زيارة مثمرة يقوم بها الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى دولة البرتغال، في أول زيارة لرئيس مصري إلى العاصمة البرتغالية لشبونة منذ 20 عامًا.
تكتسب الزيارة أهمية تاريخية واقتصادية، في سبيل التعاون بين البلدين خلال الآونة الأخيرة، حيث وصل الرئيس السيسي، إلى قصر بيليم وكان في استقباله الرئيس البرتغالي مارسيلو ريبيلو دي سوزا، ودون السيسي كلمة في سجل الزيارات بقصر الرئاسة البرتغالية.
وجرت مراسم الاستقبال الرسمي للرئيس أمام دير جيرونوميس التاريخي في لشبونة، صباح الاثنين 21 نوفمبر، والذي شهد إعلان قيام الجمهورية البرتغالية، واستعرض السيسي حرس الشرف، وعزفت الموسيقى العسكرية السلام الوطني المصري والبرتغالي، وأطلقت المدفعية 21 طلقة ترحيبا بالرئيس، بينما رفرفرت الإعلام المصرية والبرتغالية على الأعمدة المتواجدة في باحة الدير التاريخي.
إكليل من الزهور على قبر «كامويش»
وخلال الزيارة وضع الرئيس إكليلا من الزهور على قبر الشاعر البرتغالي الراحل لويس فاز دو كامويش – الذي يعد من أبرز شعراء البرتغال – بالعاصمة البرتغالية لشبونة.
ويعد لويس فاز دو كامويش شاعرا قوميا عظيما، حيث خلد بشعره الكثير عن المآثر البطولية الرائدة، والاستكشافات في التاريخ البرتغالي، وأشتهر دو كامويش بالمغامرة، واشترك في عدد من الحملات، وفقد إحدى عينيه، وقضى سنوات من عمره بالسجن حتى نال مكانة متميزة فى عهد الملك سيباستيان.
ومن أشهر أعماله الأدبية “لوسياديس” هو تاريخ شعري طويل عن البرتغال خلد فيه رحلات المستكشف البرتغالى الشهير فاسكو داجاما.
قمة «مصرية – برتغالية» مشتركة
كما عقدت القمة المصرية البرتغالية بمشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسي ونظيره البرتغالي مارسيلو ريبيلو دي سوزا بالقصر الرئاسي البرتغالي.
وتناولت القمة، سبل تعزيز العلاقات الثنائية ومكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية وتطورات قضايا منطقة الشرق الأوسط.
مؤتمر صحفي بين دي سوزا والسيسي
وأعقب القمة، مؤتمرًا صحفيًا وجه فيه رئيس البرتغال مارسيلو ريبيلو دي سوزا الشكر للرئيس السيسي على الدعم المصري القوي لمرشح البرتغال لمنصب أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس، واصفا ذلك الدعم “بالمهم والصديق” من جانب مصر والذي جاء في لحظة مهمة من تاريخ العالم.
وأكد رئيس البرتغال في كلمته خلال المؤتمر الصحفي بالقصر الجمهوري بلشبونة، قبوله الدعوة التي وجهها السيسي لزيارة مصر والتي سيتم تحديد موعدها في موعد لاحق.
وأعرب الرئيس البرتغالي عن سعادته لاستقبال السيسي بالبرتغال بعد مرور حوالي ربع قرن على زيارة آخر رئيس مصري إلى لشبونة، لافتا إلى أن الزيارة تعكس مدى سعادة البرتغاليين بتواجد السيسي ببلادهم.
وقال إن الزيارة تجسد التقارب بين البلدين مشددا على وجود تطابق في وجهات النظر بين البلدين تجاه مختلف القضايا.
وأشار إلى أن المباحثات تناولت التحديات التي تواجهها البلدان فيما يتعلق بالجوانب الاقتصادية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان ، واصفا تلك التحديات “بالصعبة”.
وأضاف أن البرتغال لديها تجربة سابقة في التفاوض مع صندوق النقد الدولي ، ونحن نعلم ماذا يعنى التفاوض مع الصندوق بهدف دفع عجلة الإنتاج مع مراعاة دعم الحقوق الاجتماعية وتحديات حقوق الإنسان.
وأشار إلى أن البرتغال تتابع التطورات في مصر باعتبارها مجتمعا متعدد الأعراق، مشددا على أن بلاده تقدر أهمية الموقع الجيوسياسى لمصر في منطقة البحر المتوسط ، والقلق المشترك بين البلدين تجاه قضايا اللاجئين والهجرة غير الشرعية.
وقال إن مصر والبرتغال مهتمتان بدعم مسار السلام فى منطقة الشرق الأوسط، مشيرا إلى أن مصر لها مكانة هامة للغاية.
وأضاف أن زيارة السيسي إلى البرتغال ستعزز العلاقات الثنائية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والاستراتيجية.
واختتم الرئيس البرتغالي كلمته بتوجيه الشكر للرئيس السيسي على دعوته لزيارة مصر والتي اعتبرها بمثابة خطوة لتقوية علاقات الصداقة بين دولتين وشعبين وأمتين.
فيما ألقى الرئيس السيسي كلمة خلال المؤتمر الصحفي المشترك، أكد فيها أن العلاقات الثنائية بين مصر والبرتغال شهدت تطورا ملموسا في العلاقات الثنائية، داعيا المستثمرين ورجال الأعمال البرتغاليين للاستفادة من الفرص الواعدة في مجال تطوير البنية التحتية بمصر.
كما دعا الشركاء البرتغاليين إلى الاستفادة من حوافز الاستثمار التي تقدمها الحكومة في إطار قانون الاستثمار الجديد، ومن الفرص المتميزة التي تتيحها مشروعات التنمية في مصر، وعلى رأسها مشروع التنمية بمنطقة قناة السويس بموقعها بالغ التميز في قلب حركة التجارة الدولية.
وأضاف: “اسمحوا لي في البداية أن أعبر لكم عن خالص الشكر والتقدير على حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة الذي لاقيناه منذ وصلنا إلى بلدكم الجميل، والذي تربطه بمصر علاقات صداقة تاريخية نعتز بها، وروابط تواصل حضاري ضاربة في عمق التاريخ، لاسيما في ضوء الدور السياسي والثقافي الهام الذي تقوم به البرتغال على الساحة الدولية، والإسهامات التاريخية المميزة لشعبها في خلق جسور التفاهم والتعارف بين الحضارات”.
وتابع الرئيس: “لا يخفى عليكم أن مصر قد مرت على مدى السنوات الأخيرة بتغييرات كبيرة، جسدت آمال شعبها في التغيير والحرية والتقدم، وبناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة تحقق التنمية العادلة لكافة مواطنيها، وهي تطلعات نثق في أنكم تتفهمونها وتؤيدونها بقوة، سواء من واقع تجربتكم التاريخية في البرتغال على مدى العقود الماضية، أو من خلال ما لمسته منكم أثناء مباحثاتنا من إدراك واع لمحورية مصر كركيزة للاستقرار والأمن في محيطها الإقليمي، والذي يرتبط مباشرة بأمن البحر المتوسط وأوروبا”.
وأوضح: “من هنا فإننا نثمن مواقف البرتغال المتوازنة تجاه تطورات عملية التحول الديمقراطي في مصر، ونتطلع إلى استمرار دعمكم لجهودنا في معالجة التحديات الجسام المرتبطة بهذه المرحلة الدقيقة من تاريخ شعبنا”.
وأضاف الرئيس: “لقد شهدت الفترة الأخيرة تطورا ملموسا في العلاقات الثنائية بين مصر والبرتغال على محاور عدة، أتطلع للعمل الوثيق معكم من أجل تنميتها وتطويرها نحو آفاق أرحب لما فيه فائدة شعبينا، وبما يحقق تقدماً عملياً وملموساً نحو تفعيل أطر التعاون القائمة بين البلدين، إننا ننظر إلى زيارتنا اليوم للبرتغال، كنقطة انطلاق نحو تحقيق نقلة نوعية في مستوى وحجم التعاون الاقتصادي بين البلدين، ولقد سعدت باتفاقنا على أهمية متابعة وضع الأطر اللازمة لتنفيذ مشروعات تعاون مُحددة في هذه المجالات وغيرها، وذلك من خلال تفعيل عمل اللجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي والفني بعقد أول اجتماعاتها في القاهرة في المستقبل القريب”.
وأشار السيسي إلى أن القرب الجغرافي بين البلدين على ضفتي البحر المتوسط، يفرض علينا التنسيق الوثيق فيما يتعلق بمجابهة العديد من التحديات التي تمر بها المنطقة في المرحلة الحالية، وعلى رأسها انتشار الإرهاب والتطرف، ومحاولات تفكيك الدول والنيل من فكرة الدولة الوطنية وتقويض مؤسساتها، بالإضافة إلى مكافحة الهجرة غير الشرعية، وتدفق اللاجئين نتيجة استمرار الصراعات المسلحة والحروب التي يدفع ثمنها الأبرياء من المدنيين.
واستطرد: “لقد تناولنا في مباحثاتنا سبل التنسيق بشأن مسارات حل عدد من الأزمات التي باتت تسويتها ضرورة حتمية لمستقبل أمن واستقرار منطقة البحر المتوسط، وإنني أتطلع للاستمرار في التنسيق والتشاور الوثيق بين بلدينا سواء على المستوى الثنائي أو في إطار المحافل الدولية متعددة الأطراف، وكذا فيما يتعلق بالتعاون الثلاثي في تنمية القارة الإفريقية التي تعد نقطة التقاء غاية في الأهمية بين السياسة الخارجية لبلدينا”.
وقال: “في هذا السياق اسمحوا لي أن أنتهز هذه الفرصة لأعرب عن صادق تهنئتنا لكم وللشعب البرتغالي على انتخاب أنطونيو جوتيريش السياسي البرتغالي المتميز أمينا عاما للأمم المتحدة، وهو ما يؤكد مجددا على مكانة البرتغال الدولية المتميزة ودورها المهم في صيانة السلم والأمن الدوليين”.
واختتم الرئيس كلمته قائلا: “فخامة الرئيس، أود أن أعبر لكم مجددا عن عميق شكرنا على حفاوة استقبالكم لنا في بلدكم الصديق، وأن أكرر دعوتي لفخامتكم للقيام بزيارة مصر في أقرب فرصة لنتمكن من مواصلة التشاور والتنسيق بشأن تطوير الشراكة بين بلدينا وشعبينا الصديقين، وعلى رأسها مشروع التنمية بمنطقة قناة السويس بموقعها بالغ التميز في قلب حركة التجارة الدولية”.
مفتاح «لشبونة» للسيسي
وعقب انتهاء المؤتمر الصحفي المشترك بين الرئيسين، زار الرئيس السيسي مقر بلدية لشبونة، حيث تسلم مفتاح المدينة من عمدتها.
والتقى الرئيس السفراء العرب والأفارقة بمقر بلدية لشبونة، وشاهد من شرفة القاعة فقرة فنية أقيمت ترحيبا به.
وقال الرئيس في كلمة مختصرة خلال الاحتفال، إن تكريمه إعلاء للصداقة بين مصر والبرتغال، مشيرا إلى أن التواصل الثقافى بين البلدين سيسهم فى تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية.
وأضاف السيسي أنه اتفق مع رئيس البرتغال على تحقيق نقلة نوعية فى العلاقات خلال الفترة المقبلة.
من جانبه رحب عمدة لشبونة بالرئيس السيسي، مشددًا على أهمية زيارة السيسي في التنسيق بين مصر والبرتغال في ظل الوضع الحالي في أوروبا الذي يتطلب تنسيقا شاملا خاصة في مجال الهجرة غير الشرعية والتي تتطلب المزيد من العمل لحل هذه المشكلة.
كلمة في سجل زيارات عمودية لشبونة
في السياق ذاته، كتب الرئيس عبدالفتاح السيسي كلمة في سجل الزيارات بمقر عمودية العاصمة البرتغالية لشبونة جاء فيها: “بسم الله الرحمن الرحيم.. يسعدني أن أعرب عن خالص الشكر وعميق التقدير لحسن الاستقبال وكرم الضيافة الذي لقيته عند زيارتي لعمودية لشبونة وعلى منحى مفتاح مدينة لشبونة”.
وتضمنت الرسالة: “تلك المدينة العريقة والجميلة، وأتطلع إلى تعزيز التواصل بين العاصمة لشبونة ومراكز مصر الحضارية التاريخية كالقاهرة والإسكندرية لتوطيد أواصر الصداقة التي تجمع بين البلدين والشعبين الصديقين، إن ما شاهدته من جمال متجسد في مباني مدينة لشبونة الساحرة التي تعاقبت عليها الأزمنة وعجزت عن طمس عراقتها وعظمتها، إنما يؤكد أن الأفراد يفنون وتظل آثارهم وصنائعهم خالدة وشاهدة على عظمة إبداعاتهم”.