فاينانشيال تايمز: ما بين فترات الانعزال والتدخلات الخارجية قد يشهد العالم أمريكا أكثر انطوائية في المستقبل القريب
ذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية في عددها الصادر اليوم السبت أن التاريخ الانساني المعاصر شهد فترات متباينة بين التدخلات الأمريكية في الخارج وفترات عزلة ساد فيها شعار “أمريكا أولا”، وقد تخبرنا الأحداث الجارية في أفغانستان أن أمريكا ربما تميل في المستقبل القريب إلى صب جل تركيزها على قضاياها الداخلية.
وقالت الصحيفة في مستهل افتتاحيتها لعدد اليوم، والتي نُشرت على موقعها الالكتروني، إن جو بايدن ودونالد ترامب سياسيان مختلفان تمامًا. غير أنه اتضح أن الرئيسين لديهما سياسة واحدة مهمة للغاية: وهي الالتزام بإنهاء “الحروب الأبدية” للولايات المتحدة. وبينما بدأ ترامب المفاوضات مع طالبان ووعد بسحب جميع القوات الأمريكية من أفغانستان في عام 2021، كان بايدن هو الذي أوصل هذه العملية إلى نهايتها الفوضوية!.
وأضافت: أن سقوط كابول في أيدي مقاتلي طالبان قد يجعلنا نستشرف مستقبلا لا يسير إلا في اتجاه واحد نحو أمريكا أكثر انطوائية من أي وقت مضى. وفي الواقع، ولأكثر من قرن من الزمان، كان موقف أمريكا من التدخل العسكري في الخارج متبايناً بين فترات من التدخل النشط تلتها فترات انسحاب. لذا، من المرجح حالياً أن تمثل نهاية الحرب الأفغانية دورة جديدة من دورات ضبط النفس والانعزالية الأمريكية.
وأشارت الصحيفة إلى أن التدخل الأمريكي في الحرب العالمية الأولى عام 1917 أثار جدلا واسع النطاق في الداخل وخلق شعار “أمريكا أولاً”، الذي تبناه ترامب، من قبل الانعزاليين في فترة ما بين الحربين، والذين عارضوا دخول الولايات المتحدة في حرب عالمية ثانية. حتى أن تأثيرهم ظل قوياً لدرجة أن فرانكلين روزفلت، الرئيس الأمريكي وقتها، لم يكن قادراً على دفع الولايات المتحدة إلى الحرب إلا بعد أن تعرضت أمريكا لهجوم في مدينة بيرل هاربور.
وبعد الحرب العالمية الثانية، رفضت المؤسسة الأمريكية الانعزالية ودخلت الحروب في كوريا وفيتنام، ولكن أدت كارثة فيتنام إلى فترة جديدة من ضبط النفس الأمريكي انتهت بحرب الخليج الأولى عام 1991، بعد أن غزا الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الكويت. لكن حتى ذلك الحين، أبت الدبابات الأمريكية دخول بغداد و “تغيير النظام”. ثم جاءت الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 لتُزيد من دعوات إعادة تشكيل الشرق الأوسط والنظام العالمي، من خلال استخدام القوة العسكرية و بث “الصدمة والرعب”.
والآن، تابعت الصحيفة أن هناك دورة جديدة من ضبط النفس داخل الأوساط الأمريكية؛ حيث أن إخفاقات الحروب في العراق وأفغانستان هيأت الأسباب الأساسية التي دفعت الولايات المتحدة لأن تتجه إلى الداخل مرة أخرى. لكن قرار بايدن بتقليص خسائر أمريكا في أفغانستان نبع أيضًا من الحاجة إلى تركيز موارد الولايات المتحدة على صراع ناشئ مع الصين. كما أن بايدن يعتقد بأن عليه إنقاذ الديمقراطية في الولايات المتحدة نفسها، ولا يرغب في أن يزج باسمه في “حروب أبدية”.
مع ذلك، أبرزت “فاينانشيال تايمز” أن كارثة أفغانستان قد لا تمحي التدخل الأمريكي من على طاولة الأحداث الدولية إلى الأبد. حيث أن الجدل بشأن استخدام أمريكا للقوة العسكرية لتحقيق أهداف السياسة الخارجية والأمن القومي لن يتم تحقيقه بشكل قاطع لعدم وجود خيارات مثالية على الإطلاق.
حتى الانعزاليون المعاصرون، حسبما قالت الصحيفة، يقبلون بأن تستمر الولايات المتحدة في استخدام القوة ضد التهديدات الإرهابية في الخارج، ولكن من خلال ضربات الطائرات بدون طيار التي كانت تفضلها إدارتي الرئيسين السابقين، باراك أوباما ودونالد ترامب. كما أنه قد لا تزال هناك أحداث تدفع الولايات المتحدة إلى وضع قوات على الأرض، على الأقل بأعداد محدودة نسبيًا.
وأخيرا، اختتمت الصحيفة افتتاحيتها بقول إن نظام التحالف الأمريكي سيظل يدعم الاستقرار الجيوسياسي في آسيا وأوروبا من منطلق الاعتقاد بأن الولايات المتحدة سوف تستخدم، في نهاية المطاف، القوة للدفاع عن حلفائها. وحتى بعد أفغانستان، لن تتخلى أمريكا عن هذا الالتزام.
المصدر: أ ش أ