يشكل اللقاء الأول منذ 2011 الذي جمع وزيري الدفاع السوري علي محمود عباس والتركي خلوصي آكار بمعية نظيرهما الروسي سيرجي شويغو، واحدة من مفاجآت هذه السنة التي تعد أيامها الأخيرة. ومن شأن هذا اللقاء أن يحدث انفراجة كبيرة في الأزمة السورية، ويمهد لمرحلة جديدة تستعيد استقرار هذا البلد والمنطقة، ويدفع مكافحة الإرهاب، بمختلف أشكاله، أشواطاً إلى الأمام.
منذ فترة تصدر إشارات واضحة من أنقرة وموسكو ودمشق عن توجه صريح إلى لملمة الخلافات السورية التركية وطي صفحة الماضي بكل ما فيها من صراعات أثرت في مختلف الأطراف. هذه الإشارات بدأت الشهر الماضي حين تحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لأول مرة عن إمكانية لقاء نظيره السوري بشار الأسد، وكرر ذلك منتصف هذا الشهر حين أكد أن القمة المرتقبة ستكون بعد أول اجتماع على مستوى وزيري الدفاع والخارجية في البلدين، وقد يكون لقاء موسكو خطوة في هذا المسار، الذي أصبح الخيار الوحيد لإرساء الأمن وحماية المصالح المشتركة، وهو مسار يتطابق مع قاعدة «لا عداوات دائمة في السياسة»، وينسجم أيضاً مع التوجه المطلوب في المنطقة لإعادة هندسة العلاقات بين أطرافها على أساس التعايش وحسن الجوار وحل الخلافات بالحوار والدبلوماسية والابتعاد عن لغة الحروب والتدخلات العسكرية، خصوصاً بعد أن عاشت المنطقة، في السنوات الأخيرة، تجارب مريرة أزهقت أرواح مئات آلاف الأبرياء وهجّرت الملايين من ديارهم وأوطانهم، وفاقمت ظاهرة الإرهاب والتطرف، وخلقت جماعات إجرامية لم يسبق لها مثيل، فضلاً عن التدمير الواسع للبنى الاقتصادية وكل المرافق الضرورية للحياة.
هذه المنطقة يجب أن تتحرر من أغلال الصراعات العبثية والحسابات الضيقة، وتنظر إلى المستقبل بثقة وتفاؤل، فالحرب لا تلد إلا حرباً مثلها، والسلام هو القيمة الوحيدة التي تهب الحياة والازدهار والكرامة الإنسانية. وحين يأتي لقاء موسكو الثلاثي على عتبة عام جديد، يمكن لمساحة التفاؤل أن تتسع وتكبر، ويمكن للشعب السوري، الذي عانى ويلات العنف والإرهاب والتدخلات الخارجية، أن يأمل بالنجاة من الوضع الكارثي الذي حاق به زهاء 12 عاماً، وقد حان أوان التحرر من أدران الحرب والانكباب على إعادة الإعمار واستقبال اللاجئين والعفو عمن زل بهم الفكر أو الموقف.
الشعور بالتفاؤل وفتح صفحة جديدة، لا يحجبان مخاطر التهديدات الإرهابية التي مازالت تتحرك في الأراضي السورية، ومنها الهجمات الإجرامية الأخيرة التي نفذتها فلول «داعش». وأخذ هذه التهديدات الإرهابية في الاعتبار، ولا يخفى أيضاً أن أطرافاً عدة لا تريد استقرار سوريا، وتسعى إلى تأبيد أزمتها حتى تظل ساحة مستباحة للتدخل في شؤونها الداخلية وصناعة البيادق التي لا تجلب سوى الخراب والدمار.
سوريا تطوي صفحة الأزمة الأليمة وتتجه نحو التعافي واستعادة سيادتها ووحدتها الترابية، رغم ما تواجهه من صعوبات وتحديات. ويبدو أن تركيا أصبحت أكثر قناعة من أي وقت، بأن استقرارها مرتبط سياسياً وأمنياً باستقرار سوريا. وربما يكون لقاء موسكو مقدمة أولى لعهد جديد يعيد فتح الطريق بين أنقرة ودمشق على أسس حسن الجوار والمصالح الوطنية والعبرة من تجربة سنوات طويلة ومريرة من الصراع.