إيمان الرئيس عبد الفتاح السيسي بأن العلم كان ولا يزال عاملًا من عوامل القوة للأمة التي تمتلكه انعكس اليوم الأحد خلال احتفال مصر بعيد العلم، وتكريم الرئيس لعلمائها من جامعاتها ومراكزها البحثية الفائزين بجوائز الدولة المختلفة، للمرة الثالثة منذ عام 2014، بعد توقفه عدة سنوات.
لقد حرص الرئيس على وضع الاحتفال تحت رعايته، وتسليم الجوائز للفائزين بها، وهو ما يعكس أيضًا إيمانه بأن رعاية العلم والعلماء من ثوابت الأمور في بناء مصر الحديثة، وأن هناك ضرورة حتمية تقضي بأن يصبح العلم على قمة هرم أولويات الدولة ومنظوماتها القيمة كثقافة ومنهج تفكير، وليس فقط كممارسة عملية.
تكريم الرئيس لعلماء مصر في يوم عيدهم يحمل معنيين؛ أولهما أن مصر -وهي تكرم علماءها- تقدم النموذج والقدوة لشباب الباحثين والمبتكرين، وثانيهما أنها تعزز مسئوليتهم عن الاستمرار في الاجتهاد والمثابرة نحو دولة العلم والابتكار، لأن العلم متجدد كل يوم، ومن فاته علم يومه فقد تخلف عن موكب الحياة، وتطالبهم بأن يدركوا أن شعبهم ينظر إليهم نظرة إجلال وأمل في تسخير أدوات العصر والتمكن منها، وتطويعها لصناعة مستقبل أفضل لهذا الوطن.
وتجديد العهد بين القائد والعلماء من خلال احتفال التكريم هو تجديد لقيمة العلم والمعرفة، واستلهام لعظمة الماضي في بناء واقع جديد لا يقل في مجده عما شيده الأجداد حيث تكمن أهمية العلم فيما يحدثه من تطور وارتقاء للحضارات، وتلك هي الحقيقة التي أثبتها التاريخ بمن فيه من علماء واختراعات فالعلم هو المفتاح السحري لجميع أنشطة الحياة الذي ينقل المجتمعات من ظلام الجهل إلى نور العلم والحياة، وهو النبراس الذي لا ينطفئ، وبدونه يصبح الإنسان ناقص المعرفة تختلط عليه الكثير من الأمور، ويغرق في تحديات كثيرة، فبالعلم استطاع الإنسان أن يتطور في حياته، وأن يغير أسلوبه فيها حيث سهل له الحياة وجعل كل رفاهيتها تحت يديه، فتعالى البنيان، وانتشرت التكنولوجيا التي جعلت من كل شيء أجمل وأقرب.
واليوم، فإن مصر العلماء مطالبة أكثر من أي وقت مضى بتجديد قيمة العلم والمعرفة في حياة المصريين، واستلهام عظمة الماضي لبناء واقع جديد، لا يقل عما شيّده الأجداد، وإنما يزيد عليه حيث كانت مصر -منذ فجر الحضارة الإنسانية- مهدًا لفكرة العلم ذاتها، وعلى أرضها المقدسة برع الأجداد في إهداء العالم اختراعات وأفكار وفلسفات ما زال أثرها ينبض حيًا في كل ركن من أركان العالم.
تعددت الإسهامات المصرية في جميع مجالات العلم، مثل الكتابة على ورق البردي، والرياضيات والهندسة والعمارة، والطب والجراحة والتشريح، والفلك وحساب الزمن، وغير ذلك من اكتشافات ذات أثر خالد أهدته الحضارة المصرية إلى البشرية جمعاء.
علماء مصر وإنجازاتهم في مختلف المجالات مدونة في المراجع العلمية، وجعلتهم محط أنظار في المحافل والمؤتمرات الدولية والمحلية، وعززت مساهمتهم بأدوار رائدة وقيادية في الكثير من الجامعات والمعاهد والمراكز المسئولة عن العلم والتكنولوجيا في العالم، ويؤكد ذلك حصول الكثير منهم على جوائز عدة من مصر ومن خارجها، واختيارهم للانضمام إلى اللجان التنفيذية للاتحادات العلمية الدولية، وتحسن مصر المستمر في مؤشر الابتكار العالمي في السنوات الأخيرة، حيث قفزت خلال السنوات الثلاث الماضية 15 مركزًا للأمام.
العلم من المنتجات العالمية التي اشترك في تكوينها البشر على مر العصور، وبه تبتكر الآلات وتستخرج الثروات وتستثمر الطاقات، ويزيد وعي المجتمع وترتفع مكانة الدولة، وهو السعي الجاد المنضبط نحو المعرفة، وتنبع روعته في أنه شيء لا نهائي وليس له حد، فمن أهميته البالغة أنه قرّب المسافات بين دول العالم، وجعل التواصل سهلًا ومتاحًا في كل وقت، وغير ذلك الكثير من منافع العلم التي زادت من أهميته.
ولأن المجتمع المصري في أمس الحاجة اليوم لمخرجات علمية وتكنولوجية جديدة ومتطورة، في مجالات الصحة والدواء، والزراعة والغذاء، والبتروكيماويات والفضاء والسيارات والطاقة البديلة بجميع أنواعها، ومعالجة المياه وتحليتها، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، فقد كفل الدستور المصري حرية البحث العلمي، ومهد الطريق أمام علماء مصر بإلزام الدولة برعاية الباحثين والمختـرعين وضمان حقوق الملكية الفكرية.
وقامت السلطة التنفيذية -وتقوم- بدعم جهود وأنشطة البحث العلمي باستمرار، ففي السنوات الثلاث الأخيرة، زاد حجم الإنفاق الحكومي على البحث والتطوير من 11.8 مليار جنيه إلى 17.5 مليار جنيه بزيادة قدرها 47% بخلاف الدعم المباشر الموجه لبعض المشروعات القومية التي تدعم منظومة البحث العلمي في مصر، مثل مشروع بنك المعرفة، ومشروع مدينة زويل، والجامعة المصرية اليابانية، وذلك استنادًا إلى أن العلم والتكنولوجيا والإنتاج هي مكونات أساسية في عملية التنمية الشاملة، فالعلم هو أساس التكنولوجيا، والتكنولوجيا هي الركيزة الأهم للإنتاج، والإنتاج هو عصب التنمية وجوهرها، ولا يمكن لأمة تطمح في مستقبل أفضل إلا أن تضع العلم الحديث في مكانه المستحق، إيمانًا بأنه الطريق الأكثر فعالية لتحقيق ما تصبو مصر إليه من نمو اقتصادي مستدام، وتنمية اجتماعية شاملة.
ومصر إذ تكرم اليوم علماءها وباحثيها، فإنها تنتظر الكثير منهم، ومن مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص ورجال الاستثمار والأعمال، لتوجيه مزيد من الاستثمارات في مجالات البحث العلمي والتكنولوجي، وأن يكون للبحث العلمي نصيب معتبر من مسئوليتهم المجتمعية، وعلى الحكومة إيجاد وسائل للربط بين المؤسسات العلمية والبحثية من ناحية، والمؤسسات الإنتاجية من ناحية أخرى، بما يعزز التطور التكنولوجي في جميع أرجاء مصر، ويحقق التكامل بين كافة قدرات الدولة.
وللعلم أهمية خاصة في حياة الفرد والمجتمع، وأهميته للفرد تتمثل في الاستفادة من تغيير نظرته وتفكيره للأمور؛ إذ يصبح أكثر إيجابية، وتزيد من قدرته ومعرفته التي تساعده على حل المشكلات التي تواجهه، وتكسبه وضعًا ومكانة اجتماعية مرموقة، فيما تكون أهميته للمجتمع جليلة، إذ إنه يحارب كل ما يضره ويعصف به من أزمات وتحديات، ويساعد على راحة الإنسان ورفاهيته، ويحسن وضعه الاجتماعي والاقتصادي، ويخلصه من البطالة والفقر، ويقضي على التخلف والجهل والظواهر الرجعية والعادات الخاطئة، ويغير أنماط العيش كي تزداد المجتمعات قوة.
وبالتالي، يحقق المجتمع المتعلم تنمية شاملة، ويضمن مستقبلًا واعدا لكل أبنائه، ويتطلب العلم صبر ومثابرة، إذ أن الأدوات، والأجهزة، والتقنيات التي من حول الإنسان حاليًا لم تكن وجدت أو تم اكتشافها بجهد يسير، أو في وقت قصير، بل تطلب ذلك تكاتف الجهود، والإصرار على مواصلة الإنجاز، لتحقيق التنمية المنشودة، وذلك ما يمكن وصفه بالتطبيق المتدرج للمعرفة الإنسانية.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)