جاء في تقرير لصحيفة الفايننشال تايمز أن أسواق النفط، خصوصًا مع وصول الأسعار إلى70 دولارا الفترة الأخيرة تجعل السعودية القوة المحركة له.
ربما تكون شركة أرامكو، قد تربعت على عرش التمويل الدولي الأسبوع الماضي بعرض السندات المغرية البالغة قيمتها 12 مليار دولار والاحتفاء بها عالميا، ولكن في خلفية هذه الأحداث تظل هناك مسؤولية على المملكة في دورها التقليدي في أسواق النفط.
وجديرٌ بالذكر أن أسعار النفط ارتفعت بنسبة بلغت 30% منذ بداية هذا العام لتعود مرة أخرى فوق 70 دولارا للبرميل. وهناك الكثير من الأسباب التي تجعلك تعتقد بأن الأسعار سترتفع أكثر من ذلك، فقد انخفض إنتاج فنزويلا جدًا بسبب الانهيار الاقتصادي والسياسي في الدولة وفرض العقوبات الأميركية عليها، وهي العقوبات التي قد تزداد حدة في الأسابيع المقبلة.
كما أن إيران تواجه أيضًا احتمالية عقوبات أميركية أكثر حدة بدءا من الشهر القادم، بينما اجتاح النزاع ليبيا، ورئيس شركتها الحكومية النفطية يحذر من أن الإنتاج سيتأثر قريبًا.
بالإضافة إلى ذلك، هناك الاحتجاجات السياسية التي اندلعت في الجزائر، والتي لم تؤثر حتى الآن على إنتاج الطاقة ولكن احتمالية تأثيرها تظل متواجدة، وهناك أربعة أعضاء من أوبك يراقبون عن كثب بالفعل.
وبالمجمل، ليس من الصعب رسم سيناريو يفقد فيه سوق النفط العالمي مليون برميل آخر يوميًا أو نحو ذلك في الأشهر القليلة المقبلة، علاوة على الإنتاج المفقود بالفعل من فنزويلا وإيران، لذلك ليس من المفاجئ أن ترتفع أسعار النفط بالفعل بشكل حاد، على الرغم من الشكوك المستمرة حول صحة الاقتصاد العالمي.
ولكن ردة فعل السعودية على هذه الضغوط في السوق كانت معبرة.
وفي حين أنها أعلنت في شهر نوفمبر أنها ستخفض إنتاجها إلى جانب مجموعة أوبك بلس الموسعة (والتي تتضمن أكبر المنتجين من خارج أوبك مثل روسيا) لقد تجاوزت المملكة الهدف الذي اتفقت عليه.
فمنذ شهر نوفمبر، قلصت السعودية إنتاجها من 11 مليون برميل يوميًا إلى 9.8 مليون، وهو انخفاض قدره أكثر من 1.2 مليون برميل يوميًا أو ما يعادل إنتاج المملكة المتحدة من النفط، إن التخفيض تجاوز حصة المملكة من هدف أوبك بلس للإنتاج والبالغ قدره 10.3 مليون برميل يوميًا.
ونتيجة لذلك، ترى جميع وكالات التنبؤ بالطاقة، من إدارة معلومات الطاقة الأميركية وحتى أوبك نفسها، أن السوق يواجه نقصا تقريبًا بحوالي 400,000 برميل يوميًا في المتوسط هذا العام.
وهذا الرقم يعتمد بشكل حاسم على أرقام إنتاج شهر مارس ولا يتضمن أي إنتاج إضافي قد يتم فقدانه في الأشهر المقبلة. وإذا تم فقدان مليون برميل آخر يوميًا سيكون هناك صراع واسع النطاق على براميل النفط من قبل مصافي التكرير في جميع أرجاء العالم حتى تلبي احتياجاتهم الملحة.
وقال مايكل تران، الخبير النفطي في آر بي سي كابيتال ماركتس، هذا الأسبوع: “إن تعافي [النفط] بسبب الأمور الجيوسياسية قد يدفع الأسعار نحو 80 دولارا أو أكثر من ذلك لفترات متقطعة هذا الصيف.” وهو يتوقع الآن أن يبلغ متوسط سعر البرميل 75 دولارا لبقية العام.
لذلك من العدل أن نسأل ما إذا كانت السعودية معنية بذلك أم لا. فمن الواضح أن المملكة هي وراء رفع الأسعار وقد تحركت بقوة لتحقيق ذلك.
وفي العام الماضي، كان شعورها بالضيق متفهمًا عندما رفعت الإنتاج قبل فرض الولايات المتحدة لعقوبات على إيران ومن ثم تجد واشنطن تمنح استثناءات في اللحظة الأخيرة لعددٍ من عملاء إيران. وتراجعت الأسعار نتيجة لذلك، وأصبحت المملكة في موقف اقتصادي صعب.
وقد يكون التأخير المتعمد بعض الشيء مفهومًا هذه المرة، حتى مع استمرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بالضغط على أوبك حتى لا ترتفع الأسعار للغاية من أجل مصلحة الاقتصاد العالمي (وحملته المقبلة لإعادة انتخابه).
ولكن إذا أرادت السعودية وضع نفسها كمنظم مسؤول لأسواق النفط، فلربما يتوجب عليها التحرك سريعًا. ولا يتطلب الأمر جهدًا للتنبؤ بإنتاج فنزويلا وإيران. كما أن عدم تأثر ليبيا سيكون مفاجئًا.
لذلك ينبغي على السعودية أن توضح استعدادها للتدخل والحد من التأثير من انخفاض الإنتاج، وهذا لا يتطلب أن تعكس حصتها من خفض الإنتاج ولكن إبداء الرغبة في إعادة إنتاجها ليتماشى مع هدف أوبك المتفق عليه سيساعد كثيرًا على تهدئة الأسواق.
وسيكون لخفض السعر فائدة إضافية على السعودية تتمثل في إبطاء الزيادة الحتمية من إنتاج النفط الصخري الأميركي، والذي من المرجح أن ينمو بشكل أسرع إذا استمر النفط صعودًا نحو 80 دولارا.
وربما تقرر السعودية بالطبع أن مثل هذه الخطوة لا تصب في مصلحتها، وتفضل الإيرادات قصيرة الأجل على استقرار السوق.
ولكن في الوقت الذي يواجه فيه نمو الطلب على النفط على المدى الطويل تساؤلات جدية، فقد يؤدي إثبات المملكة بأنها تلعب دور المسؤول المنظم لاستقرار أسواق النفط إلى منافع إضافية لمملكة مازالت تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط.
المصدر : وكالات