” 92 يوما ” فاصلة وصعبة فى حياة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون السياسية ، الذي يخوض سباق الأمتار الأخيرة في ماراثون البريكست وسط المزيد من التحديات التي حولته من مشكلة اقتصادية لقضية سياسية تهدد بجمود سياسي يحوم حول دولة لم تعرف من قبل هذا الوضع المتشابك ٠
فمنذ توليه رئاسة الوزراء أواخر شهر يوليو الماضي وحتى اليوم ، شهد مشواره السياسي صعوبات وتحديات بالغة حالت دون إطلاق صافرة النهاية في موعدها المقرر في”الحادي والثلاثين ” من شهر أكتوبر الحالي ، كما كان يأمل جونسون ويخطط ٠
لم ينته بعد “كابوس البريكست ” الواقع حاليا ملفه بين قرار الاتحاد الأوروبي بتمديد خروج بريطانيا من التكتل الأوروبي إلى 31 يناير القادم ، وتأييد مجلس العموم البريطاني اقتراح جونسون بإجراء انتخابات تشريعية مبكرة فى 12 ديسمبر المقبل لإخراج البلاد من المأزق السياسي الذي تسببه عملية خروج بريطانيا من الاتحاد٠
بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على تصويت المملكة المتحدة لصالح الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، استقالة اثنين من رؤساء الوزراء ، مازالت بريطانيا تصارع لوضع الشروط التي سينسحب على أساسها ثاني أكبر اقتصاد في الاتحاد من التكتل الذي انضم إليه في عام 1973 إبرام اتفاق سريع لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ، المهمة الثقيلة التي تحمل مسؤوليتها طوعيا جونسون ويعمل على تنفيذها ، فمع توليه رئاسة الوزراء أكد عزمه على إخراج بلاده من الاتحاد الأوروبي ، في الموعد المحدد لذلك ولو بدون اتفاق ، مع تكراره القول بإمكانية التوصل إلى اتفاق مع بروكسل .
وراهن جونسون على استراتيجية تقوم على “غموض بنّاء” خاصة بشأن فاتورة الطلاق البالغة 39 مليار جنيه استرليني والتي يتوجب على لندن دفعها للاتحاد الأوروبي في إطار بريكسيت ، كما راهن على إمكانية استخدام هذا المبلغ كوسيلة ضغط للحصول من بروكسل على اتفاق “وضع قائم” يتيح تحديد القواعد التجارية القائمة حتى التوقيع على اتفاق جديد ، ولتجنب عودة الحدود مع إيرلندا خلال هذه الفترة الانتقالية ٠
وتطرق جونسون إلى إمكانية اللجوء إلى بعض الحلول التكنولوجية ، مؤكدا أنه بالإمكان تسوية كل شيء قبل موعد الانتخابات التشريعية المقبلة في المملكة المتحدة في مايو 2022 ، واستراتيجيته فى ذلك تضمنت ثلاث خطط ، الأولى منها تمثلت فى رغبته فى التوصل إلى اتفاق جديد مع الاتحاد الأوروبي ، يحل مكان الاتفاق الذي توصلت إليه تيريزا ماي رئيسة الوزراء السابقة ، ورفضه مجلس العموم البريطاني ثلاث مرات ، وهو اتفاق استغرق التوصل إليه 17 شهر من المحادثات الشاقة وترجم بنص من 585 صفحة ، الأمر الذى يشكك الاتحاد فيه ، خاصة مع رؤية جونسون بوجوب تخلى الاتحاد عن بند “شبكة الأمان” الذي وصفه بـ”غير الديمقراطي” ، الخاص بترتيب الحدود الأيرلندية ..
وأمام تحديات الوقت أقر جونسون بنفسه بأن هذا الأمر صعب المنال إن لم يكن مستحيلا، خاصة مع الإجازات البرلمانية الصيفية، والوقت اللازم لتشكيل فرق تفاوض جديدة بهذا الشأن سواء أكان في لندن أو في بروكسل ، حيث كانت الأسابيع القليلة المتبقية حينئذ غير كافيه للتوصل إلى اتفاق جديد، وذلك مقابل تأكيد الاتحاد عدم استعداده لإدخال تغييرات على ما هو وارد في الاتفاق بشأن العلاقة المستقبلية بين الطرفين.
الاحتمال الثاني الذي وضعه جونسون وأخفق فيه أيضا ، هو التمكن من انتزاع موافقة مجلس العموم البريطاني على “أفضل الفقرات” الواردة في الاتفاق الذي توصلت إليه تيريزا ماي مع بروكسل ، وهذا يعني موافقة النواب البريطانيين على نقاط غير خلافية كثيرة مثل حقوق المواطنين الأوروبيين ومسائل أمنية والتعاون الدبلوماسي ، أما أبرز ما لن يدخل في إطار هذه الموافقات فهو “شبكة الأمان” القاضية بتجنب عودة الحدود الفعلية بين جمهورية ايرلندا ومقاطعة ايرلندا الشمالية البريطانية.
وبقى الاحتمال الثالث والأخير الذي وضعه جونسون ، والمتمثل فى موافقة الاتحاد الأوروبي على تنازلات إضافية للمملكة المتحدة ، وهو احتمال مشكوك في تحقيقه ، حيث سيكون على بروكسل تجنب منح تنازلات كبيرة يمكن أن تؤدي الى نشوء سابقة يستفيد منها لاحقا المشككون بالتجربة الوحدوية للاتحاد الأوروبي ، وهذا هو السبب الذي يعطي خطر حصول البريكست من دون اتفاق معناه الكامل.
ويبدو أن هذا الاحتمال ستكون له تداعيات أكثر خطورة على المملكة المتحدة من التداعيات التي قد تنعكس على الاتحاد الأوروبي الذي يتمتع باقتصاد أكثر قوة وتنوعا ، وهذا الحل يمكن أن يعرض للخطر اتفاق السلام في أيرلندا الشمالية الذي أنهى عقودا من العنف، إلى جانب أنه سيعتبر فشلا دبلوماسيا ضخما للمملكة المتحدة.
تصريحات جونسون العديدة تثير الكثير من الشكوك حول إمكانية نجاح إدارته لأزمة بريكست ، فقد اعتبر أن مغادرة الاتحاد الأوروبي دون اتفاق لن يؤدى إلى فرض رسوم جمركية جديدة على الفور، لكن هذا الأمر لن يستمر إلا في حال التوصل إلى اتفاق بالتراضي بين لندن وبروكسل الأمر الذي أقر به جونسون متأخرا ٠
المصدر :وكالات