تُوصف عملية الهدم الواسعة لمنازل الفلسطينيين والتي بدأتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي في قرية “صور باهر” الواقعة في ضواحي القدس الشرقية المحتلة بأنها واحدة من أكبر حملات الهدم والتهجير التي ينفذها الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967. وتشمل هذه الحملة، التي بدأتها سلطات الاحتلال قبل يومين، هدم 11 بناية تضم نحو 70 شقة سكنية يسكنها نحو 300 فلسطيني.
تأتي الحملة الأخيرة وما سبقها من حملات إسرائيلية لهدم منازل المواطنين الفلسطينيين ـ سواء في القدس أو في باقي مناطق الضفة الغربية المحتلة ، في إطار مخطط إسرائيلي لابتلاع ما تبقى من الأراضي الفلسطينية عبر بناء مزيد من المستوطنات على تلك الأراضي وتهويدها، في انتهاك صارخ للمواثيق والقرارات الدولية ذات الصلة بالصراع العربي الإسرائيلي، وبما يجهض أي تسوية محتملة للقضية الفلسطينية.
ويخشى الفلسطينيون من أن تكون عملية هدم منازل بقرية “صور باهر” جزءا من حملة أوسع لهدم المزيد من منازل الفلسطينيين في منطقة وادي الحمص، وهي جزء من الضفة الغربية ويفترض أنها تحت حكم السلطة الفلسطينية، الإ أنها تقع على الجانب الإسرائيلي من الجدار العازل الذي أقامته سلطات الاحتلال في الضفة الغربية وحولها، في أعقاب الانتفاضة الفلسطينية الثانية، عام 2000، وهو الجدار الذي اعتبره الفلسطينيون طريقة للاستيلاء على أراضيهم.
ويقول “خليل التفكجي” مدير دائرة الخرائط في بيت الشرق إن وادى الحمص عبارة عن أراض تقع في الضفة الغربية، تم ضمها عام 2002 إلى داخل حدود بلدية القدس عندما قام الإحتلال الإسرائيلي ببناء الجدار العازل، وبالتالي هي تخضع لإدارة الحكم العسكري الإسرائيلي.
وتزعم سلطات الاحتلال الإسرائيلي أن تلك المباني التي يتم هدمها أنشئت بطريقة غير قانونية، وإنها تمثل خطرا أمنيا، لأنها تقع على بعد 400 متر فقط من الجدار الأمني العازل، لكن خليل التفكجي يؤكد أن حكومة الإحتلال تستخدم الذرائع الأمنية ومن خلال التشريعات والقوانين الإسرائيلية بهدف التخلص من السكان الفلسطينيين.
وعلى صعيد رد الفعل الفلسطيني.. وصف المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، ما تقوم به سلطات الاحتلال الاسرائيلي من هدم لمنازل الفلسطينيين في ضواحي القدس بأنه سياسة تطهير عرقي وجريمة جديدة بحق الشعب الفلسطيني.
وقال وليد عساف مسؤول ملف الاستيطان في السلطة الفلسطينية إن عمليات الهدم الإسرائيلية الأخيرة في قرية ” صور باهر”، تأتي في سياق سياسة إسرائيلية شاملة تستهدف الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية ومدينة القدس بشكل خاص، والعمل على إبقاء مناطق واسعة من الضفة فارغة من سكانها لضمها إلى إسرائيل لاحقا.
وقد أدانت مصر، بأشد العبارات، هدم إسرائيل عشرات المنازل لفلسطينيين بالقدس الشرقية المحتلة، مؤكدة أن هذه الخطوة تعرقل جهود تحقيق السلام. وأعربت وزارة الخارجية المصرية، في بيان، عن رفضها لأية أعمال من شأنها تغيير الوضع القائم في القدس بما يتنافى مع مقررات الشرعية الدولية ذات الصلة، وغيرها من الاتفاقات الدولية والإنسانية.
أما عربيا .. أدانت الجامعة العربية هدم إسرائيل عشرات المنازل لفلسطينيين بالقدس الشرقية ووصفت ذلك بأنه “جريمة حرب”. وقال سعيد أبوعلي، الأمين العام المساعد للجامعة العربية إن هذه الجريمة تأتي في سياق استمرار العدوان السافر والممنهج الذي يستهدف وجود وحقوق الشعب الفلسطيني، مضيفا أن ما يجري في القدس المحتلة وضواحيها هو “جريمة حرب وتطهير عرقي وجريمة تهجير قسري رسمي ومعلن هي الأخطر في سلسلة هذه الجرائم المتواصلة منذ عقود”.
وعلى الصعيد الدولي.. عقد مجلس الأمن الدولي أول أمس جلسة مفتوحة لمناقشة سياسة هدم المنازل الفلسطينية التي تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي جنوبي القدس، فيما دعا الاتحاد الأوروبي السلطات الإسرائيلية إلى وقف هذه السياسة المخالفة للقوانين والقرارات الدولية.
ومن جانبه، حذر المقرر الأممي المعني بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية مايكل لينك من أن عدم محاسبة إسرائيل يشجعها على ضم المزيد من الأراضي الفلسطينية المحتلة. وقال إن السياسة الاسرائيلية المتعلقة بهدم المنازل وتهجير وطرد السكان الفلسطينيين، تقوض إمكانية تحقيق حل الدولتين والسلام الدائم.
ووفقا لمركز أبحاث الأراضي الفلسطيني.. قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بهدم 99 مسكنا للفلسطينيين في الفترة من عام 2000 وحتى عام 2017، وهي جزء من نحو 1800 منزل هدمها الاحتلال في القدس المحتلة خلال الفترة ذاتها.
وتوضح أرقام وإحصاءات المركز أن الاحتلال الإسرائيلي دمر منذ نكبة فلسطين عام 1948 أكثر من 500 قرية فلسطينية، وقدر عدد المنازل التي هدمها منذ ذلك الحين بنحو 170 ألف مسكن. في حين هجر نحو مليون فلسطيني أصبحوا الآن سبعة ملايين موزعين في أنحاء العالم.
وقد بلغ عدد المساكن الفلسطينية التي هدمتها سلطات الاحتلال العام الماضي وحده (2018) قرابة 450 مسكنا، فيما تم تسليم إخطارات بالهدم لنحو 580 مسكنا فلسطينيا آخر.
أما وحدة التوثيق في “هيئة مقاومة الجدار والاستيطان” التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية، فقد قدرت عدد المنازل الفلسطينية التي هدمتها سلطات الاحتلال في القدس والضفة الغربية، خلال السنوات العشر الأخيرة، بنحو 6114 منزلا فلسطينيا في الضفة الغربية، منها 1841 منزلا في مدينة القدس وحدها، السبب في معظم الأحيان هو “البناء بدون ترخيص”. ولا يشمل هذا الرقم نحو 19 ألف منزل دمرها الاحتلال الإسرائيلي خلال حروبه الثلاث الأخيرة على قطاع غزة.
كما هدمت سلطات الاحتلال في العقد الأخير 1141 منشأة في منطقة الأغوار التي يعتبرها الفلسطينيون امتدادا حيويا لمشروع الدولة الفلسطينية على الأراضي المحتلة، حيث تسعى إسرائيل لتحويل منطقة الأغوار إلى منطقة عازلة بين سكان الضفة وبين امتدادهم العربي في الأردن وخارجها.
وبينما تتواصل سياسة هدم المنازل الفلسطينية لأسباب مختلفة، فإن سلطات الاحتلال تضع القيود والعقبات التي تحول دون أي امتداد عمراني فلسطيني سواء عن طريق مصادرة الأراضي أو بناء المزيد من المستوطنات، حيث لم تسمح للفلسطينيين سوى بالبناء والعيش على 13 % فقط من مساحة شرقي القدس المحتلة.
وقد ترافقت عمليات الهدم التي تقوم بها سلطات الاحتلال، مع سياسات ترحيل للفلسطينيين بعد حرمانهم من السكن، أو بسبب سحب هوياتهم مثلما حدث ويحدث مع فلسطيني القدس لأسباب أمنية وسياسية. فحسب إحصاءات دائرة شؤون المفاوضات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، صادرت السلطات الإسرائيلية أكثر من 14 ألف بطاقة هوية منذ 1967 من سكان القدس الذين يتمتعون بحق الإقامة الدائمة في المدينة المحتلة، مما ألحق ضررا مباشرا بأكثر من خمس العائلات المقدسية.
وفي مقابل حملات الهدم والإزالة والمصادرة المستمرة لمنازل وممتلكات الفلسطينيين، يتواصل مخطط التوسع الاستيطاني الإسرائيلي بلا هوادة، سواء ببناء مزيد من المستوطنات اليهودية، أو من خلال التوسع في المستوطنات القائمة، والتي تم بناؤها على الأراضي الفلسطينية المحتلة في القدس ومناطق الضفة الغربية. فقد تضاعف عدد المستوطنين في الضفة أربع مرات منذ توقيع اتفاق أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993.ووفقا لمركز أبحاث الأراضي الفلسطيني، تضاعف عدد المستوطنات على الأراضي المحتلة عام 1967 من 144 مستوطنة قبل اتفاق أوسلو إلى 515 مستوطنة وبؤرة استيطانية عام 2018.كما تضاعف عدد المستوطنين في أراضي 1967 بأكثر من ثلاث مرات وارتفع من 252 ألف مستوطن قبل أوسلو إلى حوالي 834 ألف مستوطن عام 2018.
المصدر: أ ش أ