يأتي عزل أو إقالة الرئيس الزيمبابوي روبرت موجابي بعد 37 عاماً قضاها في رئاسة البلاد، على خلفية جملة من التطورات السياسية الدرامية التي عاشتها العاصمة هراري في 14 نوفمبر 2017، والتي كشفت في نفس الوقت عن الدور الوطني الأصيل للجيش في حماية مقدرات الأوطان من العبث وتحقيق مطالب التطلعات الشعبية التي تبحث عن عهد جديد، يتخلص فيه الشعب من كافة أشكال الظلم والقمع التي كان يمارسها موجابي منذ توليه السلطة في البلاد بعد حصولها على الاستقلال فى عام 1980.
ففي نفس الوقت الذي اجتمع فيه موجابى مع هيئة أركان الجيش لضمان انتقال آمن وسلس للسلطة، أطاح الاتحاد الوطني الإفريقي الزيمبابوي، الجبهة الوطنية الحاكمة “زانوا”، بموجابى من زعامة الحزب، واختارت اللجنة المركزية للحزب الحاكم إمرسون منانجاجوا نائب الرئيس، الذى كان قد تم عزله في السادس من نوفمبر الجاري، كرئيس للحزب بدلا من موجابي مرشحا لانتخابات عام 2018، في حين تمت إقالة جريس زوجة موجابى من قيادة الرابطة النسائية بالحزب .
دوافع وتحديات
جاءت الإطاحة بالرئيس موجابي من سدة الحكم في زيمباوي على خلفية مجموعة من العوامل والمتغيرات السياسية والاقتصادية التي خلقت حالة من اليأس والإحباط والسخط لدى الشعب، هذه الدوافع والمتغيرات تشكل في ذاتها تحديات متشابكة ومعقدة لمرحلة ما بعد موجابي، الأمر الذي يطرح الكثير من التكهنات بشأن المستقبل السياسي لزيمبابوي ما بعد موجابي.
وتتمثل هذه الدوافع وتلك التحديات في اهتزاز الثقة في النظام الحاكم وتحديات تثبيتها، فقد جاءت الأحداث والتطورات السياسية التي شهدتها زيمبابوي، كاشفة للفساد السياسي لنظام موجابي، خاصة خلال العامين الأخيرين، على خلفية إقالته لنائبته السابقة جويس موجورو في ديسمبر 2014، وما تبعها من إجراءات تبناها موجابي تمهيدا لتصعيد زوجته جريس موجابي، لتخلفه في حكم البلاد، وكان آخر الإجراءات إقالته لنائبه إيميرسون منانجاجوا في 6 نوفمبر 2017.
فبعد أن كان موجابي بطلاً ثورياً، تراجعت شعبيته، بسبب تركيز جميع السلطات في شخصه، واعتماده على المواجهات التعسفية والقمعية مع معارضيه وخصومه، وتوظيفه لحزبه الحاكم “زانوا” في مناكفاته السياسية، ما أدى إلى تدهور وتآكل شعبية الحزب وفقدانه لقاعدته الشعبية.
وبالتالي تشكل هذه البيئة السياسية في زيمبابوي والتي يكتنفها الغموض والضبابية تحديات جوهرية أمام من يخلف موجابي، سواء خلال إدارة المرحلة الانتقالية من الآن وحتى إجراء الانتخابات الرئاسية عام 2018، أو ما بعد الانتخابات ومحاولة بناء الثقة السياسية مرة أخرى.
ومما يزيد من حدة هذا التحدي، تبلور المعارضة السياسية وتوحدها مع منظمات المجتمع المدني، إذ دعت 115 جماعة من منظمات المجتمع موجابي للتنحي، واعتبرت مجموعة واسعة من قادة المعارضة، بما فيهم منافسه السياسي الرئيسي مورجان تسانجيراي، أن الوقت قد حان لرحيل موجابي، فضلاً عن خروج الآلاف من المواطنين في العاصمة هراري وعدد من المدن الأخرى يحتفلون بسيطرة الجيش على البلاد.
ثانيا: تحديات إعادة بناء الاقتصاد الوطني: من أبرز العوامل التي خلقت حالة السخط والغضب الشعبي ضد موجابي، التدهور الاقتصادي الذي عانت منه زيمبابوي بسبب الفساد المالي والإداري، فقد عانت زيمبابوي من انهيار اقتصادي؛ وفشلت الحكومة في تسديد الديون الخارجية للهيئات الدولية، بسبب النقص المزمن للعملة الصعبة، فضلا عن ارتفاع معدل التضخم الذي وصل إلى 7%، وارتفاع معدل البطالة إلى 90%.
علاوة على ما سبق، فقد تعاطفت الطبيعة مع الشعب في هراري، واجتاحت البلاد موجة واسعة النطاق من الجفاف، أدت إلى تعرض ما يقرب من 2.5 مليون مواطن لأزمات غذائية، في الوقت الذي قدرت فيه بعض التقارير تكاليف رحلات موجابي الخارجية خلال عام 2017 بنحو 40 مليون دولار أمريكي .
ثالثاً: تحديات إعادة هيكلة الحزب الحاكم في زيمبابوي “زانوا”، بعد أن شاخت كوادره وقواه السياسية، في ظل تطلعات نخبة جديدة من الشباب “جيل الأربعين”، الأمر الذي يتطلب العمل على تحقيق التوازن بين جيل الشباب والمحاربين القدماء، وهو ما يستلزم وقتاً كبيراً وجهداً فكرياً ووطنياً غير محدود، خاصة في ظل استمرار شعارات التحرير الوطني كجزء من الخطاب السياسي للحزب، واستمرار قادة نظام موجابي الذين تم تصعيدهم باعتبارهم من أهل الثقة وليسوا من أهل الخبرة، الأمر الذي أدي لترهل في هيكل الحزب وتعدد مشاكله.
يذكر أن إطاحة موجابي بالنائبة موجورو، قد ترتب عليه صعود جيل من السياسيين الأصغر سناً أو ما عرف “جيل الأربعين” أدت ممارساته السياسية إلى خلق موجة من العنف داخل الحزب خلال عام 2015، ووقوع اشتباكات بين الشباب المتحالف مع جيل الأربعين وفصيل نائب موجابي “إيميرسون منانجاجوا”، وذلك في الوقت الذي استولت فيه زوجة الأول على منصب رئيسة “رابطة النساء” في “زانوا”، في إطار عملية التصعيد السياسي لها، الأمر الذي رفضته “رابطة محاربي التحرير في زيمبابوي”، معلنة عن توقفها لدعم حملات موجابي السياسية.
رابعاً: تحديات إعادة بناء اللحمة الوطنية وبث روح الإخاء والتكامل بين أبناء الشعب الزيمبابوي: إذ تشير معلومات إلى احتمال قيام المتشددين في حزب زانوا، وعدد من مؤيدي الرئيس موجابي، بالانشقاق عن حزب زانوا وتكوين حزب جديد معارض يمكنهم من خلاله دخول الانتخابات القادمة، خاصة أن حزب زانوا له ارتباطات بأحزاب مماثلة ومنها حزب المؤتمر الوطني في جمهورية جنوب أفريقيا، وحزب سوابو في نامبيا.
وأشار موجابي نفسه إلى هذا التحدي عندما قال ـ في خطابه المتلفز ـ “يجب أن نتعلم كيف نصفح ونحل التناقضات بروحية الرفاق في زيمبابوي”.
وعلى أي حال فإن التطورات السياسية في زيمبابوي، تشير إلى أنه ـ في ضوء مهمة القوات المسلحة بالحفاظ على أمن واستقرار مؤسسات الدولة ـ من المتوقع أن يطرح الجيش منانجاجوا كرئيس انتقالي للبلاد، على أن يتم إجراء الانتخابات في موعدها المقرر في عام 2018، ويكون منانجاجوا المرشح الأوفر حظا، مما قد يدخل زيمبابوي في مرحلة سياسية جديدة تتطلب التوافق على قواعد ممارسة اللعبة السياسية في مرحلة ما بعد موجابي.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)