في وسط بيروت، وبعد أيام من انفجار المرفأ المروع، علق متظاهرون غاضبون من إهمال الطبقة السياسية وفسادها المشانق لمجسمات الزعماء، ولم يُستثن الأمين العام لميليشيا حزب الله حسن نصرالله، في مشهد لطالما اعتُبر من “المحرمات”.
وفي 18 أغسطس الجاري، حمل حكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان اتهاماً سياسياً إلى ميليشيا حزب الله في قضية اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، فاتسعت دائرة الغضب الشعبي ضده، ورغم ذلك، يستبعد خبراء وناشطون إضعاف القوة السياسية والعسكرية الأكبر في لبنان.
وفي 2006، بثت قناة تلفزيونية برنامجاً ساخراً انتقد نصرالله، فاشتعلت مناطق لبنانية عدة بغضب مناصريه الذين نزلوا إلى الشارع، وأحرقوا الإطارات، وقطعوا الطرق رافضين التعرض لـ”سيد المقاومة”.
وفي صيف العام ذاته، ثبّت حزب الله الهالة التي أحاط نفسه بها “قائداً للمقاومة” ضد إسرائيل بين كل العرب، عقب حرب يوليو ضد إسرائيل، الحرب التي دمّرت لبنان، لكن لم تنجح خلالها الدولة العبرية في تحقيق هدفها المعلن، وهو القضاء على الحزب.
ومنذ ذلك الحين، واصل حزب الله الذي يملك ترسانة عسكرية أكبر من الجيش، ترسيخ نفوذه على الساحة اللبنانية، وإن خسر شعبية على الطريق بسبب انغماسه في السياسة المحليّة الضيقة، وبشكل أكبر بعد انخراطه في النزاع السوري دعماً لنظام الرئيس بشار الأسد اعتباراً منذ 2011.
ويقول فارس الحلبي، الناشط الذي ساهم منذ أكتوبر الماضي في تنظيم تظاهرات ضد الطبقة الحاكمة في لبنان: “في البداية، كان ثمة اتفاق ضمني بين الثوار على تحييد موضوع حزب الله وسلاحه الذي لطالما شكل عنواناً خلافياً في البلد، فأراد المحتجون تقديم مشهد عن الوحدة الوطنية والتركيز على ما يجمعهم، أي المطالبة بحلول للوضع الاقتصادي والمعيشي المزري ومحاسبة المسؤولين الفاسدين”.
وأضاف أن “المشهد بدأ يتغير عندما تبين أن الحزب كان أول جهة انقضت على الناس الذين كانوا يهتفون في الساحات #كلن_يعني كلن، وساهم ذلك في كسر صورة حزب الله الذي طالته الشتائم ولم تعد هناك من محرّمات”.
وشهدت ساحتا رياض الصلح والشهداء أين يتجمع المتظاهرون في وسط العاصمة، مراراً توتراً ومواجهات بعد مهاجمة شبان موالين لحزب الله المتظاهرين وضربهم تدمير خيام اعتصامهم.
وكان حزب الله من أشد الممانعين لسقوط الحكومة آنذاك، لكنها استقالت تحت ضغط الاحتجاجات، وشُكِّلت حكومة جديدة بمباركته برئاسة حسان دياب لم تصمد إلا بضعة أشهر، فسقطت أيضاً تحت ضغط الشارع بعد انفجار بيروت المروع، الذي قتل 181 شخصاً وجرح أكثر من 6500 ودمّر مساحات واسعة من العاصمة.
وفيما تنشط الاتصالات حالياً، وقد دخلت على خطها ضغوط دولية، لتشكيل حكومة جديدة، يستبعد محللون تغييراً جذرياً في المشهد السياسي.
ويرى الناشط السياسي ناجي أبو خليل أن “صورة حزب الله الطرف في الحكومة شأنه شأن بقية الأطراف، تهيمن الآن على صورة حزب المقاومة”، ويقول الحلبي: “حزب الله هو الحاكم الفعلي وكل شيء يحصل تحت نظره، والحاكم الفعلي هو دائماً من يتحمل المسؤولية عن أي نتائج سلبية تحدث”.
وشكلت إدانة المحكمة الدولية الثلاثاء الماضي لواحد من المتهمين الأربعة الأعضاء في حزب الله باغتيال الحريري في 2005، نكسة جديدة للحزب، رغم البرودة التي قابلت بها غالبية اللبنانيين الغارقين في همومهم ومشاكلهم الاقتصادية، الحكم.
ولم تستبعد المحكمة أن تكون لحزب الله وحليفته سوريا دوافع ربما لاغتيال الحريري، وإن لم تتوفر لها أدلة على دور لقيادة الحزب وعلى ضلوع سوريا في الأمر.
وعلى موقع تويتر، ورغم خيبة أمل عبر عنها بعض خصوم حزب الله الذين كانوا يتوقعون حكما أقوى، انتشر هاشتاغ “حزباللهارهابي”، في موازاة استمرار تداول تقارير عن استقدام الحزب كمية الأمونيوم الهائلة التي تسببت بانفجار المرفأ.
ولم يعلّق حزب الله حتى الآن على الحكم، وهو الذي أعلن مسبقاً أنه سيعتبر القرار و”كأنه لم يصدر”، ويشكل حزب الله مع حلفائه، وأبرزهم تيار رئيس الجمهورية ميشال عون وحركة أمل برئاسة رئيس البرلمان نبيه بري، أكثرية نيابية.
وتفيد تقارير بأنه يتحكم فيالمعابر والمرافق من خلال مسؤولين داخل الإدارة، أو من خلال وجود مباشر يبقى بعيداً عن الأضواء، ويستبعد محللون إضعاف موقعه، في ظل ثبات المشهد الإقليمي إذ تبقى إيران، الداعم الأبرز لحزب الله، لاعباً نافذاً رغم كل العقوبات والحصار المفروض عليها.
وبدا نصرالله حازماً في رفض مطلب إسقاط القوى السياسية التقليدية، رغم المطالب الشعبية، ونبّه في خطاب الجمعة إلى أن “سقف أي حراك سياسي هو منع سقوط الدولة”، وأكد رفضه لحكومة محايدة أو حكومة مستقلين كما يطالب المحتجون.
ويعتبر المدير التنفيذي للمركز اللبناني للدراسات سامي عطالله أن حزب الله يلعب دور “الحامي” لطبقة سياسية غير كفؤة، ويقول: “اختار حماية المنزل الذي يتداعى، هذا النظام الطائفي المسؤول عن العلل الاقتصادية والاجتماعية والذي أدى إلى الانهيار المالي ثم انفجار المرفأ”.
ويضيف أن حزب الله “يعرف كيف يعمل بشكل أفضل في مثل هذه الدولة الفاشلة، وبالتالي اختار الحفاظ على الستاتيكو القائم”.
وقال النائب في حزب الله حسن فضل الله في مقابلة مع قناة “الميادين” أول أمس الأربعاء: “نحن وحلفاؤنا اليوم أكثرية نيابية”، مضيفاً “البعض في لبنان يجب أن يسمح لنا، إذا رأى كم متظاهر حوله، لا يعني أنه يمكنه أن يحدّد مصير لبنان”.
المصدر: وكالات