في الذكرى الرابعة لاستفتاء “بريكست”.. بريطانيا وأوروبا أمام مفاوضات متعثرة ومستقبل غامض
أربع سنوات تمر اليوم على استفتاء “بريكست”، أو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ذلك الاستفتاء المصيري الذي أحدث وقتها مفاجأة مدوية هزت مختلف الأوساط الأوروبية والدولية، لتبدأ منذ ذلك الحين سلسلة من الأزمات وجولات التفاوض المتعثرة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، والتي انتهت بوقوع الانفصال رسميا في 31 يناير الماضي، لتنهي بريطانيا عضويتها في التكتل الأوروبي المستمرة منذ قرابة 47 عاماً.
وبعد مرور أربع سنوات على وقوع هذا الاستفتاء المصيري، الذي صوت فيه 52% من البريطانيين لصالح الانفصال، تقف كل من لندن وبروكسل اليوم في مفترق الطرق حيث يدور الجانبان في حلقة مفرغة من الجولات التفاوضية المتعثرة دون الوصول إلى اتفاق يحدد شكل العلاقات المسقبلية بينهما بعد انتهاء المرحلة الانتقالية بنهاية العام الجاري.
فمنذ خروج بريطانيا رسميا من التكتل الأوروبي، شهدت المفاوضات مسارا متعثرا حيث تم عقد أربع جولات تفاوضية ساهمت كل منهم في زيادة هوة الخلاف بين الطرفين، وجاء تفشي وباء “كورونا” في القارة الأوروبية ليزيد الأمور تعقيدا، حيث أعاق انعقاد جولات التفاوض في ظل إجراءات الإغلاق والعزل التي تبنتها الدول الأوروبية لكبح انتشار هذا الوباء، ولم تنجح الاجتماعات التي عقدت بالفيديو في إحداث تقارب في وجهات النظر بشأن كافة القضايا الخلافية لصعوبة مناقشتها بشكل تفصيلي عن بعد، فضلا عن إصابة بعض أعضاء الفريق التفاوضي بفيروس كورونا، ومن بينهم كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي، ميشيل بارنييه، ورئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون.
وعلى الرغم من تعثر المسار التفاوضي، تصر بريطانيا على عدم تمديد المرحلة الانتقالية لما بعد 31 ديسمبر 2020 وإتمام عملية الخروج بنهاية العام الجاري وهو ما أكده جونسون الأسبوع الماضي خلال القمة المشتركة التي عقدت عبر الفيديو مع كل من رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال والتي اتفق خلالها الجانبان البريطاني والأوروبي على إعطاء “زخم جديد” للمفاوضات بين بروكسل ولندن بهدف التوصل لاتفاق حول العلاقة المستقبلية قبل نهاية العام الجاري، داعين إلى “التوصل سريعاً إلى أرضية مشتركة حول المبادئ التي يرتكز عليها كل اتفاق”.
وعلى مدار الأربع سنوات الماضية، واجهت بريطانيا وأوروبا سلسلة من المعارك والأزمات والشد والجذب التي جعلت مسيرة بريكست شاقة ومتعثرة، حيث أبدى الجانبان تصلبا شديدا في المواقف وظلت القضايا الخلافية معلقة دون حل لفترات طويلة، وسعى كل طرف لفرض شروطه على الطرف الآخر وهو ما أعاق التوصل إلى اتفاق للانسحاب وفقا للجدول الزمني، وأدى إلى تأجيل موعد الخروج البريطاني رسميا ثلاث مرات.
كما شهدت الساحة الداخلية البريطانية العديد من الصعوبات التي أخرت بدورها التوصل إلى اتفاق مع الأوروبيين من أبرزها انشقاقات داخل حزب المحافظين الحاكم نتيجة الخلاف حول خطة رئيسة الوزراء السابقة، تيريزا ماي، للانسحاب من الاتحاد الأوروبي، وخسارة الحزب الحاكم للأغلبية في البرلمان، واستقالة 21 وزير من حكومة ماي في فترة زمنية قصيرة اعتراضا على خطة “بريكست”، فضلا فشلها المتكرر في إقناع نواب البرلمان البريطاني بالموافقة على تمرير اتفاق الانسحاب، وهو ما مهّد الطريق أمام رحيلها عن رئاسة الحكومة في مايو 2019 ليخلفها وزير الخارجية الأسبق، بوريس جونسون، الذي بدا أكثر تشددا وحسما في عملية الخروج.
ومنذ تولي جونسون مقاليد السلطة، وضع نصب أعينه هدف إتمام عملية الانسحاب أيا كانت النتائج، وطرح سيناريو “بريكست بلا اتفاق” كأحد الخيارات المطروحة في حالة عدم التوصل إلى اتفاق مع أوروبا وفقا للجدول الزمني الموضوع. ونجح جونسون في الفوز بالأغلبية البرلمانية في الانتخابات التشريعية في ديسمبر الماضي، وعزز موقعه داخل المشهد السياسي وتمكن من تمرير اتفاق الانسحاب حتى أتم عملية الخروج رسميا في 31 يناير الماضي.
واليوم وفي الذكرى الرابعة لاستفتاء الانفصال المصيري، تقف بريطانيا وأوروبا على طرفي النقيض حيث يبدو أن كل منهما تنظر إلى مسار المفاوضات من زاوية مختلفة، فبريطانيا ترغب في عقد اتفاقات منفصلة مع أوروبا تشمل العديد من القطاعات من بينها الصيد والسلع والطاقة دون الالتزام بالمعايير الأوروبية، مع الاحتفاظ بحقها في دخول السوق الأوروبية المشتركة.
أما الاتحاد الأوروبي فهو يهدف إلى اتفاق تجاري شامل يحكم علاقات الطرفين ويتم الالتزام به إجمالا أو الإخلال به، كما تولي بروكسل أهمية أولية لملف الصيد البحري حيث تتطلع إلى السماح للأوروبيين بالصيد بحرية كاملة في السواحل البريطانية، بينما ترغب لندن في استعادة سيادتها على مياهها الإقليمية، إضافة للخلاف حول بعض القضايا المتعلقة بالتعاون الأمني والتنسيق المخابراتي، ومعايير الجودة والسلامة بالنسبة للمواد الزراعية والأغذية.
ووفقا للمراقبين، فإن لندن لا ترغب في أي اتفاق تكون الكلمة العليا فيه للقواعد أو القوانين الأوروبية ولكنها تتطلع إلى إعطاء القوانين البريطانية أولوية في تحديد إطار التعامل مع بروكسل، بمعنى أنها تريد الخروج بشكل كامل من الاتحاد الأوروبي بحيث لا تظل خاضعة له في أي من الأمور التي تحكم العلاقة المستقبلية بينهما، وهو الأمر الذي لايلقى قبولا من قبل الأوروبيين، ويساهم في عرقلة مسار المفاوضات.
وفي ظل هذه الأجواء، يتوقع المراقبون تضاؤل فرص التوصل إلى اتفاق قبل 31 ديسمبر وهو ما يطرح على الواجهة سيناريو “خروج بلا اتفاق” وهو السيناريو الأخطر والأسوأ لما له من تداعيات مالية واقتصادية باهظة سواء بالنسبة للتكتل الأوروبي أو للمملكة المتحدة، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار الأضرار والخسائر الجسيمة التي ستتسبب فيها “كورونا” والتي ستضاعف المعاناة للجانبين.
مما سبق يمكن القول أنه، بعد أربع سنوات من استفتاء “بريسكت”، فإن مسألة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لم يكن بتلك البساطة التي بدت عليها أو ربما كان يتصورها الناخبون البريطانيون حينها، فحتى الآن لم يسدل الستار على هذا الحدث الذي شغل العالم على مدار الأعوام الأربع الماضية. وما أجمع عليه المراقبون هنا أن “بريكست” سيظل يشكل علامة فارقة في تاريخ القارة الأوروبية، وأنه في حالة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق فإن ذلك سيشكل صدمة اقتصادية غير مسبوقة، وستكون بمثابة “جرس إنذار” لأي دولة تفكر في الانفصال عن الكتلة الأوروبية.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)