مع وصول وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى بكين، اليوم الأحد، في زيارة هي الأولى لوزير خارجية أمريكي إلى الصين منذ أكتوبر 2018 حين حط سلفه مايك بومبيو في بكين قبل أن ينتهج لاحقا استراتيجية مواجهة حادة، تتجه الأنظار إلى عدة مؤشرات.
فعلى الرغم من أنه من غير المتوقع بطبيعة الحال أن تحل كامل الخلافات بين القوتين الاقتصاديتين الكبيرتين في العالم، إلا أن هناك عدة أمور يجب مراقبتها.
فمن تلك المؤشرات كيفية استقبال الصين للزائر الأميركي.
إذ سيقدم مستوى وكيفية استقبال بلينكن تلميحات حول مدى استعداد الصين لاجتماع على أعلى المستويات مع الضيف، بمعنى احتمال أن يتلقي الرئيس الصيني شي جين بينج الزائر الغربي، بحسب ما أفادت وكالة “بلومبيرغ”.
إلا أن الإدارة الأمريكية كانت استبقت أي خيبة أمل ممكن أن تحصل، مخفضة توقعاتها، إذ أوضح كورت كامبل، كبير مسؤولي آسيا في البيت الأبيض، أن زيارة بكين ليست بنية تحقيق نوع من الاختراق أو التحول في الطريقة التي يتعامل بها الطرفان مع بعضهما بعضا”.
لاسيما أن هناك أكثر من 12 قضية رئيسية أو ملف خلافي بينهما، منها أوكرانيا وتايوان وبحر الصين الجنوبي وغيرها.
ما يعني أن هدف بلينكن حالياً يقتصر على محاولة تثبيت العلاقات بين البلدين وجعلها أقل تقلباً خصوصا أن عواقب عدم استقرارها وخيمة على الاقتصاد العالمي.
علماً أن تلك الزيارة كان من المفترض أن تحدث في فبراير الماضي، وحينها لكانت استفادت أكثر من وهج اللقاء الذي جمع لأول مرة قادة البلدين (جو بايدن وشي جين بينج) في أواخر عام 2022.
إذ منذ ذلك الحين توترت العلاقات بسبب سلسلة من المشاحنات والاتهامات.
ولعل الأمر الأخطر الاحتكاكان العسكريان الخطيران اللذان حصلا مؤخرا، أحدهما فوق بحر الصين الجنوبي، وثانيهما في مضيق تايوان.
لذا يتوقع أن يشدد بلينكن على أهمية هذا الاستقرار في العلاقات بين البلدين، وربما يقترح كخطوة أولى استعادة خطوط الاتصال فقط، خاصة فيما يتعلق بالمسائل العسكرية.
علما أن أقوى دولتين في العالم لديهما عدد قليل جدا من الطرق المباشرة للتحدث والتواصل، والأخطر أنهما تفتقران إلى خط عسكري مخصص لتهدئة أي حوادث ممكن أن تقع.
وقد رفض وزير الدفاع الصيني لي شانجفو مؤخرا طلبا للقاء نظيره الأميركي لويد أوستن.
أما في ما يتعلق بتايوان، فيبقى الملف الأكثر حساسية، في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، إلا أن بلينكن سينقل رسالة مفادها أن إدارة بايدن لا تحاول زعزعة الوضع الراهن.
لكنه سيدين بلا شك الإكراه الاقتصادي الصيني والضغط العسكري على تايوان، الذي زاد في السنوات الأخيرة.
لذا لا يتوقع أن يحقق أي اختراق في هذا الملف.
إلى ذلك، من المرجح أيضا أن يتحدث الجانبان عن الجهود الأمريكية الحاصلة لإحباط طموحات بكين التكنولوجية، خاصة القيود المفروضة على بيع المعدات الصينية لصنع أشباه الموصلات المتقدمة.
يشار إلى أن إدارة بايدن كانت انتهجت نفس الخط المتشدد الذي طبقته إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب تجاه الصين، بل ذهبت أبعد من ذلك في بعض المجالات، بما في ذلك من خلال فرض ضوابط على الصادرات بهدف الحد من شراء بكين وتصنيعها رقائق متطورة “مستخدمة في تطبيقات عسكرية”.
لكن واشنطن تهدف حالياً إلى التعاون مع بكين في عدة قضايا.
فبالنسبة إلى داني راسل، المسؤول الكبير السابق في وزارة الخارجية الأمريكية “لكل طرف مصلحة في هذه الزيارة، فالصين تأمل في تجنب قيود أمريكية جديدة على التكنولوجيا وأي دعم جديد لتايوان”.
أما الولايات المتحدة فترغب من جهتها في منع أي حادث يحتمل أن يؤدي إلى مواجهة عسكرية.
يبقى الأكيد أن زيارة بلينكن القصيرة لن تحل أيا من المشاكل الكبيرة في العلاقات بين البلدين، كما أنها لن تمنع أيا من الجانبين من متابعة أجندتهما التنافسية.
لكنها “قد تعيد إحياء الحوار المباشر الذي تشتد الحاجة إليه وتبعث إشارة إلى أن البلدين ينتقلان من خطاب الغضب أمام وسائل الإعلام إلى محادثات أكثر رصانة خلف أبواب مغلقة” وفق راسل.