لم يعد أمام قطاع غزة إلا سنوات قليلة كي يمكن إنقاذه قبل أن يودِّع القدرة على البقاء، واحتضان أهله المليونين الذين عاشوا على أرضه آلاف السنين.
القدرة على عدم البقاء وفقدان صلاحية الحياة بحلول العام 2020، كما يقول تقرير جديد للأمم المتحدة، ليس سببه أهل القطاع، فهؤلاء ولدوا فيه وترعرعوا وعاشوا وافتدوه بالمهج والأرواح، وسقوا ترابه من عرقهم ودمهم، ولم يوفروا وسيلة إلا ودافعوا عن حياضه، إلى أن أجبروا العدو على الهرب منه غير آسف، بعدما أذاقوه المرارة والهوان.
هو الحقد الصهيوني على القطاع الذي قال أحد قادة الكيان إنه يتمنى الاستيقاظ من النوم كي يجد القطاع غارقاً في البحر. لذا لم يكن مستغرباً الانتقام منه والتنكيل بشعبه وحرمانه من أبسط مقومات الحياة، من خلال اعتداءات متتالية تسببت بتدمير البشر والحجر، ومن خلال حصار بري وبحري وجوي جائر ومتواصل منذ أكثر من عشر سنوات، تنعدم فيه أبسط وسائل الحياة من مياه وكهرباء، بحيث انهارت كل المؤسسات الصحية والتعليمية والاجتماعية والصناعية والاقتصادية، ولم تعد قادرة على الاستمرار، وفي ظل ارتفاع غير مسبوق في البطالة ومعدلات الفقر وتفشي الأمراض.
لقد تحول القطاع بهذا المعنى إلى أكبر سجن في العالم، يضم أكثر من مليوني إنسان من مختلف الأعمار، يعيشون شظف الحياة ومرارة الحصار، ويتحركون على قطعة من الأرض تقدر مساحتها بعدة مئات من الكيلومترات المربعة، وتمتد على يابسة منبسطة شبه صحراوية، بحيث تعتبر الأكثر كثافة سكانية في العالم.
هذا القطاع، وهو جزء من أرض فلسطين التاريخية، لم يكن يعاني من هذه الحال المأساوية من قبل، فقد كان أهله يتغلبون على كل الصعوبات البيئية، ويهزمون كل العقبات التي كانت تواجههم بصبر وإرادة وعزيمة، فكانوا يزرعون ويبنون ويبدعون وينتصرون.
تحذير الأمم المتحدة الأخير من أن القطاع سوف يصبح غير صالح للحياة ليس جديداً، فقد سبق لها العام 2012 أن أصدرت تحذيراً مماثلاً قالت فيه إن القطاع سيصبح غير صالح للحياة العام 2020، وهو تحذير جدِّي يتلمس ويرصد واقع الحال، ويتحدث بالوقائع عن أن 95 بالمئة من مياه القطاع غير صالحة للشرب، وأنه يعاني من انقطاع التيار الكهربائي، وينعكس ذلك سلبياً على كل النشاطات الحياتية.. ومع ذلك فإن المجتمع الدولي، ومعه العرب بالطبع، تركوا القطاع يصل إلى هذه الحال المأساوية التي تشارف على الموت، والأسوأ أن السلطة الفلسطينية تأخذ كل أهالي القطاع بجريرة حركة حماس، فتعاقبهم بقطع رواتبهم وحقوقهم، وهي بعض ما يمكِّنهم من الصمود، وكأنها تستكمل حصارهم.
صحيح أن حركة حماس تتحمل مسؤولية مباشرة في ما آل إليه الوضع المأساوي للقطاع نتيجة سيطرتها على السلطة وكل مفاصل الحياة ،واصرارها على التفرد والهيمنة وفرض فكرها الإلغائي على الآخرين ، لكن ذلك لا يبرر الحصارالجائر وضرورة التحرك لرفعه وإجبار «إسرائيل» على رفع قبضتها عن مليوني إنسان. الكل يتفرج على مأساة تكبر، وما يقدم من مساعدات مجرد رفع عتب لإبقاء شرايين الحياة تنبض بانتظار الأسوأ.