تبدلت مشاهد القمامة، بمنطقة الزرايب بالقرب من جبل المقطم التي يعيش أغلب قاطنيها على جمع القمامة من مختلف مناطق القاهرة ثم فرزها وبيعها مرة أخرى لمصانع إعادة تدوير المخلفات، إلى مشهد جرافيتي فني ضخم غطى أجزاء من جدران نحو 50 منزلا بالمنطقة.
وجاء الجرافيتي المتدرج الذي صممه فنان تونسي واعتمد على الخط العربي متسقا مع واقع سكان المنطقة فقد استخدم قولا مأثورا للقديس أثناسيوس بابا الإسكندرية الذي عاش خلال القرن الثالث الميلادي. وتضمن الرسم الذي جاء على شكل دائرة كبيرة كلمات رسمت بطريقة فنية لعبارة تقول “إن أراد أحد أن يبصر نور الشمس فإن عليه أن يمسح عينيه.”
وأطلق الفنان التونسي السِيد الذي صمم الرسم وأشرف على تنفيذه بمنطقة الزرايب على مشروعه اسم “إدراك” وقال إنه أراد أن يختبر به مدى الفهم الخاطئ والأحكام التي قد يصدرها مجتمع على مجتمع آخر بناء على الاختلافات فيما بينهما.
لاقت الفكرة استحسان أهل المنطقة، وقال سعيد راتب بخيت أحد سكان المنطقة “الصورة دي بتساهم في أنها تمسح الغشاوة اللي على عين الناس. في ناس بتقول على منطقتنا دي الزبالين.. إحنا منظفين.”
وقال عوض شهيد فانوس بينما كان يقوم بفصل القمامة خارج منزله عن الرسم “دي صورة ربنا حلوة مش وحشة” وذلك في إشارة إلى أن الرسم يحتوي على قول مأثور لرمز ديني مسيحي.
والسِيد هو اسم شهرة فني وليس الاسم الحقيقي للفنان التونسي المولود في فرنسا والبالغ من العمر 34 عاما. استغرق تنفيذ الرسم ثلاثة أسابيع لكن الإعداد له استغرق عاما كاملا وزار السِيد القاهرة أكثر من مرة قبل بدء التنفيذ. وشارك في التنفيذ فريق كبير يضم تونسيين وجزائريين وفرنسيين جاءوا جميعا من فرنسا وانضم لهم عمال مصريون.
وقال السِيد إنه لم يتعرض لمضايقات من السلطات خلال فترة عمله لكنه واجه بعض الصعوبات خاصة مع الجمارك بسبب المواد والدهانات التي أحضرها من فرنسا. كما سهلت موافقة الأب سمعان إبراهيم راعي دير القديس سمعان على تنفيذ مشروعه الفني من مهمته بمنطقة الزرايب.
وأكد السِيد الذي مول المشروع من ماله الخاص “الفائدة ليست في الفلوس. الفائدة في الهدف منه وكيف أحس به الناس هناك. مثل هذا العمل وسط كل الأخبار السيئة يعطي رسالة أمل.”
وصمم السِيد ونفذ العديد من رسوم الخط العربي أو ما يطلق عليه (الكاليجرافيتي) في مناطق مختلفة من العالم. ومن أبرز مشاريعه رسم بالخط العربي على أحد جوانب جسر الفنون أو ما كان يعرف باسم جسر العشاق في العاصمة باريس. وفي العام الماضي أصبح السِيد زميلا لمؤسسة تيد المعنية بنشر الأفكار الجديدة والمبتكرة بوصفه “سفيرا للثقافة العربية باستخدام فن الخطوط”.
ونفذ الكثير من الرسوم في بلده الأم تونس ومن أشهرها رسم استخدم فيه آية قرآنية على مئذنة مسجد في مدينة قابس الجنوبية مسقط رأس أسرته لكنه يرى أن تجربته في مصر كانت مختلفة فنيا وإنسانيا، حيث ما لاقاه وفريقه من حسن استقبال وكرم ضيافة في منطقة الزرايب لم يشهده في أي مكان آخر.
المصدر: رويترز