بدأت في الخرطوم الجولة الثانية من الإجتماع السداسي لوزراء الخارجية والمياه في مصر والسودان واثيوبيا لبحث أزمة سد النهضة الاثيوبي في حين يقلل مراقبون من فرص حدوث انفراجة ويرجحون رفع الملف إلى رؤساء الدول مع تزايد دوافع اللجوء إلى مجلس الأمن والتحكيم والغاء اتفاقية إعلان المباديء التي أبرمها الرؤساء في مارس الماضي.
وقدم الجانب المصري لاثيوبيا دراسات فنية عديدة تثبت نظرية مصر التي طرحت خلال مبادرة حوض النيل في تسعينات القران الماضى بأن إقامة سدود صغيرة على النيل يمكن أن تولد كهرباء أكبر من التي تولدها السدود العملاقة. وأشارت الدراسات إلى سدود أقيمت على مجرى نهر النيل خلال القرن الماضى، وحققت فائدة مشتركة للجميع، ومنها سد اوين في اوغندا على النيل الأبيض، وسد جبل الأولياء ومروى والرصيرص في السودان، وسدود بحيرة تانا في اثيوبيا، فضلا عن سد واو المزمع اقامته في جنوب السودان والذى تشارك فيه مصر بدراسات جدوى اقتصادية اعدت على نفقة وزارة الموارد المائية والري .
وعقب ثورة يونيو 2013 أعد خبراء السدود في وزارة الري نموذجا هندسيا لسد بديل للنهضة تبلغ سعته التخزينية 30 مليار متر مكعب، ويقاربه في القدرة على انتاج الكهرباء. ومع بدء مفاوضات ثلاثية في الخرطوم، في اغسطس من نفس العام، طرح المشروع لكن الجانب الاثيوبي رفض الاقتراح كما رفض المقترح “المصري السودانى” باللجوء لخبراء اجانب للإنتهاء من الدراسات الفنية التي طالبت بها اللجنة الدولية الأولى لتقييم آثار السد في نفس العام. وعرض اليماهو تيجنو، وزير الموارد المائية والكهرباء الاثيوبي أن تقوم لجنة فنية من خبراء الدول الثلاث بإعداد الدراسات، على أن يقوم وزراء الدول الثلاث بتقييم نتائجها، وهو الأمر الذي رفضه وزير الموارد المائية والري المصري في ذلك الوقت محمد عبد المطلب، لعدم الاتفاق على شروط الزامية خلال الاتفاق ورفض الخبراء الأجانب.
اتفاقية المباديء بدون آلية تنفيذ
يقول د. علاء يس مستشار وزير الموارد المائية والري إن الوفد المصري يتسم بالمرونة خلال المباحثات، مع وضع اعتبارات الأمن المائى والحفاظ على حصة مصر التاريخية والمكتسبة في مياه النيل أمامه، لافتا إلى أن القيادة السياسية المصرية تؤكد دائما على ضرورة أن يخرج الجميع رابحين من المفاوضات، وأن يراعي الجانب المصري تحقيق التنمية في دول حوض النيل.
وأضاف أن مصر وافقت خلال المفاوضات على أن يقوم مكتبان بإعداد الدراسات وأن يكون لمكتب دلتارس الفرنسي نسبة 30% فقط رغم خبرته التاريخية العريقة في هذا المجال، وذلك بعد الإصرار من الجانب الاثيوبي على أن يقوم المكتب بإعداد الدراسات الفنية كاملة دون اشراك أي من المكاتب الأخرى.
وأشار إلى أن مصر تقدمت بطلب عقد الاجتماع السداسي عقب تعثر المسار الفنى، كما طرحت على الجانب الاثيوبى شواغلها، وطلبت الرد عليها من خلال وثيقة يوقعها وزراء الخارجية والري.
وقال د.يس إن مصادر القلق المصرية تتمثل في عدم البدء في دراسات سد النهضة حتى الآن وتسارع البناء في السد، بالاضافة إلى ضرورة ايجاد وسيلة حاكمة لتنفيذ بنود اتفاقية إعلان المبادىء التي وقعها الرؤساء الثلاثة في الخرطوم في مارس 2015، وتتضمن مبدأ عدم الإضرار، والتعاون والإتفاق بين الدول الثلاث على قواعد الملء الأول والتشغيل السنوي وآلية تنفيذ ذلك قبل الشروع في الملء الأول للسد.
المطالبة رسميا بوقف البناء
من جانبه، طالب د. محمد نصر الدين علام، وزير الموارد المائية والري الأسبق، بالاعلان صراحة عن فشل المباحثات الفنية، ورفع الأمر إلى الرؤساء حسب ما جاء في اعلان المبادىء، لإتخاذ مسار سياسى في التعامل مع المشاكل القائمة، واصفاً كافة المسارات الحالية بالفاشلة، وبأنها تهدر الوقت لأنها لم تتخذ الطريق الصحيح من البداية وهو المطالبة رسمياً بوقف بناء السد.
وأوضح أن السد اصبح امراً واقعاً وتم الإنتهاء من 48% من انشاءاته، ولم يتبق إلا ستة اشهر فقط على بدء الملء، وبالتالي يمكن تكليف الخبراء الدوليين، أعضاء اللجنة الثلاثية الأولى التي انتهت من اعمالها في مايو 2013، ووضعت الشروط التعريفية لدراسات السد محل الخلاف الحالى بأن يقوموا بأنفسهم بإعداد الدراسات الهيدرولوجية فقط في غضون فترة لا تتعدى ثلاثة شهور لتقدير أضرار سد النهضة المائية على حصتي مصر والسودان، مع تأجيل الدراسات الإقتصادية والبيئية، إلى فترات لاحقة. وأضاف أنه اذا ثبت من الدراسات أن السد سوف يسبب أضرارا جسيمة للحصص المائية، لدولتي المصب، فيجب ايقاف انشاءات السد فوراً، حتى يتم استكمال الدراسات والوصول الى حل سياسي لهذه الازمة .
مجلس الأمن والتحكيم
وطالب هانى رسلان، رئيس وحدة دراسات دول حوض النيل بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية، بأن يعاد تقييم الموقف عقب الانتهاء من الإجتماع السداسي في الخرطوم، في حال فشل الوزراء في الحصول على التزام بتنفيذ مخرجات الدراسات الفنية، على أن يتم الإعلان عن فشل اتفاقية اعلان المبادئ في تحقيق اهدافها في تعزيز الثقة بين مصر واثيوبيا، وإعداد مبادرة سياسية ثلاثية جديدة لتصويب مسار مفاوضات السد.
وأضاف رسلان أن المبادرة الثلاثية، سوف تتفاوض على ثلاثة مبادئ كبرى فقط تمثل الشواغل المصرية وهي أبعاد وحجم السد، والسعة التخزينية للبحيرة، والسياسة التشغيلية. ودعا إلى وضع مبادئ حاكمة ومُلزمة لتنفيذ الاتفاق. وقال إنه اذا لم تجد المبادرة قبولا من الجانب الاثيوبي، فعلى مصر أن تعلن أن مساعيها السلمية للوصول إلى حل فشلت وأن تعلن تفاصيل الوضع وتسجل موقفها بالاسانيد والحجج القانونية والفنية والسياسية بشكوى لمجلس الامن وتعتبر أن ما تفعله اثيوبيا تهديد خطير لأمن حوض النيل.
وفيما يتعلق بجدوى التحكيم الدولي، قال رسلان انه لا توجد في محكمة العدل الدولية، دائرة تخص النزاع على الأنهار الدولية، بينما يمكن تشكيل دائرة عاجلة بالمحكمة في حال تم تقديم شكوى لمجلس الأمن، باعتبار أن ما تقوم به اثيوبيا، يهدد الأمن والسلم الإقليمى، وان هناك نزاعاً اقليميا نشب سيتطور الى صراع في حال عدم التوصل لحلول قانونية عاجلة.
من جانبه، دعا د. مغاوري شحاته الخبير الدولي في الموارد المائية ورئيس جامعة المنوفية الأسبق إلى الإستعانة باللجنة الدولية الأولى لتقييم آثار السد والتي انتهت من دراساتها في مايو 2013، حيث ترتضيها جميع الاطراف المصرية والسودانية والأثيوبية. وقال إن على مصر المطالبة بوقف السد في المرحلة الاولى للبناء والتي تبلغ سعتها التخزينية 14 مليار متر مكعب، ولا يتم البدء في المرحلة الثانية إلا بالاتفاق بين الدول.
المصدر: وكالات