بلدية القدس وبحجة “البناء من دون تراخيص على أرض عامة”، رفعت دعوى قضائية على العائلات الفلسطينية في الحي لإخلاء المنازل وهدمها. لكن المحكمة الإسرائيلية وفي نهاية مارس الماضي، أمرت بمنح العائلات مهلة إضافية ومددت أوامر الهدم حتى بداية مايو المقبل، ما دفع ببلدية القدس إلى استئناف قرار المحكمة “المركزية”، وطالبت بإلغاء كل التمديدات على أوامر الهدم بحق منشآت حي عين اللوزة، وتنفيذ أوامر الهدم بشكل فوري، وهو ما أجبر عشرات العائلات المقدسية هناك على حزم الأمتعة خوفاً من تنفيذ القرار وافتراش الشارع.
وحسب “مركز معلومات وادي حلوة” في القدس، هناك 23 ألف منزل ومنشأة مهددة بالهدم باعتبار أنها بُنيت من دون ترخيص، أي أن 32 في المئة من سكان القدس تسلموا فعلياً أوامر هدم وإخلاء، ونحو 6870 أمر هدم سُلّمت في بلدة سلوان وحدها. وهدمت السلطات الإسرائيلية أكثر من 170 منشأة سكنية وتجارية وزراعية في القدس وضواحيها، خلال العام الماضي، في حين رصدت مراكز حقوقية مقدسية هدم 55 منشأة في القدس منذ بداية العام الحالي. وأشار تقرير مراقب لحقوق الإنسان والسكن في القدس، إلى أن المقدسيين بحاجة إلى 27 ألف وحدة سكنية في الأقل لحل الأزمة السكانية في المدينة، لكن لم يتبقَّ للفلسطينيين سوى ثمانية في المئة من الأراضي، بما فيها تلك المقام عليها المساكن والخدمات.
وبحسب جمعية “عير عميم” الإسرائيلية التي تتابع نمو المستوطنات في القدس، فإن 3000 فلسطيني قد يفقدون بيوتهم في القدس، وبشكل خاص في حي الشيخ جراح وسلوان، وأن الممارسات الإسرائيلية ستمس بأي احتمال للعودة إلى عملية سلام.
عضو لجنة الدفاع عن بلدة سلوان فخري أبو ذياب يقول “لإحاطة البلدة القديمة والمسجد الأقصى وأحياء بلدة سلوان بمشاريع تهويدية استيطانية محكمة، يخطط الاحتلال لإقامة حدائق تلمودية وتوراتية ضخمة، وهو يريد هدم المنازل وعدم منح تراخيص للفلسطينيين لإفساح المجال أمام إقامة تلك المشاريع ضمن مشروع (الحوض المقدس)، الذي يبدأ من الشيخ جراح وصولاً إلى سلوان جنوب الأقصى.وما يجري هو تصفية الوجود بشكل كامل في بلدة سلوان، لنصبح أقلية مجزأة خصوصاً وأننا الأقرب إلى المسجد الأقصى. لذلك تسعى البلدية إلى اقتلاع ديموغرافية المنطقة لصالح زيادة عدد المستوطنين، ضمن مسلسل تهويد الأحياء، وإظهار المكان على أنه يهودي إسرائيلي وليس عربياً فلسطينياً. سكان حي عين اللوزة ليسوا وحدهم في معترك الهدم والملاحقة والطرد والتشريد للنساء والأطفال وكبار السن التي قد تطالهم في رمضان أو عيد الفطر، بل هناك أيضاً أحياء وادي حلوة، وحي البستان، ووادي الربابة، ووادي ياصول وجبل المكبر، كلها تعاني بشكل مجحف تسلط المستوطنين على منازلهم وطردهم منها بحجة أنها عقارات يهودية مستأجرة قبل عام 1948”.
ويضيف أبو دياب “الممثلة القضائية لبلدية إسرائيل قبل أشهر عدة، قالت ضمن جلسة في المحكمة العليا فيما يخص منازل عين اللوزة، إن عدم قبول مخططات السكان التنظيمية والهيكلية، كان بسبب سياسي لا هندسي، وهو صادر من وزارة الداخلية”.
في الـ25 من أكتوبر 2017، أدخلت السلطات الإسرائيلية التعديل 116 لقانون التخطيط والبناء حيّز التنفيذ، وهو المعروف باسم “قانون كامينتس”، ونقل القانون صلاحيات فرض غرامات وإصدار أوامر هدم من المحاكم إلى مفتشي البناء، من دون السماح للفلسطيني بعرض معاناته وظروفه الشخصية والعائلية والاقتصادية للقاضي. كما فوض القانون مفتشي البناء بإصدار إخطارات إدارية بغرامات تصل إلى 300 ألف شيكل (94 ألف دولار) بسبب البناء غير القانوني، ولا يحق للمحاكم تخفيضها إلا في ظروف خاصة. ومن التغييرات الإضافية التي أدخلها القانون، زيادة عدد السنوات القصوى لعقوبة السجن في تجاوزات البناء من سنتين إلى ثلاث سنوات.
وزيرة الداخلية الإسرائيلية إيلييت شاكيد، كانت قد صرحت لوسائل إعلام إسرائيلية أخيراً أن “تشديد العقوبة بموجب قانون كامينتس يهدف إلى زيادة العقوبة والردع في الوسط العربي، مع تطبيقه بأثر رجعي على البناء غير القانوني السابق، حتى لو تم رفع دعوى قضائية ضده في الماضي”.
العواقب الوخيمة لهذا القانون على الفلسطينيين، بحسب مركز حقوق المواطن (غير حكومي)، أنه يزيد من شدة العقوبات وصرامتها وسرعة تنفيذها من خلال أوامر وغرامات إدارية، وقد تشمل هذه العقوبات المباني التي شيدت قبل سن القانون، وتقع على كل من قام بالبناء من دون ترخيص، أو استخدام الأرض أو المبنى خلافاً للهدف الذي خصصت الأرض من أجله في الخارطة، أو لعدم الامتثال لأمر إداري بوقف الاستخدام أو وقف البناء. وتشمل العقوبات بحسب المركز، مالك الأرض أو المبنى ومستخدمها والمهنيين والحرفيين الذين شاركوا في عملية البناء أو العمل في الأرض، حتى المسؤول عن تخطيط العمل والإشراف عليه.
ويرى مراقبون أن السير بـ”قانون كامينتس” سيؤدي إلى انهيار المجتمع الفلسطيني، لا سيما أنه سلب من المحاكم صلاحياتها بتأجيل أمر الهدم لأكثر من سنة من أجل أن يتمكن الفلسطينيون من ترخيص البناء، فقد بات من المعروف في القدس أن سنة واحدة لا تكفي لإنهاء المعاملات في مؤسسات التخطيط.
وفي نهاية فبراير الماضي، دعا منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، تور وينسلاند، السلطات الإسرائيلية إلى إنهاء تهجير الفلسطينيين وعدم إخلائهم من بيوتهم في القدس، بما يتفق مع التزاماتها بموجب القانون الدولي. وقال “ما زلت أشعر بالقلق إزاء احتمال إخلاء عدد من العائلات الفلسطينية من بيوتها التي عاشوا فيها منذ عقود في حي الشيخ جراح وسلوان بالقدس الشرقية، وإن خطر حدوث هذا سيكون بمثابة تصعيد للعنف”، وأضاف “من دون آفاق واقعية لإنهاء الاحتلال وتحقيق حل الدولتين على أساس قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي والاتفاقات السابقة بين الطرفين، فسوف نواجه أمراً لا رجوع فيه. إنها مسألة وقت فقط قبل أن نواجه انهياراً خطيراً للوضع الأمني وعدم استقرار واسع النطاق”.
من جانبها، دعت المندوبة الأمريكية الدائمة لدى الأمم المتحدة، السفيرة ليندا توماس جرينفيلد في وقت سابق، إسرائيل والسلطة الفلسطينية إلى الامتناع عن “الخطوات الأحادية الجانب” التي تفاقم التوتر، مجددة دعمها خيار “حل الدولتين”.
وقالت جرينفيلد خلال جلسة مجلس الأمن الدولي، إن “هذا العام يوفر فرصة لإعادة التزامنا بالتوصل إلى حل سياسي للصراع، ولذا نعيد تأكيد دعمنا القوي لحل الدولتين، حل تعيش فيه إسرائيل اليهودية والديمقراطية في سلام جنباً إلى جنب مع دولة فلسطينية ديمقراطية ذات سيادة وقابلة للحياة”.
في حين جدد الاتحاد الأوروبي وفي تغريدة نشرها مكتبه في القدس على “تويتر”، دعوته إلى وقف عمليات الهدم وأي ممارسات أخرى غير قانونية تجبر الفلسطينيين قسرياً على ترك منازلهم.
وقال الاتحاد إن عمليات هدم المنازل والمنشآت أو الاستيلاء عليها زادت بنسبة 21 في المئة عام 2021، وهو ما أدى إلى زيادة بنسبة 28 في المئة في عدد الفلسطينيين الذين هُجّروا قسرياً من أماكن سكنهم.
يذكر أن نحو 210 آلاف مستوطن يعيشون في القدس الشرقية، بينما يزيد تعداد الفلسطينيين فيها على 300 ألف. ويرغب الفلسطينيون في جعل الشق الشرقي من المدينة عاصمة للدولة التي يتطلعون إليها.
المصدر: وكالات