رصدت صحيفة إماراتية، جوانب وتطورات نوعية بمسار الحرب سياسياً واقتصادياً وإنسانياً في اليمن خلال العام 2016.
وقالت صحيفة “الخليج” الإماراتية الصادرة اليوم الخميس – اطلع عليها “اليمن العربي”: “شهد عام 2016 العديد من الأحداث والتطورات التي حفل بها المشهد اليمني، وتبددت مع نهايته آمال اليمنيين في التوصل إلى حل سريع للأزمة وإيقاف الحرب المدمرة”.
وبحسب الصحيفة، مثل عام 2016 امتداداً قاتماً لتداعيات الانقلاب المسلح على الشرعية الدستورية في اليمن من قبل جماعة الحوثي والرئيس المخلوع على صالح، والمتمثلة في استمرار نزيف الدماء في العديد من المحافظات اليمنية جراء تصعيد الميليشيا الانقلابية للأوضاع العسكرية، ومواصلة الانقلابيين إعاقة كل المساعي الهادفة إلى الدفع بالحل السياسي للأزمة اليمنية المتفاقمة، الأمر الذي تسبب، ولا يزال، بتفاقم الأوضاع الإنسانية والاقتصادية التي وصلت إلى حدود كارثية غير مسبوقة.
سياسياً:مثّل انعقاد المفاوضات السياسية بين الحكومة اليمنية والانقلابيين في العاصمة الكويتية يوم 21 إبريل 2016 التطور الأبرز في المشهد السياسي اليمني الذي اتجه حينها إلى البحث عن صيغة توافقية للحل السياسي للأزمة اليمنية المتصاعدة من خلال طاولة المفاوضات، بعد ما يزيد على العام من الاقتتال والحروب الداخلية التي فجرها الانقلابيون، وحولت العديد من المحافظات اليمنية إلى خريطة مشتعلة بالعنف والنزيف والتداعيات الإنسانية الكارثية، قبيل أن تتعثر المساعي الهادفة إلى الدفع بالحل السياسي، بعد رفض وفد الانقلابيين مبادرة أممية للتسوية، وافق عليها الوفد الممثل للحكومة اليمنية الشرعية من طرف واحد.
واستهل العام 2016 بإقرار مجلس الأمن الدولي في 24 فبراير 2016 بالإجماع، مشروع قرار بريطاني يدعو إلى التنفيذ الكامل لعملية الانتقال السياسي في اليمن، وتمديد العقوبات المفروضة ضد مسلحي جماعة الحوثيين والقوات الموالية لصالح لمدة عام آخر.
كما تصدر المشهد السياسي اليمني في عام 2016 متغيرات محورية ولافتة، طرأت على مؤسسة الرئاسة والحكومة الشرعية، تمثلت بإصدار الرئيس عبدربه منصور هادي في 3 إبريل 2016 قرارين جمهوريين، قضى الأول بتعيين الفريق الركن علي محسن الأحمر نائباً لرئيس الجمهورية، وتضمن القرار الثاني تعيين أحمد عبيد بن دغر رئيساً لمجلس الوزراء، خلفاً لخالد بحاح الذي كان يجمع المنصبين معاً، كما أجرى الرئيس هادي في 19 سبتمبر 2016 تعديلاً وزارياً في حكومة ابن دغر شمل عدداً محدوداً من الوزارات.
في 28 إبريل 2016 أعلن الانقلابيون تشكيل ما سميّ «المجلس السياسي الأعلى» لإدارة البلاد، مناصفة بين جماعة الحوثي وحزب المؤتمر الشعبي العام (جناح صالح)، وهما حليفا الانقلاب والتمرد على الشرعية في اليمن، وهو الإجراء الذي لقي تنديداً واسعاً في الداخل اليمني، وإقليمياً ودولياً، وعدّته الأوساط السياسية والإعلامية كافة، معرقلاً لجهود السلام الأممية لحل الأزمة اليمنية.
كما مثل إعلان ما يسمى «المجلس السياسي الأعلى» في 2 أكتوبر 2016 تشكيلاً أُطلق عليه «حكومة إنقاذ» في العاصمة صنعاء وتكليف عبدالعزيز صالح بن حبتور (شخصية جنوبية) برئاستها نقطة تحول طارئة في المسار السياسي للأزمة اليمنية، لكونه أضفى المزيد من التعقيد على مساعي التوصل لتسوية سياسية، ودفع بخيار الحسم العسكري إلى واجهة الخيارات الاضطرارية أمام الحكومة الشرعية والتحالف العربي المساند لها لإنهاء الانقلاب بشكل قسري، فيما قوبل تشكيل الحكومة الانقلابية بإدانة من مختلف الأطراف الإقليمية والدولية.
أمنياً وعسكرياً: شهدت الأوضاع الأمنية والعسكرية تطورات متسارعة خلال عام 2016، تمثل أبرزها في تحقيق قوات الشرعية انتصارات نوعية في مختلف الجبهات والاقتراب أكثر من العاصمة صنعاء، وتحرير ما يقدر ب80 في المئة من الأراضي اليمنية من سيطرة الانقلابيين، بالتزامن مع نجاح مواز في الحد من تهديدات الجماعات المتطرفة بعدن والمحافظات الجنوبية المجاورة، جراء تنفيذ حملات أمنية وعسكرية متزامنة بدعم من دول التحالف، وعلى رأسها دولة الإمارات والسعودية.
التحسن الأمني في العاصمة المؤقتة عدن لم يمنع من نجاح الجماعات الإرهابية في تنفيذ اغتيالات وعمليات إرهابية، أبرزها الهجوم الإرهابي على بوابة معسكر الصولبان، في 18 ديسمبر، حيث قتل 48 جندياً وأصيب 84 آخرون بتفجير انتحاري أثناء انتظار صرف الرواتب، بعد أقل من عشرة أيام من هجوم العاشر من ديسمبر في المكان نفسه، حيث راح ضحيته 48 قتيلاً، وأصيب 31 من أفراد الجيش اليمني، فيما كانت عملية مماثلة استهدفت مجندين تجمعوا في إحدى المدارس بالمدينة يوم 29 أغسطس وكان الأكثر دموية، حيث أدى انفجار سيارة مفخخة استهدف مركزاً للتجنيد بحي السنافر بمدينة المنصورة محافظة عدن، إلى مقتل 70 مجنداً، وإصابة 120، وتبنى تنظيم «داعش» العملية لاحقاً في بيان.
ومن العمليات اللافتة الهجمات الثلاث المتزامنة يوم 25 مارس في مدينة عدن، حيث فجر إرهابيون ثلاث سيارات مفخخة استهدفت حواجز أمنية للمقاومة، ومعسكراً لقوات التحالف العربي، في منطقة «الحسوة»، ومديرية «البريقة» غربي عدن، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى، بينهم مدنيون.
كما نفذت عمليات إرهابية بسيارات مفخخة بمحافظات حضرموت وأبين ولحج، وكان تنظيم القاعدة، أو «داعش»، يعلنان مسؤوليتهما عن تلك العمليات في جنوب البلاد، خاصة، بينما تذهب الترجيحات إلى أن الانقلابيين، وتحديداً المخلوع صالح، هم من يقفون وراء تلك العمليات، بل إن مسؤولين في الحكومة الشرعية والسلطات المحلية تتهمهم مباشرة، كونهم الأطراف المستفيدة.
كما مثل تدشين الجيش الوطني بدعم من قوات التحالف العربي حملات عسكرية متزامنة تستهدف تحرير محافظة تعز وعاصمتها المحاصرة من قبل ميليشيات صالح والحوثي الانقلابية، وما تبقي من مناطق الساحل الغربي لليمن، التطور الأبرز في مسار تنفيذ خطة تحرير البلاد من الميليشيا الانقلابية، ووصل الأمر إلى إصدار الرئيس هادي قرارات جمهورية أجرى بموجبها تغييرات في قيادة المناطق العسكرية في البلاد، وأهمها التغيير في المنطقة العسكرية الرابعة ومقرها عدن، والأولى في سيؤون بحضرموت.
وفي السياق نفسه، تحققت انتصارات ميدانية جزئية في مديرية صرواح بمحافظة مأرب، ومحافظة الجوف، ومديرية نهم، شرق صنعاء، غير أن فتح قوات الشرعية والتحالف جبهة علب في محافظة صعدة وتحرير مواقع في المنطقة مثّل إنجازاً ميدانياً لافتاً، من شأنه أن يضيق الخناق على ميليشيا الحوثي في معقلها الرئيسي.
حفل شهر أكتوبر من عام 2016 بتطورات أمنية عززت من المخاوف الإقليمية والدولية بتحول الميليشيا الانقلابية إلى خطر يتهدد سلامة الملاحة البحرية في مضيق باب المندب بالبجر الأحمر، تنفيذاً لمخطط إيراني توسعي يهدف إلى التحكم في المضيق الاستراتيجي، وهو ما أبرزته بجلاء سابقة استهداف الحوثيين سفينة نقل مساعدات إنسانية إماراتية في الأول من أكتوبر، قبيل أن تقدم الميليشيا المتمردة مجدداً في يوم 11 أكتوبر باستهداف مدمرة عسكرية أمريكية في منطقة باب المندب بصاروخين، وتصعد من تهديداتها للملاحة البحرية الدولية ليتكرر ذات السيناريو بعد أيام قليلة بقصف مماثل لمدمرة أمريكية أخرى.
شهر أكتوبر 2016 شهد أيضاً حدثاً مأساوياً تمثل في مقتل وإصابة العشرات، بينهم شخصيات مناهضة للانقلاب في قصف استهدف القاعة الكبرى بصنعاء في 8 أكتوبر 2016، لتقدم قوات التحالف أنموذجاً للتعامل المهني والأخلاقي المسؤول، وتعلن بشفافية نتائج تحقيق أجرته للكشف عن ملابسات الحادث، الذي خلص إلى أن الحادث نجم عن غارة جوية بالخطأ نفذتها إحدى مقاتلات التحالف، مبدية التزامها بتعويض عائلات الضحايا والتكفل بنفقات علاج الجرحى والمصابين.
وأعلنت قيادة قوات التحالف في 25 إبريل 2016 انطلاق حملة عسكرية مشتركة ضد تنظيم «القاعدة» في اليمن، أسفرت في يومها الأول عن مقتل أكثر من 800 عنصر من التنظيم، بمن فيهم القادة، وفرار البعض منهم قبيل أن تستكمل قوات الجيش الوطني بدعم غير مسبوق من قوات التحالف، وعلى رأسها القوات المسلحة الإماراتية في 28 إبريل 2016 تحرير مدينة المكلا من مسلحي تنظيم القاعدة.
اقتصادياً وإنسانياً: تفاقمت حدة وتداعيات الأوضاع الإنسانية في اليمن خلال عام 2016، جراء استمرار الحرب التي أسفرت بحسب تقرير للجنة الوطنية لحقوق الإنسان اليمنية عن مقتل أكثر من 8 آلاف مدني، بينهم 508 أطفال و470 امرأة، وإصابة 19 ألفاً و882 منذ بدء عمليات الانقلاب على الشرعية في اليمن وحتى شهر مارس 2016م، لتشهد بقية أشهر العام ذاته تصاعداً غير مسبوق وكارثي لفداحة التداعيات الإنسانية.
وأكثر ما تتجلى الكارثة الإنسانية بين الأطفال، حيث قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف»، في آخر بيان لها، إن معدل سوء التغذية بين أطفال اليمن في أعلى مستوياته على الإطلاق، حيث يعاني نحو 2.2 مليون طفل سوء التغذية الحاد، ويحتاجون إلى العناية العاجلة.
وحسب المنظمة، فإن نحو 462 ألف طفل يمني يعاني سوء التغذية الحاد الوخيم، وهي زيادة كبيرة تصل إلى 200% مقارنة بعام 2014، كما يعاني 1.7 مليون طفل سوء التغذية الحاد المتوسط.
ووفقاً للمنظمة، فإن أعلى معدلات سوء التغذية الحاد تظهر بين أطفال محافظات الحديدة وصعدة وتعز وحجة ولحج، حيث تشكل هذه المحافظات أكبر عدد من حالات سوء التغذية الحاد الوخيم في اليمن.
وقالت المنظمة إن محافظة صعدة، (معقل جماعة الحوثيين، شمالي البلاد) تعاني أعلى معدلات التقزم بين الأطفال على مستوى العالم، إذ يعاني 8 أطفال من أصل 10 في المحافظة، من سوء التغذية المزمن، بنسبة لم يشهد لها العالم مثيلاً من قبل.
والقول الموجز، والأكثر إيلاماً ما ذكرته «اليونيسف»: «يموت في اليمن على الأقل طفل واحد كل عشر دقائق، بسبب أمراض يمكن الوقاية منها، مثل الإسهال وسوء التغذية والتهاب الجهاز التنفسي».
وكانت منظمة الصحة العالمية كشفت في منتصف نوفمبر 2016 عن انتشار وباء الكوليرا، في 11 محافظة يمنية، بعد أن كان محصوراً قبل ذلك في ست محافظات، حيث «تم تسجيل 4 آلاف و119 حالة اشتباه في المرض في 11 محافظة، معظمها في تعز وعدن، جنوبي البلاد».
وتزايد عدد الحالات المصابة بالمرض بشكل مهول، وفارقت عشرات من الحالات المشتبه في إصابتها بالمرض الحياة، رغم عدم تأكيد إصابتها، حيث فارق 47 شخصاً الحياة، جراء الإسهالات المائية الحادة، التي قد تكون بكتيريا الكوليرا أحد أسبابها.
وكانت العاصمة صنعاء، أولى المدن التي تم اكتشاف وباء الكوليرا فيها، أواخر سبتمبر 2016، قبل أن ينتقل إلى محافظات عدن، ولحج، وتعز، والحديدة، وحجة، والبيضاء.
ومقابل الحالة الإنسانية المتردية، استمرت المساعدات الإغاثية التي قدمها مركز الملك سلمان للإغاثة الإنسانية، وهيئة الهلال الأحمر الإماراتي، ومؤسسات خليجية أخرى للشعب اليمني، ما خفف جزئياً من حدة الكارثة الإنسانية في بعض المناطق وساعد مؤسسات الحكومة الشرعية في استعادة قدرتها على العمل، خاصة في العاصمة المؤقتة للبلاد «عدن».
وعلى الصعيد الاقتصادي مثل إصدار الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي في 19 سبتمبر 2016م مرسوماً بتعيين منصر القعيطي محافظاً للبنك المركزي، ونقل مقر البنك من صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن، التطور الأبرز في المشهد الاقتصادي اليمني الذي شهد انهياراً اقتصادياً للأوضاع المالية والاقتصادية في المحافظات التي يسيطر عليها الانقلابيون نتيجة عجز البنك المركزي اليمني بصنعاء عن دفع رواتب الموظفين، بسبب تبديد الحوثيين للاحتياطي النقدي، ونهبهم للسيولة النقدية التي كانت في خزائن البنك للإنفاق على ما يسمى ب«المجهود الحربي»، الأمر الذي صعّد من الاحتجاجات الشعبية التي ازدادت بحلول الأول من شهر نوفمبر 2016 لتشهد العاصمة والمدن الأخرى التي تخضع لسيطرة الميليشيا تصعيداً لمظاهر السخط والغضب الشعبي من خلال الإضرابات، وخروج مسيرات احتجاجية متعاقبة.
وانتهى العام بكارثة إنسانية راح ضحيتها عدد من أبناء محافظة أرخبيل سقطرى، بغرق السفينة (فرج الله 2) التي كانت تقل 60 راكباً، بينهم نساء وأطفال، فُقد ومات العديد منهم، وتعرضت لحادث غرق، مساء 6 ديسمبر، على بُعد 29 ميلاً بحرياً من غرب قلنسية في أرخبيل جزيرة سقطرى (شرقي البلاد)، وكانت السفينة في رحلة من مدينة المكلا بساحل حضرموت صوب سقطرى.
وشهدت العاصمة السياسية المؤقتة «عدن» في 22 سبتمبر 2016 حدثاً نوعياً ومحورياً، أثار ارتياحاً واسعاً في الأوساط الشعبية، وتمثل في عودة رئيس وأعضاء الحكومة لممارسة مهامهم انطلاقاً منها، وبشكل نهائي، قبيل أن تضطر الحكومة ولاعتبارات ذات طابع اضطراري إلى الانتقال إلى «المكلا» بحضرموت لتذبذب الأوضاع الأمنية في «عدن»، غير أن الحكومة عادت مجدداً إلى مدينة عدن، فيما تواجد عدد من الوزراء في محافظة مأرب، التي وصلها أيضاً نائب الرئيس اليمني علي محسن صالح.
كان إعلان «اتفاق كيري» في 14 نوفمبر 2016 وما تبعه من هدنة فاشلة يومي 17 و18 نوفمبر، واحداً من الأحداث المهمة التي عكست الضغوط على الحكومة الشرعية للذهاب قسراً إلى تفاوض جديد مع الانقلابيين، وهو الاتفاق الذي رفضته الحكومة الشرعية، وقالت إنها لم تكن طرفاً فيه، غير أن المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد ما زال يعمل على الاتفاق ذاته، وعرضه مجدداً على الرئيس اليمني في مدينة عدن، وتلقى حينها رداً رافضاً لبنوده لأنه يخالف مرجعيات حل الأزمة.
المصدر:وكالات