تسود أجواء من الترقب والقلق في مختلف أنحاء العالم انتظارا لما ستؤول إليه الأوضاع في ضوء انتشار “فيروس كورونا الجديد”، الذي ظهر مؤخرا في الصين وانتشر في عدد من الدول، والذي يمثل خطرا بالغا على المستوى الدولي، ويهدد بأن يُصبح من أكبر المخاطر التي يواجهها العالم خلال العام الجاري.
وهذا الفيروس الجديد هو أحد فيروسات كورونا وهي سلالة تضم عددا كبيرا من الفيروسات، التي قد تؤدي إلى أمراض مثل نزلات البرد الشائعة، وقد تؤدي أيضا إلى أمراض أخرى أكثر خطورة مثل “السارس” الذي أصاب الصين في وقت سابق وأدى إلى وفاة المئات في الفترة ما بين 2002-2003.
وظهر “فيروس كورونا الجديد” في مدينة ووهان، الواقعة وسط الصين، في أواخر العام الماضي ثم انتشر في عدد من المدن الصينية وأدى إلى وفاة 106 أشخاص وإصابة نحو 4515 حالة حتى الآن، وفقا لبيان لجنة الصحة الوطنية بالصين.
كما انتشر الفيروس في عدد من دول العالم ووصلت حالات الإصابة إلى أكثر من خمسين، ولم تسجل أي حالة وفاة خارج الصين حتى الآن.
وانتشر الفيروس بين مختلف أنحاء العالم حيث سجلت الولايات المتحدة خمس إصابات لأشخاص زاروا مؤخرا مدينة ووهان، وسجلت فرنسا 4 إصابات وألمانيا إصابة واحدة، واليابان ستة إصابات إحداهم لشخص لم يسافر مؤخرًا إلى الصين ولكنه كان يقود حافلة تحمل سياحا قدموا من ووهان.
كما سجلت كوريا الجنوبية أربعة إصابات، واستراليا خمس إصابات، وسنغافورة سبع إصابات، وماليزيا أربع إصابات، وتايلاند ثماني، وتايوان خمس، وفيتنام إصابتين.
وفي إطار الجهود الصينية لمواجهة خطر “فيروس كورونا الجديد”، اتخذت السلطات الصينية العديد من الإجراءات للحد من انتشار هذا الوباء كان من أبرزها تخصيص الحكومة الصينية مبلغ 8.7 مليار دولار لاحتواء الفيروس، وقرارها تعليق الرحلات المنظمة من وإلى الصين، وإعلان عدد من المدن الصينية الكبرى، مثل بكين وشنغهاي وتيانجين شاندونغ، تعليق رحلات الحافلات الطويلة التي تربطها بسائر أنحاء البلاد. كما مددت الصين عطلة السنة القمرية الجديدة وحثت المواطنين على عدم الخروج إلا في حالات الضرورة القصوى لتفادي الازدحام وتفشي العدوى، وأغلقت العديد من الشركات الكبرى أبوابها وطلبت من موظفيها العمل من المنازل لخفض مخاطر انتشار المرض.
إضافة لذلك ، فرضت عدد من المقاطعات الصينية ارتداء الأقنعة الواقية لمنع تفشي الفيروس ومن بينها مقاطعة غوانغدونغ، الواقعة في جنوب الصين،
والتي تعد من اكثر المقاطعات اكتظاظاً بالسكان حيث تضم 110 ملايين نسمة.
كما أعلنت الصين تعليق تجارة الحيوانات البرّية، بعد ظهور هذا الفيروس للمرة الأولى في سوق في ووهان، حيث كان يُباع هذا النوع من الحيوانات.
وأعلنت منطقة التبت، التي تتمتع بحكم ذاتي في الصين، إغلاق كافة المواقع السياحية بشكل مؤقت لوقف انتشار الفيروس .
وكانت السلطات الصحية الصينية قد أعلنت أن “قدرة تفشي الفيروس الجديد قد تعززت” حتى لو لم تكن بنفس قوة “السارس”. كما أكد علماء صينيون أن المصابين، الذين تأكدت إصابتهم، يمكنهم نقل العدوى حتى قبل ظهور الأعراض عليهم.
ويتسم الوضع الحالي بخطورة بالغة وهو ما دفع الرئيس الصيني شي جينبينغ للقول، أمس اثناء لقائه مع المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، إن بلاده تخوض “معركة خطيرة ضد فيروس كورونا المستجدّ”، واصفا إياه بأنه “شيطان”، ومتعهدا بالتزام الشفافية في الجهود التي تبذلها الحكومة لاحتواء المرض.
من جانبه ، أكد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم، ثقته في قدرة جمهورية الصين الشعبية على احتواء هذا الفيروس الجديد وكبح انتشاره، مشيرا إلى تأييده للإجراءات التي اتخذتها الحكومة الصينية حتى الآن لمواجهة هذا الفيروس.
وعلى المستوى الدولي، أعلنت معظم الدول حالة الاستنفار في مطاراتها وفرضت إجراءات فحص طبي للمسافرين، خاصة القادمين إليها من مدينة ووهان الصينية، كما اتخذت العديد من الإجراءات الوقائية لمنع دخول الفيروس إليها فضلا عن الإسراع في سحب رعاياها وبعثاتها الدبلوماسية وأسرهم من المدن الصينية.
وفي ضوء ما سبق، يبدو المشهد ملبدا بالغيوم خاصة أنه لم يظهر حتى الآن علاج متخصص لهذا الفيروس حيث أنه سلالة جديدة، وهو ما يجعل منه خطرا متصاعدا يهدد استقرار العالم. إضافة لذلك، أكد الباحثون المتخصصون في مجال الأوبئة أنه يصعب التنبؤ في الوقت الحالي بما سيحصل مستقبلا حيث أنهم لا يمتلكون إلا معلومات مجزأة حول هذا الفيروس الجديد، ولكنهم يعتقدون -بناءً على المعطيات الأولية المتاحة- أنه سيتسبب في إصابة ما لا يقلّ عن عشرات آلاف المرضى وستستمرّ أزمة انتشاره شهوراً عدة في أقضل الأحوال.
كما أكد هؤلاء المتخصصون أن تأثير الإجراءات التي اتخذتها الصين مؤخرا، سيظهر في غضون أسبوع أو أسبوعين، لأن هذه مدة دورة الفيروس وعلى أساس ذلك يمكن تصور المشهد خلال الفترة القادمة.
ويتفق المراقبون على أن انتشار “فيروس كورونا جديد” كان له العديد من الأضرار الاقتصادية سواء على مستوى الصين أو الدول الأخرى. فمن ناحية تضرر قطاع السياحة بشكل واضح حيث ألغى ملايين الصينيين رحلاتهم خلال العام الجديد، وفرضت السلطات قيودا على السفر والتنقل في بعض المناطق.
كما تسببت القيود التي فرضت على التنقل والسفر في حدوث العديد من المشكلات للشركات والأعمال، التي تحتاج إلى نقل بضائعها وموظفيها من مكان إلى آخر، وهو ما سيؤثر بدوره على مجموعة الإمدادات التي تحتاجها الشركات والمصانع لمواصلة أعمالها، كما سيؤدي إلى تعطل وصول البضائع والإمدادات في أوقاتها، الذي قد يقود إلى ارتفاع في أسعار بعض السلع.
من ناحية ثالثة، تأثرت الأسواق العالمية بانتشار الفيروس، حيث هبط مؤشر أسعار الأسهم في سوق نيكي باليابان بنسبة 2 %، بعد إعلان الحكومة الصينية عن تمديد إجازة السنة القمرية الجديدة. كما هبطت أسعار النفط والنحاس، لتوقع التجار تضاؤل الطلب العالمي عليها في ظل استمرار غلق بعض المدن الصينية.
المصدر : أ ش أ