضاف أن العقد الأخير في أعقاب الثورة شهد زيادة غير مسبوقة في نسب البطالة والفقر بين الشباب والأسر، إذ كانت تبلغ نسبة البطالة عام 2010 نحو 14%، إلا أن تلك النسبة شهدت تدهورًا خلال حكم الإخوان للبلاد، حيث بلغت نحو 20% خلال العام الجاري.
وعن تدهور وضع الديون الخارجية، أكد وسلاتي أن حركة “النهضة” دمرت الاقتصاد من خلال توظيف أجهزة الدولة لخدمة أجندات دولية وإقليمية عن طريق الاستيراد من تركيا وإسناد المشاريع الكبرى بالبلاد إلى حلفائها في قطر، واليوم لدينا اقتصاد محطم غير قادر على الإنتاج أو استغلال ثروات البلاد، مضيفًا أن الإخوان جعلوا البلاد اليوم على شفا الإفلاس، حيث وصلت القروض الخارجية نحو 6ر16 مليار دينار، وارتفعت نسبة الديون الخارجية من 25% من الناتج المحلي سنة 2010 إلى 100% عام 2020.
المصدر:أ ش أ