انتهى الديمقراطيون في مجلس النواب الأمريكي من الجلسات العلنية لتحقيقات عزل الرئيس دونالد ترامب المقررة حول أوكرانيا، ويتعين أن يقرروا ما إذا كانوا سيعقدون المزيد من الجلسات أم لا، أو ينتقلون إلى الخطوة المقبلة نحو توجيه اتهام بالتقصير للرئيس الأمريكي.
ويبدو أن الرئيس ترامب يحاول التخلص من جلسات مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، وذلك عبر المطالبة بتسريع الإجراءات لإحالة الملف لمجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون.
وقال الناطق باسم البيت الأبيض هوجان جيدلي – في بيان – “الرئيس ترامب يريد محاكمة في مجلس الشيوخ لأن من الواضح أنه المجلس الوحيد الذي يمكن أن يتوقع فيه نزاهة ومعاملة عادلة بموجب الدستور”.
وأعلن النائب الديمقراطي آدم شيف الذي يرأس لجنة التحقيق أن الوقائع المنسوبة إلى ترامب “أخطر بكثير” مما فعله الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون والذي استقال عام 1974 لتجنب إجراءات عزل أكيدة على خلفية فضيحة “ووترجيت”.
وقال شيف مختتما جلسات استماع ماراثونية في الكونجرس إن “ما لدينا هنا هو أخطر بكثير نحن نتحدث عن تجميد مساعدة عسكرية لحليف في حالة حرب”، في إشارة منه إلى أوكرانيا. وشدد على أن “هذا يتجاوز بكثير ما قام به نيكسون”، مضيفا “لا يوجد ما هو أكثر خطورة من رئيس غير أخلاقي يعتقد أنّه فوق القانون”.
وشهد أسبوعان من جلسات الاستماع العلنية حضور 12 من الدبلوماسيين والموظفين الحكوميين والمعينين السياسيين، الذين وصفوا كيف كان ترامب، من خلال محاميه الشخصي، رودي جيولياني، يحاول الضغط على أوكرانيا للإعلان عن تحقيق بشأن خصمه الديمقراطي المحتمل، جو بايدن.
وجمد الرئيس ترامب مساعدات عسكرية بقيمة نحو 400 مليون دولار وزيارة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى البيت الأبيض، في خطوات يعتقد أنها هدفت للي ذراع كييف المنخرطة في نزاع مع روسيا، لمساعدته في الانتخابات.
وبعد يوم واحد من إنهاء الجلسات العلنية في قضية عزله، شن على خصومه الديمقراطيين، قائلا: إنهم لا يملكون شيئا على الإطلاق لإدانته، وذلك على خلفية اتهامه بمطالبة أوكرانيا بالتحقيق في شبهات فساد تحيط بنجل خصمه الديمقراطي جو بايدن، واصفا جلسات الاستماع بأنها “هراء” والديمقراطيين بـ “الحمقى”.
خطوات عملية العزل
من المقرر أن تقدم لجنة الاستخبارات تقريرا بشأن استنتاجاتها للجنة القضائية التابعة لمجلس النواب والتي سيناقش أعضاؤها الأدلة وسيجرون مقابلات على الأرجح مع شهود من طرفهم، وبخلاف مرحلة تقصي الحقائق الأولى، يمكن لترامب ومحاميه المشاركة عبر تقديم شهادات وحضور جلسات الاستماع ومراجعة الأدلة وطرح الأسئلة على الشهود، وفي نهاية المطاف، ستصوت اللجنة على مواد العزل الرسمية، النظير السياسي للائحة الاتهام.
يعد تعريف الدستور الأمريكي للمخالفات التي تستدعي العزل واسعا إذ يشمل “الخيانة والرشوة أو غيرها من الجرائم والمخالفات الكبرى”. لكن هذه المخالفات غير محددة وينظر إليها بشكل عام على أنها تشمل استغلال السلطة والثقة العامة.
وبحسب مراقبين، ينظر الديمقراطيون في أربع تهم تشمل: استغلال السلطة للضغط على أوكرانيا من أجل الحصول على دعم سياسي محلي، والرشوة عبر وضع شرط الحصول على الدعم مقابل المساعدات وترتيب القمة، وازدراء الكونجرس عبر رفض الامتثال لمذكرات الاستدعاء، إضافة إلى عرقلة العدالة، ويتم إرسال مواد العزل التي أقرتها لجنة القضاء بعد ذلك إلى مجلس النواب بأكمله للتصويت عليها.
ويناقش النواب التهم في مرحلة قد تستغرق بعض الوقت، ففي ملف عزل الرئيس بيل كلينتون سنة 1998، أمضى النواب أكثر من 13 ساعة على مدى أكثر من يومين وهم يناقشون القضية.
ويتطلب تمرير المواد أو عزل الرئيس أغلبية ضئيلة في مجلس النواب، ويحظى الديمقراطيون بالأغلبية في المجلس (233 مقابل 197 نائبا جمهوريا) وأظهر الحزب جبهة موحدة، ما يزيد من احتمال الموافقة على الخطوة بشكل كبير.
من شأن التصويت لصالح عزل ترامب أن يحيل القضية على مجلس الشيوخ حيث ستتم محاكمة رئيس في منصبه للمرة الثالثة في تاريخ الولايات المتحدة، وسيترأس المحاكمة رئيس قضاة المحكمة العليا بينما ستتشكل هيئة المحلفين من أعضاء مجلس الشيوخ البالغ عددهم 100، أما أعضاء مجلس النواب، فسيتولون دور المدعين فيما يدافع محامو الرئيس عنه.
تغيير الرئيس الأمريكي
ولا شك أن إجراءات محاكمة الرئيس ترامب ومحاولات عزله ما هي إلا وسيلة من وسائل تغيير رئيس الجمهورية الأمريكي، ولكن ثمة وسائل أخرى للتغيير حددها القانون والدستور الأمريكي.
ووفقاً للمراقبين، فإن إدانة ترامب ستكون صعبة، إذ تتطلب موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ حيث يحظى الجمهوريون بـ53 من مقاعد المجلس البالغ عددها 100، وسيتولى رئيس الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل قيادة العملية وبإمكانه أن يبقيها مختصرة بأقل قدر من الشهادات والمناقشات، لتستمر لأسبوعين أو أقل، كما يمكنه أن يزيد مدتها.
ومن العوامل المعقدة للملف أن ستة من مرشحي الرئاسة الديمقراطيين هم من أعضاء مجلس الشيوخ وإجراء المحاكمة في يناير 2020، قد يعرقل حملاتهم قبيل انطلاق أولى الانتخابات التمهيدية في آيوا في الثالث من فبراير المقبل.
وبغض النظر عن ماهية الاتهامات، يشير معظم المحللين إلى أن السياسة ستؤثر بشكل كبير على التصويت النهائي، ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية في نوفمبر 2020، سيكون على أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين خصوصاً التفكير في مسألة إن كان ناخبوهم سيفضلون التصويت لصالح إطاحة الرئيس الجمهوري أو حمايته.
جدير بالذكر أن أساليب تغيير رئيس الجمهورية في الولايات المتحدة الأمريكية تتعدد، أولها وأكثرها تطبيقا هو الرجوع إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات الدورية التي تقام كل أربع سنوات دون استثناء، حتى في أحلك ظروف الحروب الأهلية أو الدولية لاختيار الرئيس الجديد الذي لا يسمح بانتخابه لأكثر من مدتين ضمانا وترسيخا لمبدأ تداول السلطة بشكل مستمر ومستقر.
أما ثاني أساليب تغيير رئيس الجمهورية في الولايات المتحدة الأمريكية، هو التغيير للظروف الصحية، مثل المرض المؤدي إلى فقدان الأهلية أو الموت، وأخيرا هناك آلية العزل السياسي التي أقرها الدستور الأمريكي والتي تبدأ بتوجيه الاتهام للرئيس بارتكاب الخيانة أو قبول الرشوة أو غيرها من الجرائم الكبرى التي يقر مجلس النواب لائحة الاتهام بها ثم يرسلها لمجلس الشيوخ ليلعب دور المحكمة الدستورية المنتخبة في تقرير تبرئة الرئيس أو توجيه اللوم له مع البقاء في منصبه أو عزله.
ومن المقرر أن تبدأ عطلة الكونجرس بمناسبة حلول أعياد الشكر الأسبوع المقبل، ويعاود العمل يوم الثالث من ديسمبر المقبل، ولا يزال الغموض يكتنف الخطوات التالية في إجراءات عزل الرئيس ترامب.
المصدر : أ ش أ