تمر غدا الذكرى الـ 220 على اكتشاف حجر رشيد على يد بيير فرنسوا خافيير بوشار أحد الضباط المهندسين الفرنسيين، في 19 يوليو عام 1799 بقلعة جوليان برشيد، وهو الحجر الذي نجح العالم الفرنسي شامبليون من فك رموزه وكشف أسرار الحضارة المصرية.
حجر رشيد موجود حاليا في المتحف البريطاني، وهو عبارة عن حجر بازلتي أسود كبير طوله 115 سم، وعرضه 72 سم، وسمكه 11 سم، يحتوي على لغتين “اللغة المصرية القديمة واللغة الإغريقية”، مكتوبة بـ 3 خطوط هي الهيروغليفي والديموطيقي- وهما يتبعان اللغة المصرية القديمة- والخط الثالث الإغريقي يتبع اللغة الإغريقية.
وكانت هناك محاولات عديدة لفك رموز هذا الحجر، حتى عام 1805 عندما بدأ شامبليون دراسة الحجر، واستمرت محاولاته 17 عاما حتى أعلن نجاحه في فك رموز حجر رشيد في 27 سبتمبر 1822، وتبقى من النص المكتوب بالخطوط الثلاثة 14 سطرا من الخط الهيروغليفي، و32 سطرا من الخط الديموطيقي تلف منها أول 14 سطرا، ويلي ذلك 54 سطرا من الإغريقية، ولكن آخر 26 سطرا منها تالفة.
وعن شامبليون وفك رموز حجر الرشيد، قال باحث المصريات الدكتور محمد رأفت عباس مدير عام البحث العلمي بمنطقة آثار الإسكندرية بوزارة الآثار، لوكالة أنباء الشرق الأوسط اليوم، إن لشامبليون عظيم الفضل في الكشف عن أسرار اللغة المصرية القديمة، وبالتالي عن أسرار تاريخ وحضارة مصر القديمة، فمنذ أن أغلقت المعابد المصرية أبوابها في القرن الـ 4 الميلادي، لم يعد لدينا من له القدرة على قراءة الهيروغليفية أو غيرها من خطوط اللغة المصرية القديمة، ونتيجة لذلك فكل ما كان يعتبر وثيقة مصرية قديمة كان أشبه بالصفحة الغامضة التي لا يمكن قراءتها أو فهمها، وكانت ستقتصر معارفنا بما كتبه الرحالة والكتاب والفلاسفة اليونان والرومان، الذين زاروا مصر فيما بين القرن 6 ق م، والثاني بعد الميلاد.
وأوضح أن شامبليون نشأ شغوفا بمصر القديمة وحضارتها منذ أن كان يصطحب ابن خاله القائد الذي كان واحدا من ضباط الجيش الفرنسي في الحملة الفرنسية الشهيرة على مصر، وقد أطلعه على نسخة مرسومة لحجر رشيد الذي عثر عليه عام 1799 من قبل جنود الحملة الفرنسية أثناء قيامهم بحفر خندق حول قلعة سان جوليان بالقرب من رشيد.
وأضاف أنه عقب ذلك بدأ شامبليون في إعداد نفسه علميا وفكريا من أجل محاولة ترجمة نصوص حجر رشيد منذ وقت مبكر من حياته، فبدأ في دراسة اللغات العربية والعبرية والكلدانية والسريانية والفارسية والكوشية والقبطية، وكان يتابع بشغف أبحاث سابقيه الذين توقفوا بسبب عدم التوصل إلى حل.
ولفت إلى أنه بعد دراسات مضنية قضاها العالم الشاب شامبليون، تمكن من الوصول إلى حقيقية مهمة تتمثل في أن النص الهيروغليفي الموجود في حجر رشيد يحتوي – على الرغم من تشويهه – على علامات أكثر من النص اليوناني، لذلك كان لابد من تفسير هذه الملاحظة، وتوصل إلى أن السبب في كثرة العلامات يرجع إلى أن اللغة المصرية القديمة لغة رمزية وصوتية في آن واحد، أي أنها تحتوي على علامات تقرأ وأخرى لا تقرأ وإنما هي موجودة في النص لتحديد معنى الكلمة.
وتابع قائلا “لذلك أخذ شامبليون في فحص النص كله وأخذ يبحث عن العلامات التي يمكن قراءتها، وقام بقراءة كل أسماء الملوك البطالمة التي كتبت بحروف هيروغليفية وديموطيقية، وبعد ذلك بدأ يهتم بالكلمات الأخرى في النص، وبمساعدة النص اليوناني أراد أن يعرف النطق بالقبطية، وكيفية نطق هذه الكلمات الهيروغليفية، وأكمل الفراغات الموجودة في النص، وتعرف على العديد من القيم الصوتية لعدة كلمات”.
وأشار إلى أن شامبليون حاول مقارنة العلامات الديموطيقية بما هو موجود من علامات هيروغليفية داخل الأشكال البيضاوية أي الخراطيش الملكية، وتوصل إلى معرفة قراءة الخرطوش الهيروغليفى هجائيا، واستطاع أن يتأكد من صحة استنتاجه عندما اعتمد على نقوش مسلة سجلت بالهيروغليفية واليونانية لتكريم بطلميوس وشخصيتين تحملان اسم كليوباترا، وتمكن بواسطة هذين الخرطوشين من معرفة 13 حرفا من حروف الهجاء لها 12 صوتا.
وأضاف أنه بدأ بعد ذلك اعتمادا على ما توصل إليه من نتائج معرفة الأسماء الهيروغليفية لكل من الإسكندر وبرينيس وتيبروس ودوميسيان وتراجان، إلى جانب بعض ألقاب الأباطرة الرومان، ثم حصل شامبليون في 14 سبتمبر 1822م على نسخ من نقوش معابد مصرية كان لها أثرها في تبديد شكوكه نحو حل رموز اللغة المصرية القديمة.
وأكد أنه في أعقاب هذا نجح شامبليون في الوصول تدريجيا إلى معرفة الحروف الهجائية والأبجدية، وفي فصل الكلمات في الجمل، وفصل الجمل عن بعضها في النص، واعتمادا على معرفته للهجة القبطية لم ينجح فقط في قراءة اسم الملك الشهير رمسيس الثاني على أثر آخر استعان به، ولكنه فهم معناه أيضا، وكذلك عرف خرطوش اسم الملك تحوتمس ومعناه.
وقال إنه في خريف عام 1822، شهدت البشرية ميلاد علم المصريات ونشأته في التاريخ الحديث على يد شامبليون بعد نجاحه في محاولاته الأولى في الوصول إلى فهم قواعد اللغة المصرية القديمة، وقام في 27 من سبتمبر من هذا العام بإرسال خطابه الشهير إلى مسيو داسيه رئيس أكاديمية النقوش والآداب بباريس، الذي يخبره فيه بنتائج أبحاثه في الكشف عن أسرار اللغة المصرية القديمة.
وأضاف أن شامبليون لم يذكر في هذا الخطاب أية تفاصيل، وقد فضل أن ينشرها بعد ذلك عام 1824م تحت عنوان (موجز النظام الهيروغليفي)، وأخذ يهتم بعد ذلك بالنصوص المصرية القديمة الأخرى التي وجدها أمامه في ذلك الوقت في متحف اللوفر وغيره.
وتابع “قيامه في عام 1824م بزيارة مجموعة الآثار المصرية في متحف تورين بإيطاليا، حيث عمل على نسخ معظم النصوص المصرية هناك، الأمر الذي زاد من معرفته بكلمات وقواعد اللغة المصرية القديمة، وفي عام 1826 عُين أمينا لقسم الآثار المصرية بمتحف اللوفر بباريس، وفيما بين عامي 1828 – 1830م قام بأول زيارة له لمصر على رأس بعثة علمية مع صديقه الإيطالي روزليني، وقد دهش عندما اكتشف اختفاء بعض الآثار بسبب تجارة القنصل دروفتي، وأقنع محمد علي باشا بإيقاف ذلك.
المصدر : أ ش أ