يتوجه الفرنسيون غداً الأحد الى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الجولة الثانية والأخيرة من الانتخابات الرئاسية وسط توقعات بفوز المرشح الوسطي المستقل ومؤسس حركة “الى الامام” ايمانويل ماكرون على زعيمة حزب “الجبهة الوطنية” اليميني المتطرف مارين لوبن .
وتعد هذه الانتخابات استثنائية بجميع المقاييس لانها تجرى تحت نظام الطوارىء لأول مرة ولان رئيس فرنسا القادم لن ينتمي للحزبين الرئيسيين لليمين واليسار اللذين تناوبا على حكم البلاد منذ نحو 60 عاما، فضلا عن ان المرشح الأوفر حظا ايمانويل ماكرون (39 عاما)، حال فوزه سيكون أصغر رؤساء فرنسا سنا وإذا حدث العكس فستكون لوبن (48 عاما) اول امرأة رئيسة لجمهورية بفرنسا.
ولكل مرشح برنامج مختلف جذريا عن الأخر فبرنامج ماكرون ( الذى حصل على % 24.1 من الأصوات فى الدورة الاولى) منفتح على العالم وعلى الاتحاد الأوروبي، ويعتمد في الاقتصاد على آليات السوق والتبادل الحر؛ بينما برنامج لوبن (التي فازت بـ % 21.3 ) يميل إلى إغلاق الحدود الفرنسية والخروج من الاتحاد الأوروبى ومنطقة اليورو ، ويتضمن على الصعيد الاقتصادي والتجاري سياسات حمائية، كما يتبع اجراءات اكثر صرامة في قضايا الهجرة ومكافحة الارهاب والجماعات المتطرفة.
وخلال المناظرة التاريخية والحاسمة التي شاهدها نحو 16.5 مليون شخص الأربعاء الماضي، تفوق ايمانويل ماكرون -الذي يحظى بدعم أوساط المال والاعمال وأغلب القيادات السياسية التي تريد التصدي بأي ثمن لوصول اليمين المتطرف الى الحكم – على مرشحة اليمين المتطرف.
فمارين لوبن – التى حصدت عددا تاريخيا من الأصوات في الجولة الأولى بلغت نحو 7.5 مليون صوت – لم تنجح في قلب موازين القوة لصالحها كما كان متوقعا خلال المناظرة المشار اليها بل ما حدث هو العكس اذ نجح ماكرون – فى وضعها في مأزق لا سيما في الأمور المتعلقة بالشأن الاقتصادي والاوروبي.
ولم تتضمن إجابات مارين لوبن حلولاً تسمح بتبديد مخاوف الفرنسيين من تداعيات الخروج من اليورو والاتحاد الاوروبي ومن فرض تدابير حمائية قد يكون لها انعكاسات سلبية على الاقتصاد الوطني والبطالة، بحسب المراقبين.
وبغض النظر عن نسبة الامتناع عن المشاركة في التصويت يوم الاحد، فالمؤشرات جميعها تظهر ان ايمانويل ماكرون هو الأقرب للوصول لكرسي الاليزيه؛ حيث تشير أخر استطلاعات الرأى – التى لم تخطىء حتى الان فى فرنسا – الى حصول ماكرون على نحو % 62 من نوايا التصويت مقابل % 38 لمارين لوبن.
ووفقا لهذا الاستطلاع ، حاز ماكرون على تأييد % 45 من أنصار ﻓرانسوا فيون (مرشح اليمين الخاسر في الجولة الاولى) مقابل % 32 لمارين لوبن وكسب عشر نقاط فى صفوف مناصري جون لوك ميلونشون (مرشح اليسار المتطرف المستقل الخاسر) حيث نال % 54 من نوايا التصويت فى مقابل % 14 فقط لمارين لوبن كما اظهر الاستطلاع الذي أجراه معهد ايلاب ونشر الجمعة ان %68 من الناخبين يعتزمون التصويت بينما % 19 لا يزالوا مترددين.
وتجرى الانتخابات الرئاسية الفرنسية وسط إجراءات أمنية غير مسبوقة، حيث حشدت فرنسا اكثر من 50 الف فرد للشرطة والدرك والجيش لتأمين الاقتراع من بينهم 12 الفا في العاصمة باريس وحدها وذلك بناء على توجيهات الرئيس فرانسوا اولاند بتعبئة كافة الامكانات لمواجهة اي اخطار ارهابية او هجمات الكترونية محتملة.
وينتخب رئيس الدولة في فرنسا بالاقتراع العام المباشر لولاية مدتها خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة ولابد ان يحصل على الاغلبية المطلقة من الأصوات الصحيحة ، اي اكثر من %50 أيا كانت نسبة المشاركة.
ولا تعترف فرنسا “بالتصويت الابيض”، الذي يعبر عن رفض الناخب للخيارات المطروحة، الا ان اللجان الانتخابية مع ذلك تقوم بحصر البطاقات البيضاء بخلاف الأصوات الباطلة وتقوم بإدراج عددها في المحضر الخاص بها.
ويبلغ عدد المواطنين المسجلين على القوائم الانتخابية 47.58 مليون من بينهم اكثر من 1.3 مقيمين في الخارج، فيما يبلغ عدد المراكز الانتخابية في فرنسا 66546 مركزا ستفتح أبوابها في الثامنة صباحا وحتى السابعة مساء، اما في بعض المدن الكبرى من بينها العاصمة باريس ستغلق الصناديق في الثامنة.
وتبدأ عملية التصويت اليوم السبت في بعض القنصليات الفرنسية في الخارج وفي عدد من أقاليم ما وراء البحار التابعة لفرنسا مثل جويانا في امريكا الجنوبية و”سان بيير وميكلون” بالقرب من الساحل الشرقي لكندا، و في بولينزيا الفرنسية في جنوب المحيط الهادي.
ويحظر القانون الفرنسي نشر اي نتائج قبل اغلاق الصناديق في كل مراكز الاقتراع في الثامنة مساء يوم الاحد وذلك بخلاف تلك المتعلقة بنسبة المشاركة لتجنب أي تأثير على الناخبين. وسيتم اعلان النتائج الجزئية بشكل تدريجي مساء الاحد خلال عملية فرز الأصوات وصولا الى النتيجة النهائية التي ستعلنها وزارة الداخلية.
كما من المقرر ان تجرى مراسم تنصيب الرئيس الجديد لفرنسا في موعد اقصاه يوم 14 مايو الجاري وهو تاريخ انتهاء ولاية الرئيس الاشتراكي ﻓرانسوا أولاند الذي قرر عدم الترشح لفترة ثانية في سابقة في تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة التي تأسست عام 1958.
وبحسب المراقبين ، يواجه الرئيس القادم لفرنسا تحديات هائلة في ظل حالة الانقسام في المشهد السياسي الفرنسي وخيبة الأمل التي يشعر بها أنصار المرشحين الخاسرين؛ وسيتعين عليه، من خلال حزبه، خوض معركة حاسمة في الانتخابات التشريعية المرتقبة في شهر يونيو القادم لضمان حصوله على الاغلبية في الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) وإلا فلن يتمكن من تحقيق وعوده الانتخابية وتحويل سياساته الى واقع ملموس بغية تلبية تطلعات الفرنسيين في مستقبل أفضل على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والأمني.
المصدر : أ ش أ