قالت صحيفة الخليج الإماراتية في افتتاحيتها إن أزمة مياه «سد النهضة» بين مصر وإثيوبيا حول مياه نهر النيل، تفتح قضية منسوب الخطر الذي يتهدد الأمن المائي العربي؛ نظراً لما تشكله المياه من عنصر للتفاعلات السياسية والأمنية في منطقة الشرق الأوسط، وخصوصاً بين الدول العربية وجيرانها؛ نظراً لاعتماد معظم الدول العربية على مياه أنهار تنبع من خارج أراضيها؛ إذ إن إثيوبيا وتركيا وإيران وكينيا وأوغندا تتحكم بحوالي 60 في المئة من منابع الموارد المائية للوطن العربي، عدا قيام «إسرائيل» باغتصاب معظم نصيب دول الطوق العربي من المياه (سوريا ولبنان والأردن)؛ بعد احتلال الضفة الغربية ومرتفعات الجولان السورية عام 1967.
وتشير التقارير إلى أن 13 بلداً عربياً يعاني الندرة المائية، وأن المياه الجوفية القابلة للتجدد تتقلص بشكل ملحوظ. فالمياه التي تصل إلى مصر عن طريق نهر النيل تبلغ 56 مليار متر مكعب، والمياه التي تصل إلى العراق وسوريا عن طريق نهر الفرات 25 مليار متر مكعب، وإلى العراق عن طريق نهر دجلة وفروعه 38 مليار متر مربع، في حين تستولي «إسرائيل» على مياه مرتفعات الجولان وينابيعها التي تصب في بحيرة طبريا ونهر الأردن، التي تقدر بنحو 420 مليون متر مكعب سنوياً، إضافة إلى التجمعات المائية في الهضبة التي تصل قدرة استيعابها إلى 34 مليون متر مربع، كما تستولي على جزء من مياه نهر الحاصباني، الذي ينبع من لبنان ويصب في بحيرة طبريا، وتسرق المياه الجوفية في الضفة الغربية بما يعادل 360 مليون متر مربع سنوياً.
العجز المائي في المنطقة العربية يقدرأن يصل الى 261 مليار متر مكعب في عام 2030، ما يجعل المنطقة العربية أمام خطر فعلي مع زيادة المعدلات السكانية، التي تعد الأعلى في العالم، خصوصاً أن المياه يتم استغلاها سياسياً؛ لتحقيق أهداف استراتيجية للدول المجاورة؛ وممارسة ضغوط على الدول العربية؛ لحملها على القبول بمواقف معينة تجعلها رهينة بالمطلق لسياسات تتعارض مع سيادتها واستقلالها.
إن المياه في المنطقة العربية سوف تحدد ملامح الصراعات السياسية في المستقبل؛ نظراً للتداخل الكبير بين قوة الدول العسكرية واستقرار وضعها المائي، في ظل استخدام المياه ورقة ابتزاز سياسي، وإصرار من دول الجوار على الاعتداء على الحقوق المائية العربية دون الأخذ في الاعتبار القوانين والاتفاقات الدولية والإقليمية الخاصة بالمياه المشتركة.
وقد سبق لتركيا في ثمانينات القرن الماضي، أن جعلت من المياه سلاحاً سياسياً ضد سوريا والعراق؛ لاتخاذ مواقف مناوئة ضد الأكراد، كما أنها استغلت قوتها العسكرية ودعم الدول الأطلسية لها، والضعف العربي العام والخلافات السورية العراقية آنذاك للتهرب من إبرام أي اتفاق لاقتسام نهري دجلة والفرات بين الدول الثلاث المشاطئة لهما، ورفضت الاعتراف بالطابع الدولي للنهرين، بما يشبه إلى حد بعيد موقف إثيوبيا الآن من نهر النيل.
من هنا فإن الأمن المائي العربي يتعرض لتهديد فعلي إذا لم يدرك العرب حقوقهم بمواقف جدية وفاعلة تجنبهم كوارث مستقبلية.. أم أن المياه مثلها مثل القضايا المصيرية الأخرى تتحول إلى قضية تافهة؟!. –