فتحت صحيفة ألمانية ملف الغزو العراقي للكويت مجددا، وذلك قبيل الذكرى السنوية للغزو الذي يصادف الثاني من أغسطس. فهل لعبت واشنطن دورا ما في هذا الغزو؟ وما الذي كشفت عنه وثائق ويكيليكس بهذا الخصوص؟
نشرت صحيفة دي فيلت الألمانية تقريرا، سلطت فيه الضوء مجددا على دور الولايات المتحدة الغامض في حرب الخليج الأولى، لتعيد طرح السؤال الذي طالما تردد عن دور واشنطن في تلك الحرب، وعما إذا كانت السفيرة الأمريكية في العراق وقتذاك أبريل غلاسبي قد أعطت “الضوء الأخضر” فعلا للرئيس العراقي الأسبق صدام حسين لغزو الكويت أثناء لقائها به قبيل اجتياح الجيش العراقي للكويت بأيام معدودة، أم أن كلام السفيرة قد فهم من قبل القيادة العراقية بشكل مختلف عما قصدته غلاسبي؟
مجلة فورين بوليسي الأمريكية تناولت المقابلة المشهورة بين الرئيس العراقي صدام حسين والسفيرة الأمريكية أبريل غالاسبي، مشيرة إلى أن السفيرة أوضحت للرئيس العراقي بأنها لا تملك رأيا في خلاف العراق الحدودي الكويت، وهو ما جعل البعض ينحون باللائمة على كلام السفيرة الأمريكية في حدوث هذا الغزو. بيد أن المجلة الأمريكية قالت إن وزارة الخارجية الأمريكية كانت قد أرسلت أيضا تأكيدات في وقت سابق لصدام، أن واشنطن ليس لديها التزامات دفاعية أو أمنية خاصة تجاه دولة الكويت. وهو ما ينفي اقتصار الأمر على اللقاء بين السفيرة الأمريكية والرئيس العراقي في ذلك الوقت.
بعد أن اجتاح الجيش العراقي دولة الكويت، والحشد الدولي المضاد بقيادة واشنطن لتحرير الدول الخليجية الصغيرة، مثلت غلاسبي أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ في واشنطن في مارس 1991. مجلس الشيوخ كان يريد فحص عما إذا كانت غلاسبي قد تسببت بنقل إشارة خاطئة للحكومة العراقية، الأمر الذي شجعها على غزو جارتها الكويت.
غلاسبي أصرت وفقا لبروتكول الجلسة الذي تناقلته وسائل الإعلام وقتها أنها حذرت الرئيس العراقي مرارا من مغبة هجومه على الكويت، ولكن بلهجة دبلوماسية، وهو ما وضحه أيضا جيمس أكينز، سفير الولايات المتحدة الأسبق لدى المملكة العربية السعودية، الذي علق على هذا الامر، أنه في اللغة الدبلوماسية لا يتسنى لك توجيه التحذير، كما يعتقد البعض، بشكل مباشر، كأن تقول: “سيدي الرئيس إن فكرت حقا في دخول الكويت، فسوف نواجهك بقمة الغضب، وسيدمر بلدك، وستهدم قصورك”. وتابع “فلا أنا ولا أي دبلوماسي آخر كان سيقول هذه الكلمات”، بحسب ما نقلت صحيفة دي فيلت.
في منتصف سبتمبر 1990، وأثناء تحضير الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب للائتلاف الدولي من اجل تحرير الكويت، مررت دوائر حكومية عراقية بروتوكول المحادثة بين صدام والسفيرة الأمريكية إلى مراسل شبكةABC-News ، كما نشرت صحيفة نيويورك تايمز في 23 سبتمبر 1990 ما قالت إنه نص المحادثة، مشيرة إلى المصدر المشكوك فيه، لكن وزارة الخارجية الأمريكية رفضت التعليق عليه.
وطبقا للنسخة العربية الأصلية والتي تم تمريرها التي نشرتها الصحيفة الامريكية فإن السفيرة الأمريكية غلاسبي قالت لصدام حسين: “لا نملك أي رأي حول الصراعات العربية/ العربية، مثل خلافاتك الحدودية مع الكويت”. وتتابع السفيرة “كنت في السفارة الأمريكية في الكويت في أواخر الستينيات، كانت التعليمات خلال هذه الفترة هي أنه ينبغي لنا ألا نعرب عن رأي بشأن هذه المسألة”.
وفي النسخة الإنجليزية من البروتوكول التي نشرته مؤسسة مارجريت تاتشر في وقت لاحق، قالت أيضًا: ليس لدينا أي رأي حول الصراعات العربية/ العربية مثل نزاعك مع الكويت”، “وجهني الوزير بيكر إلى التأكيد على التعليمات التي أعطيت لأول مرة للعراق في الستينيات من القرن الماضي بأن قضية الكويت ليست مرتبطة بأمريكا”.
في النسخة العراقية فإن غلاسبي قالت: “نرى أنكم نشرتم قوات ضخمة في الجنوب، عادة هذا أمر لا يخصنا، ولكن بربطه بتهديداتكم السابقة التي ذكرتموها أثناء الأعياد الوطنية، فمن المنطقي أن نشعر بالقلق، لهذا السبب تلقيت تعليمات بأن أسألك عن نواياك بروح الصداقة – وليس بروح المواجهة “.
أما النسخة الإنجليزية فإن غلاسبي تقول “نرى أنكم تركزون عددًا كبيرًا من القوات في الجنوب. هذا ليس من شأننا عادة، ولكن عندما يتعلق الأمر بالتهديدات ضد الكويت، فمن المنطقي أن نشعر بالقلق. لهذا السبب، تلقيت تعليمات بأن أسألك عن نواياك بروح من الصداقة، وليس المواجهة: لماذا قواتك قريبة جدًا من حدود الكويت؟
أي أن النسخة العربية أغفلت سؤال الولايات المتحدة الدقيق حول سبب حشد القوات العراقية قرب الحدود الكويتية، بحسب الصحيفة الألمانية دي فيلت.
مجلة فورين بوليسي كانت قد تناولت هذه الاختلافات أيضا في الصياغة، وذكرت أن صدام قاطع السفيرة الأمريكية مرارا، وأخبرها بقائمة من المظالم لتوصلها للرئيس الأمريكي، كما أنه اتهم الولايات المتحدة بأن لها نوايا خبيثة ضد بلده، وهو ما يوضح ـ في رأي المجلة ـ أن الرئيس العراقي كان لديه الوقت الكافي من أجل فهم النوايا الأمريكية، وليس صحيحا أن جملة واحدة فقط هي السبب في عدم فهم صدام لكلام السفيرة أو تفسيره بشكل خاطئ، تستخلص المجلة.
من جهتها تذكر مجلة شبيغل الألمانية كيف أن السفيرة المخضرمة غالاسبي والتي تجيد العربية، أرسلت بشكل سري رسالة مفصلة للإدارة الأمريكية، بعنوان” صداقة صدام للرئيس بوش”، حيث تناولت الرسالة الطويلة تفاصيل ما دار في هذا الاجتماع، وكيف كان رد صدام عليها، وبينت في الرسالة التي كشف عنها لاحقا كيف أن صدام ومن معه تناولوا بشكل مؤثر الوضع الاقتصادي الدقيق الذي يمر به العراق بعد ثمانية أعوام من الحرب الدامية مع إيران. وتقول غالاسبي إن المترجم الموجود ومن معه بكوا أثناء عرض الوضع الاقتصادي أمامها من شدة التأثر، بحسب ما نشرته شبيغل.
في يناير 2011 نشرت منصة ويكيليكس المثيرة للجدل النص الأصلي لرسالة السفيرة الأمريكية السرية التي أرسلتها إلى واشنطن، حيث بينت الرسالة التي تحتوي على 32 فقرة كيف أن غلاسبي لم تعط الضوء الأخضر للغزو العراقي للكويت، بحسب ما أوردت صحيفة دي فيلت. وتابعت الصحيفة أنه وبعد ظهور هذه الوثيقة إلى العلن علق الخبير في شؤون الشرق الأوسط خوان كول “أن هذه الوثائق تظهر بشكل لا لبس فيه أن منتقدي غلاسبي مدينون لها بالاعتذار”.
المصدر: وكالات