يتوجه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى واشنطن الاثنين تحت وطأة ضغوط داخلية ووضع أمني هش،على أمل الحصول على إعلان رسمي لجدول زمني لانسحاب الأمريكيين من البلاد، المطلب الأساسي للعراقيين الموالين لإيران، يعطيه دفعا سياسياً قبل ثلاثة أشهر من انتخابات نيابية مبكرة.
وتأتي الزيارة بعد التفجير الانتحاري في بغداد مطلع الأسبوع الذي أوقع 30 قتيلاً وتبناه تنظيم داعش، وفي وقت تؤكد واشنطن باستمرار أن مهمة الأمريكيين “الأساسية في العراق تبقى ضمان استمرارية هزيمة داعش كما قال الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس لوكالة فرانس برس.
رسمياً، تمت هزيمة التنظيم في العراق في العام 2017 على أيدي القوات العراقية المدعومة من تحالف دولي بقيادة واشنطن، لكن تبقى مخاوف عودته حاضرة بحسب مصدر دبلوماسي أمريكي، لأن “العديد من الأسباب التي سمحت بصعود التنظيم في العام 2014 لا تزال قائمة”.
ويقول الباحث في مركز “ذي سانتشوري فاونديشن” للأبحاث سجاد جياد لفرانس برس إن عدم التوصل إلى إعلان ملموس لانسحاب كامل قد يؤدي إلى “رفع المجموعات الموالية لإيران مستوى التوتر وتعزيز هجماتها على القوات الأمريكية في البلاد”.
ولم تتوان الفصائل عن تكثيف ضغوطها مؤخراً على الكاظمي الذي ضعف موقفه في مواجهة أزمات تتزايد تعقيداً في البلاد على المستوى المعيشي والاقتصادي على وجه الخصوص، لا سيما أزمة الكهرباء التي يعتمد العراق على إيران للتزود بما يكفيه منها، خصوصاً في فصل الصيف الحار.
وتوعد قيس الخزعلي، الأمين العام لحركة عصائب أهل الحق، إحدى فصائل الحشد الشعبي، وهو تحالف فصائل موالية لإيران منضوية في القوات العراقية، في كلمة له قبيل زيارة الكاظمي، بأن “عمليات المقاومة مستمرة وستستمر حتى خروج كل القوات الأمريكية العسكرية من كل الأراضي العراقية”.
ومنذ الزيارة الأخيرة للكاظمي إلى واشنطن في أغسطس 2020، حصلت تطورات على رأسها تواصل الهجمات التي تتهم بها فصائل موالية لإيران، على المصالح الأمريكية في البلاد، وليس بالصواريخ فحسب، بل أدخلت تقنية الطائرات المسيرة، الأكثر دقةً وإثارة للقلق بالنسبة للتحالف الدولي. وقد بلغ عددها نحو خمسين هجوما منذ مطلع العام.
من واشنطن، أكد وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين الذي وصل قبل بضعة أيام للتحضير للزيارة، أن المحادثات ستفضي بالفعل إلى تحديد جدول زمني. لكن وسائل إعلام أمريكية أشارت إلى أن الانسحاب سيكون في الواقع إعادة تحديد لمهام القوات الموجودة في العراق البالغ عددها 2500 عسكري يتمركزون في قواعد عراقية، وهم رسمياً ليسوا بقوات قتالية بل “مستشارون” و”مدربون”، بحلول نهاية العام.
ويوضح الباحث في “بيرسون انستيتيوت” في جامعة شيكاغو رمزي مارديني أن “التغييرات التي ستطرأ على الوجود الأمريكي في العراق” لن تكون جذرية، بل “ستهدف فقط إلى إعطاء دفع للمصالح السياسية لرئيس الوزراء” بشكل أساسي مع اقتراب موعد الانتخابات المبكرة، “لكن الوضع الراهن سيبقى كما هو، أي استمرارية الوجود الأميركي” على أرض الواقع.
وفيما تقوّض الضغوط الداخلية وتردي الظروف الاقتصادية والاجتماعية موقعه، فإن “زيارة رئيس الوزراء تبقى مرتبطة بشكل وثيق بحملته للانتخابات” المقررة في 10 أكتوبر، فهو يحاول خصوصاً “حشد دعم دولي وإقليمي”، كما يوضح مارديني.
ويعود ذلك لافتقاده إلى “حزب سياسي وقاعدة شعبية”، وفق مارديني، لذا يبقى “الطريق الوحيد له نحو كسب التأييد من أجل تشكيل حكومة هو عبر التوفيق بين الأحزاب السياسية التي تهمين عليها قوى إقليمية ودولية”.
ووسط كل ذلك، لعلّ أبرز ما يحتاج إليه الكاظمي هو “تخطي أزمات الصيف وتفادي تراجع الأمور إلى الأسوأ”، في بلد يعاني من الفساد وتهالك بناه التحتية وانقطاع متواصل للكهرباء بعد عقود من الأزمات والحروب ولكن تحقيق ذلك الانتصار الجزئي يبقى محط تساؤلات.
ويقول مارديني إنه على الرغم من أن العراقيين “يحتاجون بشدة لأن يصبح التعاون الاقتصادي نقطة الارتكاز في العلاقة مع الولايات المتحدة”، إلا أن “المصالح الأمريكية لا تزال محصورة بالتهديدات الإقليمية المنبثقة من الإرهاب وإيران” التي تخوض معها الولايات المتحدة مواجهةً غير مباشرة على الأراضي العراقية.
المصدر : وكالة الأنباء الفرنسية ( أ ف ب )