وُلد الاتفاق النووى بين أمريكا وإيران، بعد مخاض عسير استمر نحو 12 عاما من اتهامات متبادلة، وعقوبات ومناوشات وحروب بالوكالة وغيرها.
التحركات الدبلوماسية لواشنطن أكدت أن السعودية وإسرائيل احتاجتا إلى ضمانات واتصالات ولقاءات حتى يتم تمرير الاتفاق.
ولبيان مخاوف الرياض وتل أبيب، وتأثير الاتفاق على أزمات الوطن العربى، كان من المنطقى أن نعلم بنود الاتفاق بشكل بسيط:
أولا: التزامات إيران
تقييد البرنامج النووى الإيرانى على المدى الطويل، مع وضع حد لتخصيب اليورانيوم لا يتجاوز عتبة 3.67 فى المئة.
تحويل مفاعل فوردو، وهو المنشأة الرئيسية لتخصيب اليورانيوم إلى مركز لأبحاث الفيزياء والتكنولوجيا النووية.
خفض عدد أجهزة الطرد المركزى بمقدار الثلثين إلى 5060 جهاز فقط.
السماح بدخول مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية لكل المواقع الإيرانية المشتبه بها، ويشمل ذلك مواقع عسكرية يتم الوصول إليها بالتنسيق مع الحكومة الإيرانية.
تمتنع إيران عن بناء مفاعلات تعمل بالمياه الثقيل، وعدم نقل المعدات من منشأة نووية إلى أخرى لمدة 15 عاما.
حظر استيراد أجزاء يمكن استخدامها فى برنامج إيران للصورايخ الباليستية لمدة 8 سنوات، كما يحظر استيراد الأسلحة لمدة 5 سنوات.
الاتفاق يسمح بإعادة فرض العقوبات خلال 65 يوما، إذا لم تلتزم طهران به.
ثانيا: التزامات الغرب تجاه طهران
رفع للعقوبات الدولية المفروضة على إيران بشكل تدريجى بالتزامن مع وفاء طهران بالتزاماتها فى الاتفاق النووى.
ويعنى ذلك استمرار تجميد الأصول الإيرانية فى الخارج لمدة 8 سنوات، واستمرار حظر السفر على معظم الأفراد والهيئات التى شاركت فى البرنامج النووى لمدة 5 سنوات.
لكن سيتم تقليل هذه الفترات فى حالة تأكد الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الطبيعة السلمية للبرنامج النووى، وسيتم رفع العقوبات نهائيا فى حالة الوفاء التام بكل الالتزامات المنصوص عليها فى الاتفاق النووى. تمكن إيران من معاودة تصدير النفط بكامل طاقتها الإنتاجية فور بدء تنفيذ الاتفاق.
التعاون بين الدول الكبرى وإيران فى مجالات الطاقة والتكنولوجيا.
الاتفاق الذى وُقع فى فيينا، يقضى بصريح العبارة بأن تحد طهران من طموحاتها النووية لأعوام عدة مقابل رفع تدريجى للعقوبات الدولية المفروضة عليها.
الموقف الرسمى إلى الآن يمكن وصفه بـ”الحذِر”، أو بمعنى أدق ترحيب مع تشديد على أهمية أن يسهم الاتفاق فى منع طهران من حيازة سلاح نووى، وأن يسهم فى الاستقرار الإقليمى للمنطقة التى تشهد مشكلات، ربما لم تشهدها طوال تاريخها.
السعودية مثلا قالت إنها تؤيد اتفاقا لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية، لكنها أكدت أهمية وجود آلية تفتيش صارمة مع آلية لإعادة فرض العقوبات، ونسبت وكالة الأنباء السعودية الرسمية التصريحات “لمصدر مسؤول” أكد فيها، أن “المملكة تشارك دول 5 زائد 1 والمجتمع الدولى باستمرار العقوبات المفروضة على إيران بسبب دعمها للإرهاب وانتهاكها للاتفاقيات والمعاهدات الدولية المتعلقة بالتسليح”.
وأضاف المصدر: “فى ظل اتفاقية البرنامج النووى فإن على إيران أن تستغل مواردها فى خدمة تنميتها الداخلية وتحسين أوضاع الشعب الإيرانى عوضاً عن استخدامها فى إثارة الاضطرابات والقلاقل فى المنطقة، الأمر الذى سيواجه بردود فعل حازمة من دول المنطقة”.
ومن جانبها هنأت القيادة الإماراتية الرئيس الإيرانى حسن روحانى “بالاتفاق النووى التاريخى”، مع الإعراب عن الأمل “بأن يسهم الاتفاق فى تعزيز أمن المنطقة واستقرارها”، وبعث كل من رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، ونائبه رئيس مجلس الوزراء حاكم دبى الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وولى عهد أبوظبى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ببرقيات تهنئة إلى روحانى.
ومن جهته، وجه أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح برقيتى تهنئة إلى الرئيس الإيرانى حسن روحانى والمرشد الأعلى فى إيران على خامنئى، “هنأهما فيهما بالاتفاق التاريخى الذى أبرم فى فيينا”، وأوردت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية أن أمير الكويت أعرب عن الأمل “بأن يسهم هذا الاتفاق فى تعزيز الأمن والاستقرار فى المنطقة وتوجيه كل الطاقات والإمكانيات والجهود لتنمية المنطقة”.
مصر من جانبها، أكدت على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية فى بيان أنه يأمل فى أن يكون الاتفاق “شاملا متكاملا ويؤدى إلى منع نشوب سباق للتسلح فى منطقة الشرق الأوسط وإخلائها بشكل كامل من جميع أسلحة الدمار الشامل بما فيها الأسلحة النووية”، كما أعرب عن أمله فى أن يؤدى الاتفاق إلى “تحقيق الاستقرار والأمن فى المنطقة”.
فى المقابل، أكد رئيس الحكومة الإسرائيلية، فى لقاء مع الصحفيين الأجانب، أمس، إن بلاده غير ملزمة بالاتفاق الدولى الذى تم التوصل إليه مع إيران، لكون الأخيرة تواصل التهديد بإبادتها، زاعما أن العالم بات اليوم أكثر خطراً مما كان عليه أمس بعد أن “راهنت الدول العظمى على مستقبلنا عبر إبرام صفقة مع الراعى الرسمى للإرهاب الدولى”.
وأعلن نتنياهو أن “الاتفاق يمنح إيران كل الأسباب لعدم تغيير ذاتها، لا سيما وأن هذه الصفقة السيئة لا تطالب إيران بوقف نشاطها العدوانى بأى شكل من الأشكال، فهى تتيح تدفق مئات مليارات الدولارات على نظام الإرهاب، ما سيكثف جهود إيران لإبادة إسرائيل”.
وتأتى تصريحات نتنياهو هذه، استمراراً لمواقفه الرافضة لأى اتفاق بين الدول العظمى وبين إيران، ومتهماً الدول الغربية بتقديم التنازلات تلو الأخرى للنظام الإيرانى.
بالتأكيد يواجه نتنياهو انتقادات داخلية بالمسؤولية عن فشل إحباط الاتفاق، بفعل سياسته الحادة تجاه الإدارة الأمريكية، ما أبقى إسرائيل خارج دائرة التأثير على مجريات الاتفاق ولو بشكل “ظاهرى”، ومع ذلك، فمن المتوقع أن تستغل إسرائيل الاتفاق مع إيران من أجل ابتزاز واشنطن بمزيد من الدعم المالى والعسكرى، وتقديم قائمة بطلب مساعدات عسكرية تضمن تفوقها الكمى والنوعى على باقى الجيوش العربية، خصوصًا على أثر قمة كامب ديفيد الأخيرة بين الرئيس أوباما وزعماء دول الخليج العربى، والتى تعهدت الولايات المتحدة خلالها بتقديم مساعدات عسكرية لدول الخليج العربى، وتزويدها بأسلحة دفاعية متطورة، بما فيها مقاتلات من طراز إف 35.
يبقى جانبان هما فى الحقيقة حلفاء إيران فى المنطقة، “حزب الله، وجماعة الحوثيين”.
المحللون اللبنانيون يرون أن الدعم الإيرانى للحزب سيستمر وسيزداد، لأن طهران بعد الاتفاق لن تكون تحت الضغوط التى كانت تفرضها القطيعة العالمية عليها، وهذا يعطيها مجالاً أوسع، كما أن النفوذ الإيرانى فى المنطقة لم ينشأ بسبب النووى الإيرانى، بل بالأساليب التقليدية جداً، وخلال فترة طويلة من الزمن.
أما بالنسبة للحوثيين، فكشفت مصادر قريبة منهم لوكالات الأنباء العربية عن حالة إحباط لدى قيادة الجماعة بعد الاتفاق، وأوضحت المصادر بأن لدى قيادة الجماعة المدعومة من إيران شعورا بأن طهران سوف تضحى بهم من أجل الوفاء بالتزاماتها تجاه تنفيذ بنود الاتفاق، خصوصا وأنها ستبقى تحت مراقبة الدول الكبرى لإثبات حسن نواياها.
ووفقا للمصادر فإن مثل هذا الاتفاق قد شكل خلطا لأوراق الحوثيين، الذين كانوا يراهنون على علاقة تصادمية بين طهران والغرب، كما كان الحال فى عهد أحمدى نجاد، وكانوا يبنون حساباتهم على الاستفادة من ذلك بالحصول على دعم مالى وسياسى وعسكرى إيرانى سخى باعتبارهم إحدى أوراق الضغط الإيرانية فى المنطقة.
على جانب آخر، فإن شبكات إخبارية أمريكية نقلت تحذير مسؤولين بالولايات المتحدة، بأن الاتفاق النووى يؤجج سباقًا للتسلح النووى فى الشرق الأوسط، وأن الوضع يخلق فرصة لروسيا ليكون لها نفوذ أكبر فى المنطقة.
السفير الأمريكى السابق جون بولتون، قال مثلا: “لقد أعطينا إيران الطريق الذى كانت تبحث عنه لحوالى 35 عاما، الدول الأخرى فى المنطقة لن تقف مكتوفة الأيدى، ولهذا فإن سباق التسلح النووى جار بالفعل”، موضحا أن إيران والدول الأخرى استخدمت برامج الطاقة النووية المدنية كغطاء لبرامج تخصيب اليورانيوم.
أما السيناتور الأمريكى المرشح للرئاسة عن الحزب الجمهورى، ليندسى جراهام، فقال: “كل دولة عربية سنية سترى إيران نووية كنتيجة حتمية، وأسوأ ناتج محتمل من الاتفاق هو خلق سباق تسلح نووى فى الشرق الأوسط لدى شعور الدول السنية بالتهديد”.
المصدر: وكالات