سيظل رمضان شهر الروحانيات والجود والكرم والإحسان، بالرغم من كونه جاء هذا العام خارج معادلته الطبيعية، بسبب أزمة صحية أوقد شرارتها فيروس كورونا المستجد.
رمضان هذا العام منح الفرصة للمسلمين لمزيد من الروحانيات وتطهير النفس وتعميق الاتصال التام بالخالق، باستثمار الوقت الذى كان يضيع في السهرات الرمضانية والعزائم والحفلات في العبادات والتقرب إلى الله عز وجل.
ورمضان هذا العام هو “رمضان التطهير” و”تعزيز الوصل” بالخالق وحده لا شريك له، بجانب ما يجسده في كل عام من طاعة في أداء فريضة الصيام المكلف بها كل مسلم بالغ عاقل مطيق للصوم صحيح معافى لا عذر لديه يبيح له الفطر.
والصوم أحد أركان الإسلام الخمسة، حيث فرض في السنة الثانية من الهجرة النبوية المشرفة وثبتت فرضيته بالقرآن والسنة والإجماع، حيث بينت آيات الصيام تفاصيل أحكامه ومواقيته، وكذلك الأحاديث النبوية لأنها المفسر للقرآن، والشارح له، حيث أوجبت صوم شهر رمضان إما برؤية الهلال، أو باستكمال شهر شعبان ثلاثين يوما عند تعذر رؤية الهلال، وقد صام سيدنا محمد نبي الإسلام (ص) تسع رمضانات إجماعا.
وللصوم الصحيح شروط أربعة هي الإسلام والتمييز والخلو من الموانع والتوقيت، ويختص صوم رمضان بخصوصية فضيلة الوقت من طلوع الفجر، إلى غروب الشمس، وصيامه يكفر الذنوب لمن صامه إيمانا واحتسابا، وأبيح الفطر في نهار رمضان بشروط للمريض وللمسافر وعليهما القضاء، وشرعت الفدية في حق من لا يطيق الصوم أو من عجز عنه كالشيخ الكبير، أو المريض الذى لا يرجى شفاؤه.
ومشروعية الصوم في الإسلام تعني تشريع الأحكام الشرعية للصوم، وتختص بكونها صادرة عن الشرع الإسلامي في مراحل التشريع المخصوصة بزمن نزول الوحي، وتدل النصوص الشرعية من الكتاب والسنة على أن الصيام الذي فرضه الله على المسلمين كان مفروضا على الأمم السابقة، حيث إن الله هو الذي شرع الأحكام لعباده، وأن العبادة لله وحده لا شريك له، وتؤكد شريعة الإسلام أن الدين كله لله، وهو الذي أرسل الرسل ليبلغوا الناس، ودين الأنبياء واحد، وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا.
وذكر المفسرون أن الصيام من الشرائع القديمة، حيث كان مفروضا على الأنبياء وأممهم من أهل الكتاب (اليهود والنصارى) في الشرائع السابقة، وشرعت أحكامه ومواقيته، من بعد إبراهيم أبو الأنبياء وذلك أن الله جل ثناؤه جعله للناس إماما، وجعل دينه الحنيفية المسلمة، فأما اليهود فقد فرض الله عليهم الصيام ولكنهم حولوه فصاموا يوما، وأخرج البخاري في تاريخه والطبراني «عن دغفل بن حنظلة عن النبي قال كان على النصارى صوم شهر رمضان، وفي المعنى الذي وقع فيه التشبيه بين فرض صوم المسلمين وصوم الذين من قبلهم، أن صوم شهر رمضان فرض على النصارى، وتشبيه صيامهم بصيام المسلمين هو اتفاقهما في الوقت والمقدار.
وفي النص القرآني ما دل بجملة من الدلالات على فرض الصيام على الأمم السابقة ومن أهمها فرض الصيام على الناس، وأن الإيمان بالله والإسلام له وحده شرط في صحة العبادة، والخطاب في هذه الآية موجه لمن آمن بالله وبجميع رسله، ويؤكد نص الآية على أن الخلق كلهم عباد لله، وأن الخالق المعبود بحق هو الله وحده لا شريك له، وهو الذي أرسل جميع الرسل وله الدين الخالص، وفي النص القرآني دلالة واضحة على أن الله هو الذي شرع الأحكام لعباده، فكما أنه فرض الصيام على الأمة المحمدية، فكذلك فرض هذه العبادة على الأمم السابقة حيث يقول الله تعالى ﴿كما كتب على الذين من قبلكم﴾.
وذكر الفخر الرازي في تفسير الآية في هذا التشبيه قولين أحدهما: أنه عائد إلى أصل إيجاب الصوم، يعني أن هذه العبادة كانت مكتوبة واجبة على الأنبياء والأمم من آدم إلى يومنا هذا، وما أخلى الله أمة من إيجابها عليهم، مستهدفا تعميم الصوم تلك العبادة الشاقة، لأن الشئ الشاق إذا عم سهل تحمله، وذكر في القول الثاني أن التشبيه يعود إلى وقت الصوم وإلى قدره، وهذا ضعيف؛ لأن تشبيه الشيء بالشيء يقتضي استوائهما في أمر من الأمور، ولا يجوز أن يقتضي الاستواء في كل الأمور.
للصوم في الإسلام مراحل تشريعية من قبل أن يفرض على المسلمين صوم شهر رمضان كاملا إلى أن استقرت الأحكام واكتمل الدين، فمن خصائص التشريع الإسلامي للأحكام أن الله هو الذي شرع الأحكام، فكان بيانها على لسان رسوله خلال فترة نزول الوحي، فلم تشرع الأحكام كلها جملة واحدة، بل كانت بالتدرج في تشريعها، بطريق التعليم الرباني الذي يقصد به، تعليم الأحكام شيئا فشيئا.
وتركزت مراحل التشريع الإسلامي في بدايتها على الإيمان بالله والبرهنة على وجود الله وأنه خالق كل شيء، والمستحق وحده للعبادة، ومن ثم فإن الكثير من الأحكام لم تشرع إلا بعد الهجرة إلى المدينة المنورة، بما فيها الصوم الذي هو في نفس الوقت لم يشرع جملة واحدة، بل شرع في مراحل، وكان المسلمون قبل أن يفرض عليهم صوم رمضان يصومون ثلاثة أيام من كل شهر، ويوم عاشوراء الذى كان الناس في الجاهلية يصومونه، احتفاء بنجاة موسى وقومه وغرق فرعون، فصامه النبي وأمر بصيامه قائلا نحن أحق بموسى منهم، وعندما هاجر إلى المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فرض شهر رمضان قال “من شاء صامه ومن شاء تركه”.
وكان فرض الصوم في أول فرضه على المسلمين في أيام معدودات، وليس في كل يوم لئلا يشق على النفوس، فتضعف عن حمله وأدائه، بل جعل فرضه في أيام قلائل، هي أيام من شهر رمضان، وكان الصوم على التخيير، في بداية فرضه، فعن معاذ بن جبل قال كان الصيام في ابتداء الأمر من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم عن كل يوم مسكينا، ثم نسخ حكم التخيير بآية فرض صوم رمضان، وهكذا روى البخاري عن سلمة بن الأكوع، ثم فرض صيام الشهر كله بقوله تعالى: ﴿فمن شهد منكم الشهر فليصمه﴾٠
المصدر : أ ش أ