استنكرت الصحف الإماراتية الجريمة الإرهابية التي ضربت كنيستين في طنطا والإسكندرية أمس وراح ضحيتها عدد من القتلى والجرحى، وجاءت افتتاحية عدد من الصحف اليوم الإثنين تضامنًا مع مصر ضد تلك الأحداث الإرهابية.
صحيفة البيان قالت في افتتاحيتها التي جاءت تحت عنوان “مصر مستهدفة”: تمتد يد الإرهاب مجدداً إلى الأبرياء في مصر، في عيد ديني، عند الإخوة المسيحيين، إرهاب أعمى، بات يتنقل من مكان إلى آخر، في سياقات دوره الوظيفي الإجرامي في تخريب الدول، وتدمير حياة الشعوب.
آخر الجرائم، قتل عشرات الأشخاص، أمس الأحد، في انفجار عبوة ناسفة بالقرب من كنيسة في مدينة طنطا شمال القاهرة، أثناء استعداد الإخوة المسيحيين لإحياء أحد الشعانين، الذي يبدأ معه الأسبوع الأخير الذي يسبق عيد الفصح، وأدت الجريمة إلى قتل وجرح العشرات، وترويع الأبرياء، وإفساد العيد، والهدف، إشعال فتنة طائفية في مصر.
هذه الجرائم التي يختطف أصحابها الإسلام المعتدل والسمح، الذي يحترم حق الحياة، ويقدس الروح البشرية، جرائم لا بد أن تتوقف اليوم، فقد وصل الإجرام بهؤلاء، الاعتداء على آمنين في عيدهم، والتغطي بتبريرات اخترعها فقهاء الإجرام في هذه التنظيمات.
إن إدانة الإمارات لهذه الجريمة البشعة، عبر برقيات التعزية، تعبر عن موقف إماراتي جذري إلى جانب مصر وضد الإرهاب الذي وصلت جرائمه إلى الأبرياء في كل مكان، وهو إرهاب مدان بلا أدنى شك.
لقد آن الأوان أن يصحو العرب والمسلمون أولاً، للوقوف في وجه الجماعات الإرهابية، فلا مجاملة ولا صبر أمام كل من يحاول مس أمن الأبرياء في أي بلد، وقد رأينا أنه ما من مكان تسللت إليه هذه الجماعات، إلا وحل فيه الخراب، مما يعني أن علينا جميعاً، ألا نتهاون أمام أي محاولة لمس الاستقرار والأمن.
بينما قالت صحيفة “الخليج” في افتتاحيتها التي جاءت تحت عنوان “مصر العصية”: من جديد، فعلها الإرهاب وضرب هذه المرة قلب مصر. كنيستين للأقباط المسيحيين في طنطا والأسكندرية كانتا هدفاً حيث سقط عشرات الضحايا بين قتلى وجرحى.
الهدف ليس عشوائياً، بل مقصود لضرب عرى الوحدة الوطنية وإثارة صراع طائفي، كما هو هدف الإرهاب في كل المنطقة العربية.
مصر العصية على التركيع والترهيب لن تستسلم للأفاكين ولبغاة العصر وشياطين الفتنة، مصر الأزهر الشريف والكنيسة القبطية، مصر أحمد عرابي وسعد زغلول ومكرم عبيد وجمال عبد الناصر، لم تعرف في تاريخها إلا المصري الأصيل، ابن النيل العاشق لبلده لا فرق في ذلك بين مسيحي ومسلم.
لقد ظل الهلال يعانق الصليب في أروع تجلياته عبر تاريخ مصر العظيم. وفي ذاكرة الشعب المصري ثورة 1919 عندما خرج الشعب، كل الشعب، على قلب رجل واحد في مواجهة الاحتلال الغاشم إلى الشوارع والميادين منادياً بأعلى صوته ومعلناً للجميع «عاش الهلال مع الصليب».
مصر عبر العصور كانت أنموذجاً للتعايش بين جميع أبنائها، لم تفرق بين شخص وآخر على أساس الدين أو الطائفة أو المذهب أو العقيدة، مصر لا تزال تحفظ وصية الرسول العربي بأقباط مصر: «الله الله في قبط مصر، فإنكم ستظهرون عليهم، ويكونون لكم عدة وعوناً في سبيل الله». ومصر لا تزال تتذكر عمرو بن العاص عندما دخلها وأعاد للأقباط بطركيتهم ورد إليهم الكنائس من الحكم الروماني لينعموا بحرية العيش والعبادة.
ولعل ما قام به الخليفة عمر بن الخطاب عندما دخل القدس، هو أبلغ رد على الجماعات الإرهابية التي تستبيح المقدسات المسيحية كما الإسلامية باسم الدين. نتذكر «العهدة العمرية» لأهل القدس التي أكدت على حريتهم الدينية وحرمة كنائسهم وأموالهم.
في كل مرة كانت تتعرض مصر لمثل هذا الحقد الأسود كانت تخرج أكثر قوة وأشد صلابة. ما خافت ولا وهنت ولا استسلمت، بل كانت الوحدة الوطنية تتجدد؛ لأن المواطن المصري، خصوصاً القبطي، يدرك تماماً مرامي هذا الإجرام الأسود، فكان الرد على الدوام المزيد من هذه الوحدة الوطنية.
إن دولة الإمارات التي دانت هذا العمل الإرهابي على ثقة بقدرة مصر على «التمسك بوحدتها الوطنية وتلاحم شعبها ودحر الإرهاب البغيض بالوسائل كافة»، كما أكد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، في برقية تعزية إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
جرت محاولات كثيرة لضرب هذه العروة الوثقى التي تجمع المصريين، ففي زمن مضى بعث قيصر روسيا رسالة إلى بطريرك الأقباط يسأل فيها عن إمكانية أن تقوم روسيا بحماية الأقباط، فما كان من البطريرك إلا أن سأل مبعوث القيصر، هل قيصركم يموت أم لا؟ فرد عليه «نعم يموت»، فقال له البطريرك «قل للقيصر إن الأقباط في عناية من لا يموت، ولا يغفل ولا ينام».
لم تنقطع محاولات الوقيعة بين المسلمين والأقباط، وتواصل الأمر مع الاحتلال البريطاني، وقد يئس اللورد كرومر من فشل محاولاته فقال قولته الشهيرة «لم أجد فارقاً بين الاثنين سوى أن الأول يصلي في كنيسة والآخر يصلي في مسجد».
هذه هي مصر التي سيتحطم الإرهاب على صخرة صمودها ووحدتها الوطنية. فمصر لكل أبنائها ولا مكان فيها لحثالة البشر مصاصي الدماء.
المصدر: وكالات