في الوقت الذي يتجه فيه العالم نحو التعاون والتكاتف لمواجهة تداعيات جائحة كورونا، إما من خلال توحيد الجهود للتوصل لمصل أو لقاح ضد الفيروس، وإما لتوثيق أطر ومجالات التعاون عبر مختلف القطاعات والمستويات، تقوم إيران باتخاذ حزمة من الإجراءات التي وصفها مراقبون بـ “الاستفزازية” تزيد من حدة التصعيد والتوتر مع الولايات المتحدة الأمريكية.
ويكتسب التصعيد والتوتر الراهن بين واشنطن وطهران، وتحديداً خلال هذه الفترة اهتماماً كبيراً، لأنه يأتي في وقت يشهد فيه الداخل الإيراني ارتباكاً في المشهد السياسي، حيث برز مؤخراً تصعيد بين الرئيس الإيراني حسن روحاني وكل من الحرس الثوري والسلطة القضائية وتيار المحافظين الأصوليين بشكل عام على خلفية تقارير رقابية أثارت شكوكاً لدى المسئولين الإيرانيين، وكذلك على خلفية تفاقم تداعيات العقوبات الأمريكية وانتشار فيروس “كورونا”.
وقد تزامنت هذه التصرفات والإجراءات الإيرانية مع الذكرى الأولى لتوقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على مرسوم يصنف فيه الحرس الثوري الإيراني “منظمة إرهابية”، ولعل من أبرز الإجراءات الإيرانية التي اتخذتها في الآونة الأخيرة تجاه واشنطن ما يلي:
أولاً: في خطوة تصعيد جديدة، أعلنت إيران بأنها أطلقت مؤخراً أول قمر صناعي عسكري، بعد شهرين من فشل وضع قمر صناعي علمي في المدار في التاسع من فبراير الماضي، وقد أدانت فرنسا والولايات المتحدة إطلاق القمر حينها واتهمتا طهران بالعمل على تعزيز خبرتها في مجال الصواريخ البالستية من طريق إطلاق أقمار صناعية، كما كانت الولايات المتحدة قد وصفت إطلاق طهران صاروخاً بهدف وضع قمر صناعي في المدار في يناير 2019 بأنه “استفزاز” وانتهاك لقرار مجلس الأمن”.
ودعا وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى ضرورة محاسبة إيران لانتهاكها قرارات مجلس الأمن، وقال: “أعتقد أنه ينبغي محاسبة الإيرانيين على ما فعلوه. إنهم لديهم الآن منظمة عسكرية، تصنفها الولايات المتحدة منظمة إرهابية، تحاول إطلاق قمر صناعي”.
ويعتقد مراقبون أن واشنطن تخشى من أن التكنولوجيا الباليستية طويلة المدى المستخدمة في وضع الأقمار الصناعية في المدار يمكن أن تُستخدم أيضا في إطلاق رؤوس حربية نووية.
ثانياً: إقدام مجموعة من إحدى عشر زورقاً سريعا تابعا لبحرية الحرس الثوري الإيراني، على مناورات وصفها مراقبون بأنها “خطيرة وتنطوي على تحرش” قرب بوارج أمريكية في الخليج العربي في الخامس عشر من أبريل الحالي، في أول احتكاك بحري بعد أيام من تجدد التوتر بين القوات الأمريكية والميليشيات العراقية الحليفة مع طهران.
ومن هنا جاء أمر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الثاني والعشرين من أبريل الجاري، للبحرية الأمريكية بتدمير أي زوارق إيرانية إذا تحرشت بالسفن الأمريكية في البحر.
وقال ترامب عبر حسابه الرسمي في “تويتر” إنه أمر البحرية الأمريكية “بإسقاط وتدمير” السفن الإيرانية التي تقوم بالتحرش بالسفن الأمريكية في عرض البحر. وقال في تغريدة: “لقد أمرت البحرية الأمريكية بإسقاط وتدمير الزوارق الحربية الإيرانية إذا تحرشوا بسفننا في البحر”.
ويفسر المراقبون والمحللون تصريحات الرئيس الأمريكي أنها تستهدف توجيه تحذير لطهران، مع التأكيد أن الجيش الأمريكي سيواصل الاحتفاظ بحقه في الدفاع عن النفس طبقا للقواعد للقواعد القانونية الدولية القائمة دون أي تغيير.
وأشار مراقبون إلى أن مثل هذه الحوادث شائعة بين القوات الإيرانية والأمريكية في الخليج العربي ومضيق هرمز، الذي يمر من خلاله خمس النفط العالمي، حيث تقوم قوات “التحالف الدولي لأمن وحماية الملاحة البحرية”، الذي تقوده الولايات المتحدة، بردع أي هجمات إيرانية محتملة في المنطقة.
أشارت تقارير إعلامية إلى أن ثمة اعتبارات أخرى أضفت مزيداً من الأهمية للسجال السياسي والتوتر والتصعيد الحاصل بين أمريكا وإيران، في ظل تداعيات جائحة كورونا على النحو التالي:
أولاً: تعرض حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني لانتقادات حادة، بسبب الإجراءات التي تتخذها الحكومة سواء في التعامل مع انتشار الفيروس أو مع العقوبات الأمريكية الجديدة المقررة في 26 مارس الماضي، وشملت أفراداً وشركات في إطار برنامج “مكافحة الإرهاب”.
جاء مصدر الانتقادات لأداء الحكومة الإيرانية نابعاً من فريقين من حلفاء الرئيس روحاني الإصلاحيين، على رأسهم رئيس مجلس بلدية طهران، محسن هاشمي ومن خصومه المحافظين، وفي مقدمتهم عمدة طهران السابق والرئيس المتوقع للبرلمان الجديد، محمد باقر قاليباف رئيس التكتل الرئيسي للتيار الذي فاز بأغلبية مقاعد مجلس الشورى في دورته الجديدة.
وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني قد دخل على خط السجال الدائر حول الإحصاءات الرسمية الخاصة بضحايا فيروس “كورونا” المستجد، في بداية الشهر الثالث على تفشي الوباء، ووصف منتقديه بـ”فئة قليلة تحولت من ربح العقوبات إلى الربح من (كورونا)”، في وقت حذر فيه من الاعتقاد بنهاية “كورونا”.
ثانياً: أنه من اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الجديدة في إيران التي سوف تجرى في منتصف عام 2021، يسعى تيار المحافظين الأصوليين من خلالها إلى استعادة السيطرة على موقع الرئيس، وبالتالي فإن إثارة التوتر مجدداً مع الويات المتحدة خلال هذه الآونة، تعد ورقة مهمة من أوراق المناورة السياسية، في المشهد السياسي الإيراني خلال الفترة المقبلة، خاصة أن تيار المحافظين الأصوليين يسعى إلى توظيف الداخل الإيراني الحالي، سواء ما يتعلق بتداعيات العقوبات أو بتأثيرات انتشار “كورونا”، لتعزيز فرصه في المنافسة على منصب الرئيس والعودة إليه من جديد بعد فقدانه لمدة ثماني سنوات.
وفي إشارة ضمنية إلى خصومه المحافظين، قال روحاني: “إن الانتخابات الرئاسية انتهت منذ ثلاث سنوات وانتخابات البرلمان أيضا انتهت والعام المقبل ستكون انتخابات رئاسية، إنه ليس من الجيد النزاع وسوء الأخلاق أبدا، لكن إذا كان يريد البعض ذلك، فليكن العام المقبل”.
يُشار إلى أن التوتر المزمن بين طهران وواشنطن تفاقم منذ أن قرر دونالد ترمب في مايو 2018 الانسحاب من جانب واحد من الاتفاقية النووية الدولية مع إيران الموقعة في 2015 وإعادة فرض عقوبات اقتصادية شديدة على إيران، وبلغ التوتر أشده بعد مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني في غارة أمريكية في بغداد في الثالث من يناير الماضي.
يبقى القول إن التصعيد والتوتر الحالي بين واشنطن وطهران، يرتبط في أحد أبعاده بالمشهد السياسي الداخلي في إيران، وبالكثير من قضايا المنطقة الأخرى السياسية والاقتصادية بل والأمنية، إقليمياً وعالمياً.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)