كتبت : زينب الهاشمي من النيل للأخبار
تختتم اليوم على مسرح الغد بالبالون مسرحية “عشق الهوانم” تأليف وأشعار : على أبو سالم ، وإخراج : جلال عثمان .
حيث تدور أحداث المسرحية حول أم وابنتها تعيشان وحدهما في بيت الطيب ، يعرف هذا البيت بـ (بيت الطيب الكبير) المشهور بالكرم والجامع بين الناس في الرباط والخير والمحبة والقوة والسلام .
في هذا البيت غرفة مغلقة بأسرار من الكنوز والجواهر .
تقوم بدور الأم “حسنى” الفنانة ناهد رشدي ، وتقوم بدور الابنة ” ملك ” الفنانة ريم أحمد .
تدخل عليهما غجرية اسمها “سلمى” تقوم بدورها الفنانة سامية عاطف ، تدخل عليهما بطريقة العوز والاحتياج والفقر وتستجدي عطف الأم وابنتها بإدعائها أنها هاربة من قطاع الطرق ( شطار الليل ) الذين يحاولون الإمساك بها لاستغلالها ، فتستنجد بالأم ( حسنى ) متعاطفة مع الغجرية مدللة بأن الطيب الكبير لايمكن أن يغلق الباب في وجه السائل والمحتاج .
وبالفعل جلست في بيتهما الغجرية وكانت خادمة مطيعة لهما فعاشت بينهما ، ولكن الأم وابنتها لم يفطنا مابداخل الغجرية سلمى من تدبير ومؤامرة ، ويتضح أن غرضها الاستيلاء على الغرفة المغلقة في بيت الطيب المليئة بالأسرار والكنوز ، واستيلائها على عقول أهل البيت .
أرادت الغجرية – في المسرحية التي استمرت شهراً كاملاً قبل رمضان واستانفت عرضها بعد رمضان في العيد ، وافتتحها رئيس البيت الفني للمسرح فتوح أحمد – أن تكشف سر بيت الطيب وهي الغرفة المغلقة التي لايعرف أحد من الخارج مابداخلها ، فاستطاعت بفعل المؤامرة أن تغتصب المفتاح من الأم ، فحولت الأم والابنة من سيدتين تأمران إلى خادمتين تطيعان أوامرها ، حيث أوصلتهما لحالة الإدمان عن طريق قهوتها الخاصة ، وإيهامهما بالعاشق الوهمي الذي يعشق الأم من ناحية ويعشق الابنة من ناحية أخرى ، باستغلال نقطة ضعف الأم في احتياجها لمن يحتويها ويملأ تعطشها كإمرأة ، وعلى الجانب الآخر استغلال احتياج الابنة وتعطشها للحب كأنثى مراهقة .
ونجحت سلمى أن توصلهما للصراع الدائر بين الأم وابنتها والتفرقة والخلاف كذباً وخداعاً وفرقتهما عن بعضهما .
ولكن لايمكن أن يستمر الوضع والهزيمة إلى وقت كبير وأنه سيأتي اليوم الذي ينتصر فيه الخير على الشر ، وبالفعل أتى هذا اليوم حيث أدركت الأم شر الغجرية ونواياها وفطنت إلى ذلك قبل أن يفوت الأوان ، واستخدمت المكر والدهاء ، وهنا تظهر ( الشخصية المصرية ) بذكائها ودهائها ومكرها ، فاستطاعت أن تقلب شر الغجرية على نفسها وحبستها في الغرفة المغلقة التي حلمت بدخولها ، وتخلصت بفعل الإيمان بالله والإرادة القوية الوطنية من إدمان قهوتها ووهم العشق وبالتالي تخلصت من الخلافات والصراعات وعادت إلى حيث كانت من المودة والتعاون مع الابنة التي أزالت عنها الخلاف .
وفي ذلك تدلل المسرحية على نجاحها على الغزو الفكري الذي يحاول أن يفتك بالوطن ويهزمه ولكن الوطن مهما كان به من حرب وملمات يستطيع دوماً أن يهزم العدو المغتصب المهيمن الذي يحاول أن يهيمن على المنطقة العربية بأكملها .
الكاتب المسرحي على أبو سالم لم يخطئ دائما في اختياره لفكرة النص فكما صنع مسرحية “العانس” و “المتنبي والضمير الغائب” و “القبطان” و “العالم تحت الأرض” و “البروفيسور” و “البلياتشو” و “توت توت” و “آخر غنوة” و “الواعر” .
أيضا الكاتب صنع مسرحية “عشق الهوانم” حيث يرى أن بيت الطيب هو الوطن ، والأم هي كبيرة هذا الوطن ، وسلمى هي العدو الدخيل ، والغرفة المغلقة هي الكنوز ، بالمعنى المجازي هي الحضارة والمثل والتقاليد العريقة والتراث ، وفي نفس الوقت إن أي دخيل محتل يطمع في هذا البيت الذي يتسم بالحب والدفْ والكرم هو في نفس الوقت مقبرة لهذا الطامع المحتل إنها مقبرة لكل غاز أو محتل طامع .
حيث قالت سلمى ” يعنى في بيت الطيب . الطيب الكبير” وترد الأم عليها على لسان الفنانة ناهد رشدي “إنت في البيت اللي محدش يستجري يلمس شجر واقعة من جناينه أو يرمي ظله عليها” ، وهذا يرمز لعراقة هذا البيت وشموخه وقوته .
وأن القاطنين في هذا الوطن الذي هو بيت الطيب تمتلكان القدرة على تجاوز الأزمات والمحن على شكل ( حالة الإدمان ) في المسرحية ، وفي نفس الوقت تجاوزا وتعاليا فوق الخلافات من أجل مصلحة الوطن على شكل ( البيت ) ، وأن ( يحي ) – الذي لم يظهر جسدياً – هو الروح والأمل دائماً .
وعلى سبيل المثال أن الصراع الذي كان بين الأم وابنتها على العاشق الوهمي الذي كان على أشده إلا أنهما في لحظة دفْ وحميمية عادا إلى سابق عهدهما وتناسيا تلك الخصومة وهذا الصراع .
ويقول الكاتب المسرحي أبو سالم إن “هذا العرض تميز باختلافه عن المتبع من الدرامات الأخرى بأن الصراع ليس صراع عاشقين على على عشيقة وإنما صراع عاشقتين على عشيق . فمن الألم ينبع كل شيئ عظيم ، والتجارب التي مرت بها الأم وابنتها جعلتهما في منتهى القوة في مواجهة أي خطر خارجي” .
أما المخرج جلال عثمان فقد شعر أن يتناول قضية يمر بها الوطن وأن الفكرة جديدة وغير مستهلكة وغير مطروحة من قبل .
فقد لفت انتباه المخرج هذا النص المسرحي من الحوار المضفر بالشعر ، فقرر أن يستخدم التعبير الجسدي المتألق ، فاختار لهذه المهمة الغنائية المطربة : نهاد فتحي ، ألحان الموسيقار : عطية محمود ، تصميم ديكور : دينا زهير ، تصميم أزياء : مايسة محمد .
تتسم المسرحية بالرمزية والإشارة ، ومن أفضل المسرحيات هي التي تتسم بذلك ولا تتسم بالوضوح اللفظي المباشر النقلي الفج ، وهذا من ضمن مايميز المؤلف في هذا الخط في مسرحياته السابقة والقادمة .
وأخيراً نحن أمامنا عرض مسرحي كامل العناصر من تمثيل درامي تراجيدي وكوميدي وغناء ورقص تعبيري حركي وإضاءة وسينوغرافيا وملابس وخيال ظل .
ورشحت مسرحية “عشق الهوانم” من البيت الفني للمسرح في مسابقات للمهرجان القومي للمسرح يومي 11 – 12 أغسطس الجاري على مسرح الغد ضمن عشر مسرحيات مختارة في المهرجان .