قال الكاتب الصحفي البريطاني روبرت فيسك إنه لن يوجد في الشرق الأوسط من سيدرس المأساة الأوكرانية الدامية بانجذاب واهتمام أكثر من الرئيس السوري بشار الأسد.
وأكد في مقال نشرته الإندبندنت البريطانية- أن الأسد لن يلتفت نهائيًا إلى منتقدي الرئيس الأمريكي باراك أوباما بسبب أنه أعطى الضوء الأخضر لنظيره الروسي فلاديمير بوتين بدعم الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش عندما تخاذل (أوباما) عن ضرب النظام السوري العام الماضي.. وأن الأسد لن يسأل عن المستقبل السياسي لنظيره الأوكرانى، لأنه يعلم هذا المستقبل جيدًا.
ورأى فيسك أن ما سيهتم به الأسد هو بحث أوجه التشابه بين حكومة يانوكوفيتش المحاصرة وحكومته في دمشق التي لا تزال تخوض صراعًا مسلحًا ضد مقاتلي المعارضة.. وقال إن أوجه الشبه دقيقة بأي حال من الأحوال; فخصوم الأسد يقولون إنه ويانوكوفيتش “أخوان في الدم”.
واعتبر الكاتب أن تلك التشابهات قريبة لحد يكفي بإغواء الأسد ووزير خارجيته وليد المعلم، الشبيه بـ “موريس تاليران” لدراسة درجة الدعم التي يوليها بوتين لحليفه في العاصمة الأوكرانية كييف.
وأكد فيسك أنه بدون الدعم الروسي والإيراني، لما استطاع الأسد الاستمرار طوال سنوات الحرب الثلاث المنصرمة، ولا كان في إمكان يانوكوفيتش الصمود في وجه قوات المعارضة دون صداقة “أخوية” من موسكو وتدليل من جانب الاتحاد الأوروبي.
ولفت الكاتب البريطاني إلى استخدم وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، في إعرابه عن الانزعاج مع الولايات المتحدة في الشأن الأوكراني، نفس الكلمات تقريبًا التي استخدمها من قبل عندما كانت واشنطن تهدد بضرب سوريا.
وقال فيسك: “إذا كانت أوكرانيا تمثل خط دفاع شرقي لروسيا في مواجهة أوروبا، فإن سوريا تمثل جزءًا من جبهة موسكو الجنوبية”.
وأضاف أن ثمة مزيدًا من أوجه المقارنة المثيرة للاهتمام; فقد كانت المعارضة السورية بادئ الأمر سلمية على غرار ثورتي تونس ومصر، على الرغم من ظهور عرضي لبعض المسلحين حتى في الأيام الأولى، ثم لم يلبث الفارون من الجيش السوري بتشكيل معارضة مسلحة سرعان ما تولى أمرها أصوليون ينصب اهتمامهم على استبدال خليفة إسلامي بالأسد أكثر من تحرير سوريا كمطلب مبدئي للمعارضة.. نفس الشيء ينطبق في العاصمة الأوكرانية كييف: حيث وجد معارضو يانوكوفيتش أنفسهم، بعد عدة أسابيع، وسط تجمعات صغيرة من النازيين الجدد المنتمين إلى اليمن المتطرف الذين يرى الخصوم أنهم يشبهون الفاشيين الأوكرانيين الذين ساعدوا الألمان في الحرب العالمية الثانية أكثر مما يشبهون المقاومة السوفيتية للاحتلال النازي.
ويمضى صاحب المقال: “كما شجعت القوى الغربية وإعلامها خصوم الأسد الأوائل معتبرة إياهم مقاتلين باسم الحرية، كذلك اعتبرت نفس القوى وذات الصحف أن المعارضة في أوكرانيا إنما تعارض النظام وليس الدستور.. وما أن تحولت التظاهرات إلى صراع مسلح من كلا الطرفين، حتى بعث الغرب وحلفاؤه من العرب عتادًا عسكريًا إلى أعداء الأسد.. وإذا كان ليس ثم دليل على أن الغرب فعل الشيء نفسه مع خصوم يانوكوفيتش، ممن يتسلح بعضهم الآن.. فإن علينا أن نتأكد أن المسألة مسألة وقت حتى يعلن الروس أنهم قاموا بذلك”.
وانتقل روبرت فيسك بعد تعديد أوجه التشابه إلى أوجه الاختلاف، قائلاً: إن ثمة فروقًا بالتأكيد: ذلك أن يانوكوفيتش تم انتخابه رئيسًا على نحو أكثر إقناعًا من الأسد، كما أن أوكرانيا لا تعاني الطائفية التي تعانيها سوريا.
وأشار فيسك إلى أنه كانت هناك اتصالات بالطبع بين سوريا وأوكرانيا; وقد زار الأسد كييف قبل اندلاع الثورة في سوريا ووقّع اتفاقية تجارة حرة وسمع إطراء يانوكوفيتش على بلاده باعتبارها بوابة أوكرانيا إلى الشرق الأوسط.. وثمة علاقات أكثر قربًا; ذلك أن عددًا كبيرًا من الطلاب السوريين يدرسون بجامعات أوكرانية في مقابل عدد أكبر من الأوكرانيين ولدوا لآباء سوريين وسوفييت قبل انهيار الشيوعية في أوروبا الشرقية..
كما أن القيادات العسكرية الكبرى في سوريا تعرف كييف جيدًا منذ أن تلقوا تدريبًا بالمعاهد العسكرية السوفييتية.
ويرى فيسك أن السؤال الأهم أمام سوريا هو: هل يستطيع بوتين دعم يانوكوفيتش حال استمرار الضغط الأمريكي والأوروبي؟ وهل يستحق بقاء يانوكوفيتش اشتعال حرب باردة جديدة؟
إذا كان ذلك كذلك، فإن الأسد في أمان: لن يتخلى الروس عن سوريا لأن ذلك من شأنه إظهار مدى سهولة إمكانية أن يديروا ظهورهم لأوكرانيا الروسية.
ويتساءل الكاتب البريطاني: ماذا لو اشترطت واشنطن إعطائها بوتين الضوء الأخضر إزاء أوكرانيا مقابل تخليه عن نظام الأسد؟ قد يلجأ أوباما مرة أخرى إلى دعاواه الاحتيالية بأن التهديدات العسكرية الأمريكية- وليست الوساطة الروسية- هي التي أجبرت الأسد على تسليم سلاحه الكيماوي للأمم المتحدة، ومن ثم يصر على ضرورة انصياع الأسد لحكومة انتقالية حاولت أمريكا وبريطانيا وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي فرضها على مبعوثي حكومة الأسد ممن حضروا محادثات جنيف.
ويختتم فيسك مقاله “إذن، الأسد باق.. اعتاد حزبه البعثي على البقاء بفضل مساعدة أسلاف بوتين. ربما يفهم الأسد يانوكوفيتش، ولكنه يعرف بوتين أكثر.. ليس من فراغ أن يدعو المصريون القائد الروسي بـ”الثعلب”.. هذا هو السبب وراء إرسال بوتين وسيطه الشخصي إلى كييف.. إن التخلي عن دمشق من شأنه أن يضر بموقف موسكو على نحو بالغ في الشرق الأوسط “الجديد”.. السوريون يدركون أن روسيا كبيرة بما يكفي للحرب على جبهتين.
وعليه فإنه من المرجح أن يستمر بوتين في الزود عن حلفائه- قبل أن يصل الوضع في أوكرانيا إلى ما وصل إليه في سوريا- على أمل أن يبدو أوباما مجرد مدع عديم الحيلة في كييف، تمامًا كما بدا في دمشق.