في وقت لاحق عصر اليوم (الخميس) وتحديدا في تمام الساعة الرابعة و3 ثوان بالتوقيت المحلي لمدينة القاهرة، سيصل هلال شهر رمضان المعظم للعام الهجري الحالي 1441 إلى طور التربيع الأخير في وجه القمر، وذلك وفقا لما صرح به الدكتور جاد محمد القاضي رئيس المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية لوكالة أنباء الشرق الأوسط.
وأشار إلى أنه في تلك الحالة فإن نصف القمر سيظهر مضيئا ونصفه الآخر مظلما، وسيكون في أوج مداره حول الأرض، وسيبدو منظر القمر بديعا ومن أجمل المناظر لرؤيته عاليا في قبة السماء بالتزامن مع بداية شروق شمس اليوم الجديد مع خلفية السماء الزرقاء.
وقال القاضي إن فترة التربيع الأخير هي الفترة التي يكون فيها القمر قد قطع ثلاثة أرباع مداره حول الأرض خلال هذا الشهر، وهذا الطور يمثل فرصة مثالية للتصوير، ووقتا مثاليا لرصد تضاريس سطح القمر باستخدام المنظار أو تلسكوب صغير، وذلك لأن جبال القمر وفوهاتها وغيرهما تكون واضحة جدا خاصة على طول الخط الذي يفصل بين الجانب المضيء والجانب المظلم للقمر، نظرا لتداخل الضوء والظل مما يعطي منظرا ثلاثي الأبعاد.
ويشير ظهور قمر التربيع الأخير إلى بدء العد التنازلي لشهر رمضان، بعدما وصلت أيامه لثلثها الأخير، وشرع يستعد للرحيل، حيث تشير هذه المرحلة إلى قرب ميلاد شهر شوال الذي يؤذن بأول أيام عيد الفطر المبارك، حيث أنه من المعروف فلكيا أن القمر يدور حول الأرض مرة كل أربعة أسابيع، ونتيجة دورانه يمر بأطواره من المحاق والتربيع الأول مرورا بالبدر المكتمل ومن ثم التربيع الأخير ويعود إلى المحاق مرة كل 29.5 يوم.
إذن فهي أيام قليلة ويرحل رمضان، بعد أن أكسب الصائمين قوى إضافية راقية وسامية، وزاد من مقاومتهم للجوع والعطش والتدخين، ووفر لهم الراحة النفسية بالتقرب إلى الله، وكسر رتابة الحياة والملل من أنماطها المتكررة طوال العام، ووحد المسلمين في سلوك جماعي جعلهم كأسرة واحدة، فالجميع يفطر ويتسحر حول ذات الوقت، لا فرق بين غني وفقير أو جنس وعرق، وهو أيضا وسيلة لتفريغ الهموم والشحنات الضارة، الأمر الذي يؤدي إلى رفع وزيادة مناعة الجسم ضد الأمراض المختلفة.
والصوم والجوع يرتبطان بطول العمر والاحتفاظ بالذاكرة ونشاطها وارتفاع مستوى الذكاء، والصيام المنتظم والتغذية الجيدة وممارسة الحركة في صلاة التراويح والرياضة (وأبسطها المشي)، كلها عوامل هامة لتنشيط وتقوية عملية الالتهام الذاتي للخلايا، مما يزيد من كفاءتها ويحميها من الشيخوخة والتلف والفناء المبرمج، فهذه العملية البيولوجية التي تقوم بها خلايا الجسم تلقائيا هي سر شبابها الدائم، وطريقتها الوحيدة للتخلص من المكونات المسنة داخلها وإحلالها بمكونات جديدة شابة تساهم في بقاء الكائن الحي على قيد الحياة.
لقد قدم صيام رمضان فرصة ثمينة لعمل صيانة دورية لأجهزة الجسم، فالصيام وسيلة لتخليص الجسم من السموم المختزنة، وله أثره الايجابي على تنشيط الخلايا الأكولة “مايسترو المناعة والمسئولة عن حماية الجسم من الأخطار” التي تعيش في الدم لفترة قصيرة حتى يتم استدعاؤها لمناطق الالتهاب، فتستكمل نضجها ويزداد حجمها وتتحول إلى كيانات كاسحة ضد أي عدو يهدد الأنسجة، وتنقيها من البكتيريا والفيروسات والفطريات والخلايا السرطانية وحطام الخلايا المريضة وبقايا الالتهابات.
والمسلمون عامة والمصريون خاصة يبتهجون بقدوم شهر رمضان، ويحزنون لفراقه، فهو زائر كريم كثير الهدايا سريع الارتحال، وفيه تتفجر ينابيع الخير والعطاء، وتحدث حالة من التكافل الاجتماعي غير المسبوق من توزيع الوجبات وشنط رمضان وصدقاته، وفيه تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار، وتصفد الشياطين، وفيه ليلة عظيمة القدر خير من ألف شهر، حيث تعتبر أكثر ليلة مقدسة في العام، إلى جانب أن الصيام سنة كونية، تستهدف الحفاظ على صحة الكائنات الحية حيث يصوم جميعها، إما عند المرض أو التعرض للخطر أو في حالة البيات الشتوي، وذلك طبقا لما أكدته الأبحاث والدراسات العلمية، وفترة استغناء الكائنات الحية عن الطعام تختلف من نوع لأخر، والإنسان يمكنه العيش بلا طعام من 30 إلى 40 يوما.
مهلا رمضان فقد أوشك قمر شهرك على الغروب، فما أسرع خطاك أيها الشهر الفضيل، تأتي على شوق وبفرحة وتمضي أيامك على عجل، بالأمس القريب استقبلك المصريون بفرحة قفزت على كافة الصعاب والمشكلات والمتاعب التي سببها العزل المنزلي والحظر الذي فرضه فيروس كورونا المستجد على العالم، وحرمت المسلمين هذا العام من مساجدهم.
لقد بدأت روائح عيد الفطر تزاحم أجواء رمضان مع اقتراب رحيله بكل ما حملته أيامه من روحانيات وعمل صالح وطلب للعفو والمغفرة والثواب، وعلو سامي فوق المشاكل، فهذا الضيف العزيز على قلوب المسلمين عامة والمصريين خاصة لا يأتي سوى مرة واحدة في العام.
المصدر: أ ش أ