أكد وزير الخارجية سامح شكري اليوم الاثنين أن مصر آلت على نفسها التصدي بكل إمكانياتها وقواها لقوى الظلام المحمومة .. قائلا : إنه في الوقت الذى تجابه فيه الدولة المصرية بصلابة التنظيمات التكفيرية فهي على إيمان عميق بأن التصدي الأمني للإرهاب يجب أن يقترن فى ذات الوقت بمعالجة حضارية وفكرية وثقافية”.
جاء ذلك في كلمة مصر التي ألقاها شكري اليوم الاثنين أمام المؤتمر الوزاري الأول لتدشين منتدى الحضارات القديمة ، الذي يعقد في العاصمة اليونانية أثينا بدعوة مشتركة من كل من وزير خارجية اليونان ووزير خارجية الصين.
ووجه شكري في بداية كلمته الثناء لوزيري خارجية اليونان والصين لاختيارهما السديد لتلك اللحظة الدقيقة التي يمر بها العالم بأزمة عميقة من الاضطراب الحضاري ، من أجل دعوة وزراء خارجية جمع مُنتقي من الدول المنتمية لأقدم الحضارات التى تكن لها حركة التاريخ كل امتنان وعرفان لنعلن معا اليوم إطلاق منتدى “الحضارات القديمة” من أثينا تلك المدينة ملهمة الفلاسفة والحكماء صانعة الديمقراطية فكراً وتطبيقاً.
وقال : إن مصر ترحب بشكل كبير بالمشاركة في هذا الإطار الثقافي الجديد الذي يستجيب ولا شك لتحديات تلك اللحظة الحرجة من تاريخ الإنسانية ، فمن يكون أشد منا –نحن شعوب الحضارات التي صنعت التاريخ – تأثراً ورفضاً لما تقترفه جحافل التطرف والإرهاب كنتيجة مباشرة للسقوط الحضاري المشين من امتهان دنئ للقيم الحضارية والكرامة الإنسانية، ومن عدوان همجي على حريات وحقوق الشعوب في العيش المستقر الآمن، وذلك فى استخفاف فج بمبادئ الحق والعدل؟ ناهينا عما نشهده من انتهاكات مفجعة لقدسية التراث الحضارى المشترك للإنسانية بكل ما يحتضنه من إبداعات خالدة ومعان سامية وتراكم معارفي لا يُعوض.
وشدد وزير الخارجية على أن الصراعات المذهبية والطائفية الدامية والحروب والاحتلال الأجنبى تُجرف أعز مواطن الحضارة الإنسانية..قائلا : إن العصر الحديث أو بمعنى أدق “عصر ما بعد الحداثة” ، في ضوء الثورة المعلوماتية المذهلة التى يعيشها القرن الواحد والعشرون والذى يشهد صدامات سياسية واقتصادية وثقافية ودينية مُحزنة، بات فى حاجة ماسة إلى العودة لجذور الحضارات القديمة وأصالتها ليستقي منها حكمة التاريخ وعِبَرَ الزمان بحثاً عن ملامح مستقبل أكثر تحضراً وإنسانية”.
وأضاف : إن تلك هي الرسالة السياسية البليغة التى يوجهها هذا المنتدى الجديد إلى الإنسانية جمعاء خاصة الأجيال الجديدة..إذ إنه بمجرد جمعه في نسق واحد لأعرق ما جادت به الحضارات القديمة من معاني الرقي الإنساني فهو يسلط مباشرة الضوء على المفارقة شديدة الوطأة على العقل والوجدان بين مدى عظمة حضارات الماضي وما حققته من تمازج تاريخي بديع فيما بينها عبر الزمان والمكان وبين ما وصل إليه واقعنا اليوم في أكثر من بقعة في العالم من سقوط لمُثل الحضارة واندثار للقيم السامية.
وتابع : نحن الممثلون لهذا الجمع من الحضارات القديمة، علينا الالتزام بفحوى ما أوصت به حكمة التاريخ بالعمل من خلال التحركات النشطة والإضافات القيمة المنتظرة من هذا المحفل الجديد”..داعيا في الوقت ذاته إلى ضرورة تضافر الجهود نحو تذكير العالم بأهمية رسالة التحضر والسلام والاستنارة التى يحملها هذا المنتدى للإنسانية فضلاً عما يجب أن يؤكد عليه من أهمية الاستمرار فى التواصل الحضاري الممتد عبر الأجيال حفاظاً على تراث الإنسانية وحمايته بكل ما يتوافر من السبل والإمكانات، لاسيما إبداعات التراث التي تقع فى مناطق النزاعات المسلحة.
وقال وزير الخارجية سامح شكرى إن الحضارة تعبير يحمل وهجاً إبداعياً ذاتياً ، إذ يطلق على محصلة نجاح الإنسان فى الاستثمار الأمثل لحالة الاستقرار والأمان التي يعيش فيها ليتفاعل بإيجابية مع الموقع الذي ينشط فيه مع غيره من أفراد مجتمعه، فضلاً عن البيئة المحيطة.
وأضاف : مهما تباينت السمات الشكلية للحضارات المتنوعة، فهي في منتهاها تصب في حضارة إنسانية عالمية واحدة تبغي الارتقاء بالإنسان، غاية ووسيلة، في كل زمان ومكان. وتابع : “أليس هذا ما يمكن أن نستشفه من الكتابات على أوراق البردي المصرية واليونانية ؟ أليس ذلك ما تلقيناه من الأهرامات المصرية والمكسيكية المتدرجة فى حضارات “الآزتيك” و”المايا” و”معابد الشمس والكباري المعلقة” في حضارات “الإنكا” ألم تشهد عليه أيضا معابد “الكرنك” و”الأكروبول” و”مدرج الكولوسيوم” و”سور الصين العظيم” و”حدائق بابل المُعلقة” ؟.
وقال : “إن كل تلك الرموز الحضارية الشامخة إذا ما تحررت من إسار صمتها التاريخي، فهي ستتحدث بلغة الإنسانية العالمية الواحدة “..مضيفا : ليس من شك أن إشكاليات الإرهاب والتطرف بكل ما يقترن بتلك الظاهرة السرطانية من تداعيات سلبية سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو ثقافية أو اجتماعية ، سوف تتصدر قائمة أولويات المنتدى .. مذكرا بمطلع ديباجة ميثاق منظمة اليونسكو : “إذا كانت الحروب تبدأ فى عقول البشر فيجب أن تبدأ فى عقول البشر بناء حصون السلام”.
أ ش ا