يبدو أن العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة مقبلة على صيف سياسي ساخن ينذر بمزيد من التوتر بين البلدين بسبب إصرار أنقرة على إتمام صفقة صواريخ روسية متقدمة، وهي الصفقة التي حذرت واشنطن بأنه سيكون لها، في حال إتمامها، عواقب وخيمة على علاقات التعاون العسكري القائم بين الجانبين الأمريكي والتركي، ولوحت بفرض عقوبات جديدة على أنقرة في حال مضت قدما في هذه الصفقة التي يعتبرها الأمريكيون تهديدا صريحا لمصالحهم.
وتشكل العلاقات التركية الروسية أحد الملفات الخلافية الرئيسية بين الولايات المتحدة وتركيا، إذ لا تخفي واشنطن قلقها ومخاوفها من التقارب المتزايد بين أنقرة وموسكو ، ولاسيما على صعيد التعاون العسكري، وهو القلق الذي تصاعد بعد توجه تركيا للحصول على منظومة صواريخ اس 400 للدفاع الجوي من روسيا .
فقد اعتبرت واشنطن هذه الخطوة التي أقدمت عليها أنقرة، تجاوزا للخطوط الحمراء في العلاقات بين تركيا ( الدولة العضو في حلف الناتو) وبين روسيا، التي تمثل الخصم الاستراتيجي للولايات المتحدة ولحلف الناتو، ولعل ذلك ما يفسر تصاعد الضغوط الشديدة التي تمارسها واشنطن على أنقرة لإثنائها عن إتمام صفقة شراء منظومة الدفاع الصاروخي الروسية، والتي وصلت إلى حد التهديد بوقف التعاون العسكري بين الولايات المتحدة وتركيا في عدد من المجالات الحيوية بين البلدين، حال تمسكت الأخيرة بإتمام هذه الصفقة.
التهديدات الأمريكية لتركيا جاءت في رسالة بعث بها “باتريك شاناهان”، القائم بأعمال وزير الدفاع الأمريكي إلى وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، لوح فيها بالوقف الفوري لأي تدريب جديد للطيارين الأتراك على مقاتلات إف – 35 الأمريكية..إذ ترى واشنطن أن شراء تركيا منظومة إس – 400 الدفاعية الروسية يشكل تهديدا لمقاتلات إف – 35 الأمريكية (الشبح) التي تعتزم تركيا شراءها أيضا، وتقول إن أنقرة لا يمكنها الحصول على المنظومتين معا.
وبينما تؤكد تركيا تمسكها بالمضي قدما في إتمام صفقة الصواريخ الروسية، وترى أن ذلك يدخل ضمن حقها السيادي، منحت واشنطن مهلة لأنقرة حتى نهاية شهر يوليو المقبل، للتخلي عن شراء صفقة منظومة صواريخ إس – 400 الروسية.
وقد خيّرت الإدارة الأمريكية أنقرة بين صفقة الصواريخ الروسية، أو الحصول على المقاتلات الأمريكية من نوع إف – 35 التي وقعت اتفاقا لشراء 100 منها.
وقالت وكيلة وزارة الدفاع الأمريكية “ألين لورد” إنه إذا لم تلغ تركيا بحلول 31 يوليو، شراء نظام إس – 400، سيتوقف تدريب الطيارين الأتراك في الولايات المتحدة على طائرات إف – 35، وستلغى الاتفاقات مع الشركات التركية المتعاقد معها لتصنيع أجزاء من هذه الطائرة الحربية، التي تعد الأحدث والأكثر تطورا في العالم، كما يعتبر برنامج إنتاجها الأكثر كلفة في تاريخ الجيش الأمريكي، حيث يقدر البنتاجون تكلفته بنحو 400 مليار دولار، بهدف تصنيع ما يقرب من 2500 طائرة في العقود القادمة.
ووفقا لوكيلة وزارة الدفاع الأمريكية، فإنه إذا لم تتخل تركيا عن الصفقة مع روسيا بحلول نهاية الشهر المقبل، فإن الشركات التركية، التي تصنع 937 جزءا مختلفا من طراز إف – 35 لن تمنح أي عقود فرعية أخرى، وسيتم منح هذه العقود لشركات أخرى.
وترى الولايات المتحدة أن اقتناء أنقرة لمنظومة الصواريخ الروسية، يشكل إخلالا خطيرا بمنظومة الأمن والتسليح العسكري في شمال الأطلسي (الناتو) فتركيا العضو في الحلف تمتلك مقاتلات من طراز إف – 35، والتي صممت للعمل بشكل متوافق مع الأنظمة العسكرية لحلف الناتو، بما في ذلك الدفاعات المضادة للصواريخ، وهذا ما يثير مخاوف الولايات المتحدة من أن روسيا قد تضبط قدرات منظومتها إس-400 ضد التحالف الغربي من خلال المعلومات التي تحصل عليها في تركيا.
ويعد نظام “إس 400” الصاروخي الروسي، أحد أكثر الأنظمة تطوّراً في العالم، إذ يستطيع تدمير أهداف تتحرك بسرعة 5 كيلومترات في الثانية، ومن ضمنها الطائرات والصواريخ ذاتيّة الدفع متوسطة المدى والصواريخ المجنّحة، وتبلغ سرعة هذه الصواريخ ضعف سرعة صواريخ باتريوت الأمريكية ، ونطاق استهدافها يبلغ ثلاثة أضعاف، في حين تتحول لوضع قتالي بشكل أسرع 5 مرات، وباستطاعتها توجيه عدد صواريخ أكبر بـ13 مرة.
ورغم الاعتراضات والتهديدات الأمريكية، يبدو أن الصفقة ماضية في طريقها، حيث أعلن رئيس مجموعة “روستيك” الروسية، سيرغي تشيميزوف، أن موسكو ستبدأ في تسليم أنظمة صواريخ “إس 400” لأنقرة خلال شهرين، ونقلت وكالة “إنتر فاكس” للأنباء عن تشيميزوف قوله”إن روسيا أنهت إطلاع الخبراء الأتراك على إرشادات استعمال أنظمة إس-400″.
وتخشى واشنطن من أن يؤدي إتمام صفقة الصورايخ بين تركيا وروسيا إلى مزيد من تمدد النفوذ الروسي في الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي يشكل هاجسًا يؤرق مضاجع الأمريكان ويهدد مصالحهم في المنطقة، كما أن حصول تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي على سلاح روسي بهذه النوعية المتقدمة ، من شأنه أن يثير الكثير من علامات الاستفهام عن مدى التزام الحلف بحماية أعضائه، حيث ذهب بعض الخبراء إلى أن هناك مخاوف من إمكانية قيام روسيا باستخدام هذا النظام لجمع معلومات استخبارية عن طائرات (إف 35) التي يقودها الطيارون الأمريكيون، الأمر الذي يهدد أمن الحلف وأمريكا على حد سواء.
وعلى الجانب الروسي يشكل إبرام صفقة من هذا النوع، ضربة موجعة لخصومها القدامى، أعضاء حلف الأطلسي، فدخول هذه التقنية لحزام تلك الدول ،سيمثل تهديدًا كبيرًا على منظومة الدفاع في الحلف، وهو ما يعطي موسكو الأفضلية في كثير من المواجهات، بجانب تشجيع دول أخرى على اقتناء مثل تلك التقنية، الأمر الذي يعيد روسيا للمنافسة العالمية في مجال التسليح، وهو تخشاه أوروبا وأمريكا على حد سواء.
أما تركيا فقد أكدت تمسكها بإتمام صفقة الصواريخ الروسية، إذ شدد الرئيس التركي رجب طيب أرودغان على أن التراجع عن هذه الصفقة أمر غير وارد ، فيما قال نائب رئيس حزب العدالة والتنمية التركي نعمان قورتولموش، إن أنقرة لن تتراجع عن شراء منظومة “إس-400” الروسية ، مشيرا إلى أن أنقرة كانت قد طلبت من واشنطن شراء منظومتها الصاروخية الدفاعية “باتريوت” إلا أنها رفضت.
ويرى مراقبون ومحللون أن إصرار تركيا على إتمام صفقة الصواريخ الروسية يأتي في إطار بحث أنقرة عن مصادر بديلة في مجال التسليح على رأسها الخروج من عباءة واشنطن والتحرير من الضغوط الأمريكية في هذا المجال، كما أن هذا الموقف التركي يعكس تراجع الثقة التركية في الأمريكان خاصة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة 2016 التي تعتقد أنقرة أنه كان للمخابرات الأمريكية يد فيها.
ويشير مراقبون إلى أنه رغم تمسك تركيا بإتمام الصفقة، إلا أنها تجد نفسها في مأزق حقيقي، فهي تبدو عالقة بين الحليف الأمريكي في حلف شمال الأطلسي، وبين روسيا التي تربطها بها علاقات تعاون مهمة في ملفات عديدة على رأسها الملف السوري.
ورغم أن أنقرة لا تبدو راغبة في إثارة غضب الحليف الأمريكي خصوصا في ظل العديد من الخلافات القائمة فعلا بينهما، إلا أن تراجعها عن صفقة الصواريخ قد يغضب موسكو، التي باتت شريكا استراتيجيا لأنقرة في سوريا، وبما قد يهدد الترتيبات الأمنية التي توصل اليها الطرفان بشأن الوضع العسكري في المناطق الحدودية السورية، كما أن روسيا قد ترد على إلغاء الصفقة بمنع ملايين السياح الروس من الذهاب إلى تركيا، ما يعني توجيه ضربة موجعة للاقتصاد التركي الذي يعاني حاليا.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)