توجه الرئيس الأمريكي باراك أوباما، مساء غد الخميس، إلى لندن في زيارة تعد الخامسة من نوعها، وذلك ضمن جولة تشمل السعودية وألمانيا، وتأتي زيارة أوباما قبل شهرين من الاستفتاء المصيري الذي تنتظره بريطانيا حول بقائها داخل الاتحاد الأوروبي، ومن المتوقع أن يركز أوباما، خلال الزيارة، على تأكيد الموقف الأمريكي الداعم لبقاء بريطانيا داخل المنظومة الأوروبية.
وتثير زيارة أوباما المرتقبة للندن جدلاً واسعًا داخل الساحة البريطانية، حيث يعتبر كثيرون أن تأييد أوباما لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي يمثل دعمًا قويًا للمعسكر المؤيد للبقاء داخل المنظومة الأوروبية في بريطانيا، وأن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون قد استعان به لتعزيز موقفه الداعم للبقاء داخل التكتل الأوروبي.
ويرجع ذلك إلى أن أوباما من أكثر السياسيين شعبية لدى البريطانيين، فقد أوضحت استطلاعات الرأي أن شعبيته زادت داخل المملكة المتحدة من 53% وقت انتخابه عام 2008 إلى 65% خلال الفترة الحالية ، كما أظهرت الاستطلاعات أن 76% من الشعب البريطاني لديه ثقة في أن الرئيس الأمريكي سيتخذ القرار الصائب تجاه القضايا العالمية، فضلاً عن ذلك فإن أراء أوباما مسموعة لدى فئة الشباب التي تؤيد بقاء بلادها داخل الاتحاد الأوروبي وتمثل شريحة واسعة من الناخبين الذين سيتوجهون إلى صناديق الاقتراع في يونيو القادم.
وأثار هذا الأمر موجة من الغضب لدى الفريق الرافض للبقاء في الاتحاد، حيث وصف زعيم حزب الاستقلال البريطاني، نايجل فاراج، الرئيس أوباما بأنه “أكثر رئيس أمريكي معاد لبريطانيا”.
أما عمدة لندن، بوريس جونسون، الداعم الأساسي لخروج بريطانيا من الاتحاد فقد وجه انتقادات لاذعة للرئيس أوباما، واعتبر أن تدخله في الجدال الدائر حول الاستفتاء “أمر غير منطقي” ، متهمًا الولايات المتحدة بأنها تحاول الدفاع عن سيادتها “بطريقة مضحكة”، كما حذرت مجموعة من الأحزاب الرئيس أوباما من التدخل في النقاش الجاري حول عضوية التكتل الأوروبي قبل زيارته.
وأكدت هذه الأحزاب أنه سيكون “حدثًا مؤسفًا” في نهاية فترة الرئيس الأمريكي في منصبه إذا تدخل في النقاش الحالي حتى لو بتوصية لأنها ستكون “توصية دبلوماسية سلبية”.
في المقابل .. رحب معسكر البقاء في الاتحاد الأوروبي بزيارة أوباما المرتقبة، وبدأت كوادر هذه الحملة بالتشديد على أهمية ما تقوله الدول العظمى وخاصة الحليف التاريخي الأمريكي. وكان من أبرز هؤلاء وزير الخارجية البريطاني السابق، اللورد وليام هيج، الذي دافع عن ما أسماه “حق” الرئيس الأمريكي في التحدث خلال زيارته للندن عن تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مشيرًا إلى أنه سيكون من الخطأ بالنسبة للسياسيين البريطانيين التعامل مع القضية بحساسية.
ويؤكد المراقبون أنه على مدار السبعين عامًا الماضية – وبالأخص منذ نهاية الحرب العالمية الثانية – اعتمدت الولايات المتحدة الأمريكية في إدارتها للنظام العالمي على وجود تحالف قوي مستقر عابر للأطلسي، مدعوم بركيزتين أساسيتين هما حلف شمال الأطلسي “ناتو” والاتحاد الأوروبي، وفي ضوء ذلك فإن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يمثل تهديدًا مباشرًا لركيزة أساسية في علاقات الولايات المتحدة بأوروبا، فالولايات المتحدة تعول كثيرًا على دور بريطانيا ومكانتها داخل المنظومة الأوروبية وبالتالي فإنها لا تنظر إليها كشريك فقط ولكن كدولة صديقة يمكن الاعتماد عليها لدعم مواقف تتفق مع المصالح الأمريكية في بروكسل، فهي ترى أن دور بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي أهم بالنسبة لها من دورها خارجه، وهو ما يعني أن خروج بريطانيا يمثل تراجعًا لهذا الدور الهام؛ مما يؤثر سلبًا على العلاقات البريطانية الأمريكية.
كما أنه في حالة تصويت بريطانيا لصالح خروجها من الاتحاد فإن ذلك من شأنه تراجع مكانة الاتحاد الأوروبي على الساحة العالمية بالنظر إلى الثقل السياسي والاقتصادي والعسكري لبريطانيا داخل القارة الأوروبية فضلاً عن أنه قد يفتح المجال لانسحابات جديدة من عضوية الاتحاد، وهو الأمر الذي يؤثر سلبًا على المصالح الأمريكية وعلى توازن المجتمع الدولي خاصة خلال تلك المرحلة الحرجة التي يواجه فيها الغرب تهديدات اقتصادية وأمنية جديدة.
كل هذه الأمور توضح أن ثمة خطر حقيقي يهدد الولايات المتحدة في هذا الاستفتاء البريطاني، وهو ما جعل المسئولون الأمريكيون يؤكدون في العديد من المناسبات أهمية استمرار عضوية بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي وكان من أبرزهم وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الذي أكد في تصريحات له بمؤتمر الأمن بميونيخ في فبراير الماضي رغبته في رؤية “مملكة متحدة قوية جدًا” داخل الاتحاد الأوروبي، كما أكد أنه من مصلحة الولايات المتحدة أن يصوت البريطانيون لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء القادم المقرر عقده في 23 يونيو المقبل.
المصدر : وكالة انباء الشرق الاوسط