قبل أكثر من سنتين وفيما كان المصريون منشغلين بثورتهم، وكلهم حماسة وطموح في التغيير كان الصحافي الأميركي شارلز سينت منشغلاً في ملاحقة حركة «الإخوان المسلمين»، وكانت عدسته تسجل تفاصيل أنشطتهم داخل ساحة التحرير وخارجها. وكما قال في مستهل برنامجه «مصر في أزمة»: «كان هدف الشباب المصري اسقاط نظام مبارك أما هدفي أنا فكان معرفة ماذا يخبئ «الإخوان» وكيف كانوا يخططون!».
لاحق الوثائقي التلفزيوني الأميركي مسار حركة «الإخوان» من خلال ملازمته الطويلة لواحد من قياديي منظماته الشبابية واسمه محمد عباس، ومن خلاله سجل غالبية أنشطتهم داخل ساحة التحرير والتي تركزت وقتها في وضع الحواجز، وطباعة المنشورات وتقديم المساعدات الطبية الأولية وتوزيع البطانيات مجاناً. كانت أنشطتهم المنضبطة تدلل على قوة تنظيمهم ومكاشفة الشاب محمد لمعد البرنامج، كانت واضحة وتتفق مع الانطباع الذي تولد عبر ما جمعه الصحافي من مادة تلفزيونية سجلت بدقة مدهشة تحركاتهم خلال الأحداث: «نحن أفضل الحركات في مصر تنظيماً!»
كان الشاب منضبطاً جداً بل كانت مهمته الأساسية ضبط ردود فعل الشباب الإخواني حتى لا يعبّروا عما تريد قيادتهم الاحتفاظ به للحظة المناسبة. لقد توصل الوثائقي الى أن واحدة من تكتيكات الحركة خلال الحراك الشعبي كانت عدم اظهار قوتهم. أرادوا أن يكونوا في الظل حتى لا يخيفوا الشبان المصريين الذين قادوا الثورة وكانوا في طليعتها.
أحد الأهداف المعلنة لـ «الإخوان» كانت الدعوة الى وحدة الجيش والشعب! وفي تسجيل لإحدى خطب محمد عباس قبل يوم من اسقاط مبارك شدد فيها وأكثر من مرة على شعار «الجيش والشعب يد وحدة». الجيش نفسه سيتدخل بعد أسابيع على مواصلة الشباب وقوفهم في ساحة التحرير مطالبين بمحاكمة «أزلام» النظام، ويُبعدهم بالقوة». لقد حدثت مصادمات ومواجهات بين الشباب المصري والجيش وبسببها زج كثر منهم في السجن. في هذه الأثناء كانت الكاميرا تسجل موقفاً تكتيكياً لـ «الإخوان» يُظهر تخطيطهم لاستمالة جنرالات العسكر؛ فبدلاً من الذهاب الى الثوار والاستماع الى مطالبهم والدعوة الى كتابة دستور يحد من سلطة العسكر ويُزيل الفساد من أجهزة الدولة العميقة وقضائها، بدلاً من كل ذلك توجهوا للتعاون مع الجيش.
في هذا الجانب يستعرض الوثائقي التلفزيوني، وهو موجه بالدرجة الأولى الى جمهور غربي لا يعرف الكثير عن الموضوع وتفاصيله، القوة الاقتصادية للجيش ومتانة علاقة قادته مع الولايات المتحدة وحجم الامتيازات الهائلة التي يتمتعون بها. لقد أراد محمد مرسي كما سيظهر لاحقاً أن يُبقي على كل امتيازات الجنرالات، على أمل تركهم له شؤون السياسة، ولهذا حاول السيطرة على الإعلام والقضاء بحجة وجود أعداء في كل مكان.
وهنا ظهرت أولى الميول المتسترة للهيمنة المطلقة على السلطة إذ أظهر مرسي رغبته في أن يكون قائداً متحكماً، وعلى حد تعبير احدى الشخصيات المصرية التي استضافها البرنامج «لم يكن مانديلا… لم يستمع الى الشعب ولا الى الروح المصرية. لقد انحاز الى حزبيته الإخوانية لا الى مصر». وهذا ما ورد أيضاً في مراجعة قام بها البرنامج لتاريخ حركة «الإخوان» في مصر وكيف انهم كانوا على الدوام يعلنون جهاراً عدم رغبتهم في استلام السلطة، ولكن وحالما تتوافر لهم الفرصة لا يترددون في الانقضاض عليها.
وبدا ذلك جلياً في مقابلة سينت لمرسي قبل توليه الرئاسة حين قال له: «تأمين النظام الاجتماعي والإصلاح والحرية أهم من السلطة». وبعد أسبوع من هذه الكلمات سيكون هذا الرجل في أعلى قمة السلطة في مصر، ولكن ويا للمفارقة كما يصفها أحد الخبراء السياسيين الأميركيين في المنطقة: «انها سلطة من دون سلطة مع انهم جاؤوا عن طريق الانتخابات! فلا الجيش ضعفت امتيازاته ولا الدولة العميقة انهارت وتحطمت». وفي المقابل لم تكن سلطة لكل المصريين، وهذا أحد الأسباب التي أدت الى افشال «الإخوان» في مصر ودفع ملايين الناس للاعتراض عليهم ورفض سلطتهم.
يوثّق «مصر في أزمة» تطور المواقف المعارضة لـ «الإخوان» وظهور حركة «تمرد» التي نجحت في جمع أكثر من عشرين مليون توقيع، طالبت برحيل مرسي عن الحكم. ويكشف عناد «الإخوان» وبخاصة القيادة الظل التي لم تأخذ تهديدات الشعب مأخذ الجد، ولم تقبل بالاقتراحات، ومن بينها اجراء انتخابات مبكرة… حتى انها لم تصغ الى نصيحة أوباما التي قدمها لها عبر مكالمة هاتفية دامت قرابة نصف ساعة، واعترف القيادي في جماعة «الإخوان» عصام العريان بها وبصحة ما تضمنت من تحذير الرئيس الأميركي لهم من أن الجيش قد يقوم بانقلاب عسكري اذا لم يستجيبوا مطالب المعارضة، وعندها لن يتمكنوا (الأميركيون) من ايقافه. وهذا ما حدث! وأظهر الوثائقي الأميركي كيف أمسك «الإخوان» بالسلطة كحزب سياسي متشدد بإيديولوجية متشددة، ما وفّر للجيش فرصة سانحة للتدخل وحسم الموقف مجنباً البلاد حرباً أهلية وشيكة. وأشار الى أن سياسة «الإخوان» أتت بالجيش الى السلطة وليس العكس، وأن ممارساتهم السياسية هي من خلقت لهم الأعداء وهي من دفعت بالشاب الإخواني محمد عباس الى ترك التنظيم والرحيل الى خارج البلاد.
المصدر: وكالات