أدت أنشطة قُطًاع الطرق المسلحين، الذين يتركزون في المنطقة الشمالية الغربية لنيجيريا وأجزاء من المنطقة الشمالية الوسطى، إلى مقتل وتشريد الآلاف من الأشخاص، حيث قتل في عام 2021 فقط، أكثر من 2600 مدني بسبب أنشطة هذه الجماعات، مع نزوح حوالي 11500 نيجيري إلى النيجر المجاورة.
وذكرت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية – في تقرير لها – أن هذه الجماعات مدفوعة في الغالب بالانتهازية الاقتصادية، وليس الأيديولوجية السياسية، وهو ما يميزهم عن الجماعات الإرهابية مثل “بوكو حرام” وتنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا (ISWAP) .
وأضافت المجلة أن هذه الأنشطة تفسر أيضا عمليات السطو والخطف السائدة في هذه المناطق من أجل الحصول على فدية، ولكن هذه الأنشطة في الوقت الراهن لا تنفي إمكانية تبني العصابات المسلحة أيديولوجية سياسية في مرحلة لاحقة، فهناك أدلة متزايدة تشير إلى وجود نوع من التعاون بين العصابات المسلحة والمنظمات المتطرفة العنيفة في نيجيريا، ولكن نظرا للاختلافات في الأهداف، لا يُتوقع أن يترسخ هذا النوع من التعاون في أي وقت قريبا، خاصة وأن أي تعاون بين قطاع الطرق المسلحين مع الجماعات الإرهابية محكوم بوجود أهداف وغايات مشتركة في إطار هيكل قيادة هرمي منظم.
وتابعت أن اتجاه أعمال اللصوصية المسلحة في ولاية زامفارا شمالي نيجيريا وعبر المنطقة الشمالية الغربية يرجع جزئيا إلى أزمة المزارعين والرعاة في نيجيريا، حيث قام الرعاة هناك بالرعي العشوائي في الأراضي الزراعية، ما أدى في كثير من الأحيان إلى إتلاف محاصيل المزارعين وخلق توترات ونزاعات بين الجانبين، وأدى ذلك أيضا إلى تشكيل مجموعات أهلية محلية من قبل المزارعين لتوفير الحماية لأراضيهم.
بدورها، قامت الحكومة الفيدرالية النيجيرية مؤخرا بتصنيف العصابات المسلحة على أنها إرهابية، ما يمهد الطريق لاستخدام القوة ضد هذه العصابات، الأمر الذي يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى نتيجة عكسية تتمثل في خلق مساحة وأرضية مشتركة للتعاون بين قُطًاع الطرق المسلحين والإرهابيين باعتبار أنهم يواجهون تحديا مشتركا (الحكومة).
وذكرت المجلة الأمريكية أن عدد قُطًاع الطرق المسلحين في ولاية زامفارا (مركز الأزمة) وخمس ولايات شمالية أخرى، بلغ نحو 30 ألفا، وأن هؤلاء المسلحين أرغموا السكان المحليين على إخلاء منازلهم مع استمرار أعمال العنف الجنسي ضد النساء والفتيات هناك، ودفعت هذه الممارسات إلى جهود غير منسقة من قبل حكومات الولايات لوضع حد لآفة اللصوصية المسلحة، بما في ذلك مبادرات عفو تستهدف ما يسمى بقطاع الطرق المسلحين التائبين، وغيرها من الإجراءات الأكثر صرامة من قبل الحكومة الفيدرالية، مثل تعطيل الاتصالات السلكية واللاسلكية في المناطق التي تنشط العصابات المسلحة فيها..غير أن دعوة حكومة ولاية زامفارا الأخيرة لسكانها لحمل السلاح لحماية أنفسهم من قطاع الطرق كانت الأكثر صرامة، والتي ربما تؤدي إلى انتشار أسلحة يتعذر تعقبها عبر المنطقة الشمالية الغربية.
واعتبرت “فورين بوليسي” أن تحرك حكومة الولاية يعكس بوضوح تخليها بشكل أساسي عن حقها الحصري في استخدام القوة، واعترافا صريحا بعجزها عن حماية وضمان سلامة سكانها، لكن العواقب المباشرة لمثل هذا القرار تتمثل في أنه يمكن أن يؤجج الأمر ويدفع نحو الشروع في موجة قتل تستهدف المزيد من المدنيين والمجتمعات المحلية الضعيفة، ما قد يؤدي بدوره إلى تصعيد الأزمة الإنسانية المتفاقمة بالفعل على الأرض، إضافة إلى احتمال حتمي لانتشار الأسلحة الصغيرة والخفيفة عبر منطقة الشمال الغربي.
وأشارت المجلة الأمريكية إلى أن البعض قد يتحدث عن نجاح تجربة تسليح المدنيين الذين يعملون مع قوة نظامية من الجيش في مواجهة هجمات جماعات إرهابية مثل “بوكو حرام” و”تنظيم الدولة الإسلامية” في مناطق شمال شرق نيجيريا المضطربة، إلا أن الاختلاف في هذه الحالة هو أن حكومة ولاية زامفارا لا تدعو إلى التعاون مع كيان منظم وإنما تسليح المدنيين دون أي شكل من أشكال التدريب العسكري أو شبه العسكري، كما لا يبدو أن حكومة الولاية لديها أي خطط لتوفير تدريب شبه عسكري على استخدام هذه الأسلحة للقتال في أماكن هشة.
ولفتت المجلة إلى أن حدود الولاية سهلة الاختراق والتحديات المرتبطة بعدم قابلية السيطرة على هذه الحدود تزيد الأمور تعقيدا، إلى جانب تزايد المخاوف من أن قرار تسليح المدنيين قد يجذب المقاتلين الإرهابيين الأجانب من منطقة الساحل إلى ولاية زامفارا، سعيا للحصول على المزيد من الأسلحة.
وعلى الرغم من صعوبة تحقيق هدف إنهاء حالات الخطف والعنف في ولاية زامفارا شمالي نيجيريا سريعا، إلا أنه يمكن تحقيقه من خلال جهد مدروس من قبل حكومة الولاية بالتعاون مع الجهات الأمنية المختصة، كما أنه بدلا من تبني نهج يساهم في الإفراط في الطابع العسكري للأزمة، ينبغي على حكومة ولاية زامفارا معالجة الدوافع السياسية والاجتماعية والاقتصادية لأعمال اللصوصية المسلحة، سيما قضايا سوء الإدارة والفقر والأمية وعدم المساواة والتعدين غير المشروع للذهب، مع القيام بحملات توعية عبر وسائل الإعلام تبرز من خلالها أصوات الضحايا، سيما أصوات النساء والفتيات، مع تشويه صورة اللصوص المسلحين.
وشددت المجلة الأمريكية على أن وضع السلاح بين أيدي المدنيين ردا على تهديد اللصوصية المسلحة لن يأت فقط بنتائج عكسية ولكنه سيكون بمثابة دعوة لفوضى شاملة، ستؤدي إلى خسائر فادحة في الأرواح وتزيد من ترسيخ الصراع العنيف الذي طال أمده في ولاية زامفارا والمنطقة الشمالية الغربية بشكل عام.
المصدر: أ ش أ