يبدأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الاثنين زيارة دولة إلى الولايات المتحدة الأمريكية هي الأولى من نوعها منذ وصوله إلى سدة الرئاسة في فرنسا في مايو الماضي، يتم خلالها بحث العديد من القضايا المشتركة والملفات الخلافية بين الجانبين.
وتركز مباحثات الرئيسين أثناء الزيارة على ملفين أساسيين، الأول الاتفاق النووي الإيراني الذي يرغب الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الانسحاب منه.. بينما يسعى ماكرون لإقناعه بالبقاء، وأبرمت إيران هذا الاتفاق مع القوى العظمى منذ ثلاث سنوات ودأب ترمب على انتقاده ووصفه بأنه “واحد من أسوأ الصفقات التي رآها”.
وأمهل ترمب الجهات الأوروبية الموقعة (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) حتى 12 مايو لتشديد شروط الاتفاق، وبعدها سيعلن ما إذا كانت واشنطن ستبقى داخل الاتفاق النووي أم ستنسحب منه.
ويحظى هذا الملف بأهمية أولية خلال الزيارة خاصة أن المؤشرات لا تبدو مطمئنة نحو إمكانية الوصول إلى حل لهذه المسألة حيث يبدو من الصعب تقديم الجانب الأوروبي ما يكفي من الضمانات للرئيس الأمريكي ليبقى ضمن الاتفاق الإيراني.
أما الملف الثاني فهو متعلق بالخلافات التجارية بين أوروبا والولايات المتحدة حيث من المقرر أن تعلن الأخيرة في بداية مايو قرارها ما إذا كانت ستفرض على الاتحاد الأوروبي رسومها الجمركية الجديدة على الفولاذ والألمنيوم أم لا.
إلى جانب ذلك سيتناول الرئيسان في مباحثاتهما ملفات أخرى من أبرزها مكافحة الإرهاب وملف كوريا الشمالية والوضع في سوريا بعد الضربات المشتركة الأخيرة، والعلاقات مع روسيا بعد قضية سكريبال، والقضية الفلسطينية، واتفاق باريس للمناخ، وقمة الدول السبع في كندا وغيرها من القضايا المشتركة.
وخلال اليوم الأول للزيارة، يستضيف الرئيس الأمريكي نظيره الفرنسي وزوجته على مأدبة عشاء في دائرة ماونت فيرنون الرائعة التي كانت مقر جورج واشنطن أول رئيس للولايات المتحدة.
وبعد محادثات الرئيسين في البيت الأبيض صباح الثلاثاء، يتوجه ماكرون إلى مقر الخارجية حيث يتناول الغداء على مائدة نائب الرئيس مايك بنس ويحضر حفلا عسكريا في مقبرة أرلينغتون، ويشهد البيت الابيض مساء عشاء دولة.
وفي اليوم التالي يلقي ماكرون خطابا باللغة الإنجليزية أمام الكونجرس بمجلسيه الشيوخ والنواب لمدة ثلاثين دقيقة يتناول خلاله العلاقات القوية بين البلدين والقيم المشتركة والديمقراطية، وهو تقليد تاريخي يقوم به الرؤساء الفرنسيين عند زيارتهم للولايات المتحدة بداية من شارل ديجول وصولا إلى نيكولا ساركوزي، باستثناء فرنسوا أولاند.
ويلتقي ماكرون بعدها طلابا في جامعة جورج واشنطن. ومن المقرر أن يهدي الرئيس الفرنسي نظيره الأمريكي شجرة “سنديان” أملا في زرعها في حدائق البيت الأبيض كرمز للصداقة والتماسك بين البلدين.
ويعد ماكرون أول رئيس توجه له الدعوة لزيارة الولايات المتحدة في عهد ترمب، وهو ما يعكس المكانة الخاصة التي يوليها له الرئيس الأمريكي، فعلى الرغم من أن مواقف الرئيسين على طرفي النقيض في كثير من الملفات غير أن ماكرون حرص منذ انتخابه على أن يحتفظ بعلاقة جيدة مع ترمب، ويبدو واضحا أن باريس تسعى إلى أن تكون الشريك الأول لواشنطن في القارة الأوروبية في ظل التراجع الملحوظ لمكانة بريطانيا ـ الصديق التقليدي لأمريكا- بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، كما تسعى باريس إلى تفادي ازدياد عزلة الولايات المتحدة على الساحة العالمية وتحرص على أن تبقى واشنطن “فاعلة” في العديد من الملفات الساخنة كالأزمة السورية أو القضية الفلسطينية أو الحرب على الإرهاب.
في ضوء ما سبق يبدو جليا أن ماكرون خلال زيارته المرتقبة لواشنطن لن يكون فقط رئيسا للجمهورية الفرنسية ولكنه سيظهر بمثابة الزعيم الدبلوماسي للاتحاد الأوروبي، والمحاور المركزي والموثوق به، فوفقا لأراء المراقبين، يعد ماكرون من بين القادة الأوروبيين هو الأكثر قدرة في التأثير على توجهات الرئيس ترمب وذلك من خلال استخدام عناصر الدبلوماسية الناعمة.
وظهرت خصوصية العلاقة بين الرئيسين عندما دعا ماكرون، ترمب للمشاركة في احتفالات العيد الوطني في 14 يوليو من العام الماضي، أو ما يعرف بـ”عيد الباستيل” وهي الزيارة التي نظر إليها العديد من المراقبين باعتبارها تصرفًا ذكيًا من الرئيس الفرنسي يلعب بها على شخصية الرئيس الأمريكي المحبة للظهور الإعلامي والعروض العسكرية، وخطوة مهمة لتعزيز الثقة وتعميق العلاقات بين الجانبين.
ووفقا للمراقبين، وعلى الرغم من صعوبة حسم القضايا الخلافية بين الجانبين إلا أن زيارة ماكرون المرتقبة للولايات المتحدة تحظى بأهمية بالغة بالنسبة للرئيسين، فمن ناحية يرغب ترمب في تعزيز جبهته داخليا وخارجيا من خلال الظهور أمام معارضيه وكأنه منفتح على العالم ولا يعزل الولايات المتحدة ولا يدير ظهره لحلفائه مثلما يتهمونه دائما، ومن ناحية أخرى يتطلع ماكرون بقوة إلى إحراز تقدم في الملفات الخلافية مع شريكه الأمريكي لتعزيز مكانته أوروبيا وتعزيز قدرته على تنفيذ أجندته الإصلاحية كما يرغب في أن يعزز موقفه داخليا في ظل تصاعد حركة الإضرابات داخل فرنسا اعتراضا على السياسات الإصلاحية التي يرغب ماكرون في تطبيقها.
أ ش أ