يبدأ اليوم عام هجرى جديد يستدعى من ذاكرة التاريخ الإسلامي حدثا عظيما تغير بموجبه موقع الرسالة المحمدية دون أن يتغير الموقف تحت راية التوحيد ، ويستقبل المسلمون في كافة انحاء العالم هذه المناسبة بالبشر والترحيب تيمنا بما تحمله من ذكرى عطرة صاحبها رسول الإسلام محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، الذى استحكم به وبأصحابه تنكيل وبطش كفار قريش مكه فهاجر منها مرغما وهى “أحب أرض الله إليه “، إلى المدينة التى غدت بمقدمه “المدينة المنورة” .
وفي المدينة المنورة ، تأسست أركان الدولة الإسلامية ، وبعد أن قويت شوكة المسلمين واكتسب أصحابها عزما شديدا عاد محمد صلي الله علي ولم وأصحابه إلى مكة مرة أخرى فاتحا وقائدا منتصرا ، وأشرق نور الإسلام على الأرض٠
يحمل العام الهجرى الجديد رقم (١٤٤٠) فى التقويم الهجرى الذى أنشأه عمر بن الخطاب ثانى الخلفاء الراشدين متخذا لحظة الهجرة النبوية التى مثلت فارقا فى استمرار الدعوة الإسلامية بداية له ، فكان يوم 1 المحرم من عام 17 للهجرة هو أول سنة هجرية يحتفل بها المسلمون بعد اعتماد التقويم الهجرى ، وكعادة الأعوام الهجرية تبدأ بالشكل المتعارف عليه منذ عهد عمر بن الخطاب وحتى الآن بشهر المحرم وتنتهى بشهر ذى الحجة ، وتضم رزنامته ١٢ شهرا من بينها أربعة حرم ، والأشهر الهجرية هي محرم – صفر – ربيع الأول – ربيع ثان – جمادي الأول – جمادى ثان–رجب – شعبان- رمضان- شوال- ذو القعدة – ذو الحجة.
ويعد التقويم الهجري أحد التقاويم التسعة التي تتخذها الشعوب حول العالم منذ القدم ، وهي التقويم المصري (القبطي)، الميلادي (الجريجورى )، العبري، السرياني، الروماني، الفارسي ، الإغريقي، البابلي، والهجري ، ورغم اختلاف هذه التقاويم في خصائص دقيقة عن بعضها البعض ، إلا أنه يمكن إجمالها عموما في نوعين رئيسين أحدهما شمسي أساسه دوران الأرض حول الشمس، والأخر قمري ( مثل التقويم الهجري) ,أساسه دوران القمر حول الأرض.
ويعتمد نظام التقويم الهجري على الفترة التى يستغرقها القمر في دورة كاملة حول الأرض ، حيث تقاس هذه المدة عادة بين محاق إلى محاق تال ، أو من استقبال أو استقبال بعده ، وتعد رؤية الهلال الجديد من أصعب الأرصاد الفلكية قاطبة حيث يولد هلال الشهر القمرى الجديد بعد فترة من حدوث الاقتران تتراوح من 6 إلى 16 ساعة ، وبذلك يكون موضعه على صفحة السماء بالقرب من قرص الشمس ، التي قد تطمسه كما تطمس النجوم نهارا ، فيستحيل رؤيته في هذه الحالة ولهذا ينتظر المتخصصون حتى تغرب الشمس كي يمكنه البحث عن الهلال الجديد إذا كان موجودا لفترة زمنية كافية لتتبعه ورصده قبل غروبه يوم 29 من الشهر القمري والمعروف (بيوم الرؤية).
وتحمل ذكرى الهجرة دروسا وعبرات للمسلمين ومنها أن الحق لابد له من وطن يحميه ، و أبناء يتكاتفون لرفع رايته ، وأن الرافض لهذا الحق يتربص به الأعداء ويحيق به المكائد ، ويعلو عليه سلاح الإرهاب والعنف ، وعندئذ يحتاج الحق لأبناء يدينون بالولاء له ويقدسون ترابه ليدافعوا عنه .
وانقضاء عام هجرى ، واستقبال آخر جديد يذكر المسلمين بحبل الرجاء فى أن يكون هذا العام جديرا بهم فى عطائهم وأعمالهم فيقوم كل منهم بعمله كما ينبغى ويبدو قدوة حسنة للبشر قلبا وقالبا ، وأن تكون هجرتهم فيه هجرة روحية يجتمعون فيها على محبة رسول الله صلي الله عليه وسلم ، يتحلون بمكارم الأخلاق ، يهجرون الكسل إلى العمل ، واليأس للأمل والتفرق للوحدة والخيانة للأمانة والرياء إلى الإخلاص .
غرة شهر المحرم هي الإيذان ببدء عام هجري جديد ،، والمحرم من الأشهر الحرم، وسمي بهذا الاسم لأن العرب كان يحرمون القتال فيه ، فيما جاءت تسمية صفر لما كان تخلو فيه البيوت من أهلها للحرب ، وجاءت تسمية ربيع الأول نسبة للربيع الذي تزامن مع تسمية هذا الشهر، فيما سمى ربيع الثاني بذلك لأن العرب كانوا يجمعون فيه العشب لرعيهم، وسمي جماد الأول لوقوعه في الشتاء وقت التسمية حيث يجمد الماء ، فيما لزم اسم جماد الثاني لهذا الشهر لأنه جاء في الشتاء أيضا.
وسمي شهر رجب وترتيبه السابع في الأشهر الهجرية ( وهو من الأشهر الحرم ) ، بهذا الاسم لأن العرب كانوا يعظمونه بترك القتال ، أما شعبان الواقع بين رجب ورمضان فقد قيل في اسمه أنه نسبة إلى تشعب القبائل طلبا للماء ، وشهر الصوم للمسلمين هو رمضان الذي سمي بهذا الاسم نتيجة اشتداد الحر، أما شوال ففيه تلقح النوق ، و ذو القعدة هو من الأشهر الحرم وسمي بذلك لقعود العرب فيه عن القتال والترحال، أما ذو الحجة وهو أيضا من الأشهر الحرم ففيه موسم الحج وعيد الأضحى.
وقد فضل الله بعض الأشهر على بعض بالصيام والإكثار من أعمال الخير، ففى شهر المحرم تقع ذكرى عاشوراء ، ويحتفل خلال شهر ربيع الأول بميلاد الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم ، وفيه ويستحب صيام يوم الاثنين ، ويستمد شهر رجب من مكانته بين الأشهر المباركة الحرم من رحلة الإسراء والمعراج والتي كانت من أعظم مظاهر تكريم النبي صلي الله عليه وسلم ، وفي هذه الرحلة فرضت الصلاة على الأمة الإسلامية، ويستحب في هذا الشهر أداء العمرة والإكثار من النوافل مثل صيام التطوع وكثرة الذكر وقيام الليل والتصدق.
أما شهر شعبان وهو السابق لشهر لرمضان فيستحب فيه الصيام استعدادا لشهر رمضان وفيه ليلة النصف من شعبان التي تحولت فيها القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام ، واختص الله شهر رمضان بكثير من الفضائل ويستحب فيه الإخلاص في العبادة والدعاء والصيام والقيام والصدقة والاجتهاد في قراءة القرآن والاعتكاف في المسجد والعمرة والإكثار من الذكر والاستغفار وفيه ليلة القدر خير من ألف شهر.
وشوال وهو من الأشهر المباركة التي تبدأ بعيد الفطر ، ويستحب فيه اللبس الجديد والاغتسال والتطيب وزيارة الأقارب والجيران وصيام ستة أيام ( الستة البيض )، أما شهر ذو القعدة فيستحب فيه أعمال البر والمداومة على الذكر ، وفي شهر ذو الحجة ( وهو شهر الحج الأعظم ) ففيه المغفرة والذكر والتلبية والنحر وأداء الركن الخامس من أركان الإسلام ، وفيه يوم عرفه الذي يعتق فيه الله من النار أكثر ما يعتق طوال العام .
وكان العرب قبل الإسلام يستخدمون تقاويم مختلفة ترتبط بأحداث مهمة يؤرخونها بالنسبة للعام الذي بني فيه الكعبة (عام 1855 قبل الميلاد) ، ولما أصبح هذا التاريخ موغلا في القدم أخذوا يؤرخون بحادث انهيار سد مأرب في اليمن (120 قبل الميلاد)، ثم أخذوا يؤرخون الحوادث بعام الفيل (571 ميلاديا)، وقبل ظهور الإسلام بفترة قصيرة أخذوا يؤرخون بعام تجديد الكعبة (605 ميلاديا)، وكانت كل هذه التقاويم مبنية على حركة القمر الشهرية.
اشتهر قوم من بني كنانة في مسألة نسئ (كبس الشهور ) لكي تتوافق السنة القمرية مع الشمسية وتتوافق الشهور والفصول بينهم ، وأسماء الأشهر العربية المتداولة حاليا هي نفس الأسماء التي كان يستخدمها العرب في العصر الجاهلي ، فقد سمي العرب بالتسمية الحالية في عهد كلاب بن مرة الجد الخامس للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) حوالي عام 412 ميلاديا .
ومنذ فجر الإسلام وبعد هجرة الرسول من مكة إلى المدينة ، بدأ المسلمون الأوائل يؤرخون حوادثهم بشكل آخر ، فقد سموا السنة الأولى للهجرة بسنة الإذن (الإذن بالهجرة)، والسنة الثانية بسنة الأمر ( أي الأمر بالقتال)، والثالثة التمحيص، والرابعة الترفئة، والخامسة الزلزال، والسنة السادسة بالاستئناس، والسنة السابعة بالاستقلاب والثامنة بالاستواء، والتاسعة بالبراءة، والعاشرة بالوداع ( أي سنة حجة الوداع الأخيرة للرسول ( و فيها نزلت آيتان كريمتان حددتا نظام التقويم وحرمت الكبس والنسئ.
ومنذ ذلك الوقت اعتبرت السنة الهجرية 12 شهرا ، وأتخذ شهر محرم الحرام ليكون بدايتها، وفي السنة السابعة عشر للهجرة ، كتب الخليفة الثاني عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري عامله على البصرة ، وذكر فيها شهر شعبان غير مؤرخا للعام ، فلم يدر الأشعري أهو شعبان الذي هم فيه أم الماضي.
فجمع الخليفة الصحابة وأخبرهم بالأمر موضحا حتمية وضع تاريخ يؤرخ به المسلمون، فأخذوا في البحث عن واقعة تكون مبدأ للتاريخ المقترح، فلم يختاروا مولد الرسول صلي الله عليه وسلم ولا بعثته لعدم تأكدهم من وقت حدوثهما، ولا وقت وفاته لأنها مناسبة محزنة ، واختاروا وقت الهجرة، لأنها فرقت بين الحق والباطل ، كما أنها حادث واضح وخال من التعقيد.
المصدر : أ ش أ