وسط محاولات حشد الجهود الدولية لوقف الحرب الاسرائيلية ضد قطاع غزة والدفع نحو إحياء مفاوضات السلام وحل الدولتين، يلتقي وزراء خارجية دول حوض البحر الأبيض المتوسط غدًا الاثنين بمدينة برشلونة الإسبانية، ضمن أعمال المنتدى الاقليمي السنوي للاتحاد من أجل المتوسط في نسخته الثامنة، برئاسة الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، نائب رئيس المفوضية الأوروبية، جوزيب بوريل، جنبًا إلى جنب مع نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني أيمن الصفدي وبمشاركة وزير الخارجية سامح شكري .
وتنعقد النسخة الثامنة من المنتدى الاقليمي للاتحاد من أجل المتوسط في توقيت بالغ الأهمية بالنظر إلى الأوضاع الحرجة التي تمر بها المنطقة، وتباين في مواقف الدول الاعضاء البالغ عددهم ٤٣ – ومن بينهم فلسطين وإسرائيل- من الحرب الدموية التي يشهدها قطاع غزة، الا أنها تعد في الوقت ذاته فرصة هامة لتبادل وجهات النظر إزاء المشهد المعقد بقطاع غزة والدفع نحو تعزير التعاون الاقليمي والجهود الرامية إلى الضغط نحو وقف إطلاق النار لحماية المدنيين الذين يتعرضون لمعاناة إنسانية غير مسبوقة.
و كان من المفترض أن يتم التركيز خلال نسخة هذا العام من المنتدى على الاحتفاء بمرور خمسة عشر عامًا على تأسيس الاتحاد من أجل المتوسط، وعلى مشروعات التكامل الاقليمي، والانجازات التي تحققت منذ انطلاق الاتحاد، إلا أن الحرب التي تلت أحداث السابع من أكتوبر المنصرم قد فرضت نفسها على جدول أعمال الاجتماع الاورومتوسطي ليتم تخصيصه هذا العام لمناقشة تطورات الأوضاع في غزة.
وقد ذكر الاتحاد من أجل المتوسط، في بيانه بهذه المناسبة، أن وزراء الخارجية الأورومتوسطيين سيبحثون، في اجتماعهم الإثنين، الوضع الحرج في إسرائيل وغزة وسيتم التركيز على التداعيات المحتملة في الإقليم، مضيفًا أن المنتدى الاقليمي، الذي يأتي في إطار احتفاله بالذكرى الخامسة عشرة لتأسيس الاتحاد، يُعد مناسبة مثلى لتحليل الوضع المأساوي اﻟﻘـــﺎﺋﻢ في المنطقة واستكشاف السبل المستقبلية.
ويحضر اجتماع وزراء الخارجية الأورومتوسطيين -الذي يعقد في ضيافة “خوسيه مانويل ألباريس” وزير خارجية أسبانيا، الرئيس الحالي لمجلس الاتحاد الأوروبي، والسفير ناصر كامل الأمين العام للاتحاد من أجل المتوسط- الأمير فيصل بن فرحان وزير خارجية المملكة العربية السعودية ممثلًا عن اللجنة الوزارية العربية الإسلامية التي سوف تعرض مخرجات وقرارات القمة العربية – الإسلامية الأخيرة، بالإضافة إلى المشاركة في المائدة الوزارية المستديرة التي ينظمها المنتدى الوزاري للاتحاد من أجل المتوسط تحت عنوان “تطورات الوضع في إسرائيل وفلسطين-غزة والمنطقة”.
السفير رخا أحمد حسن، مساعد وزير الخارجية الأسبق، يؤكد الأهمية البالغة لاجتماع وزراء خارجية دول المتوسط ببرشلونة في ظل ما يحدث بقطاع غزة من مجازر وقتل للمدنيين والأطفال، الأمر الذي أفزع أوروبا كلها.
وأشار في هذا الصدد إلى زيارة “بيدرو سانشيز” رئيس وزراء إسبانيا (الرئيس الحالي لمجلس الاتحاد الاوروبي) ، و”ألكسندر دي كرو” رئيس وزراء بلجيكا (الرئيس القادم للاتحاد الاوروبي)، إلى مصر الجمعة الماضية، وتصريحاتهم المهمة -التي أغضبت الحكومة الاسرائيلية- عقب ما شاهدوه بأنفسهم على معبر رفح وما استمعوا اليه خلال لقائهم بالرئيس عبد الفتاح السيسي.
وتابع أن تصريحات إسبانيا وبلجيكا تؤكد أن هناك رغبة أوروبية حقيقية في وقف إطلاق النار والتوجه نحو الاقتراح الذي عرضه الرئيس عبد الفتاح السيسي حول الاعتراف بدولة فلسطين، وذلك باعتبار أن المفاوضات لحل الدولتين ستستدعي وقتًا طويلا ولن تكون في ظل حكومة بنيامين نتنياهو الحالية.
وأضاف أن هذا المشهد الصعب يدعو ملتقى وزراء خارجية دول المتوسط ببرشلونة لتداول الآراء، لافتًا الى أهمية العرض الذي سيقدمه وزير الخارجية سامح شكري أمام الاجتماع في ضوء حضور دول الاتحاد الاوروبي ما يصب في جهود الحشد أولًا لتمديد الهدنة المؤقتة وثانيًا للتفكير جديًا في الضغط على إسرائيل لوقف كامل لاطلاق النار.
وحول وجود كل من إسرائيل وفلسطين كدول أعضاء داخل الاتحاد من أجل المتوسط وتأثير ذلك على الاجتماع ، رأى السفير رخا أحمد حسن أن معظم الدول تتعاطف مع الفلسطينيين، وأنه بالرغم من وجود إسرائيل كعامل معرقل الا انه سيصل بالتأكيد لدولة الاحتلال رسالة قوية خلال “اجتماع برشلونة” مفادها أن العالم غاضب وضج من مذابح الاطفال والأبرياء ومن محاولتها تجويع وتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه.
وأعرب السفير رخا أحمد حسن عن اعتقاده من أن مؤتمر وزراء خارجية دول الاتحاد من أجل المتوسط سيطالب بإسراع دخول وتدفق المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة التي تحتاج لكم كبير جدًا من المواد الإغاثية والأدوية والمعدات الطبية والوقود وغيرها من الاحتياجات الأساسية.
من جانبه، يقول سفير مصر الأسبق لدى الجزائر وتونس، السفير أيمن مشرفة، في تصريح خاص لوكالة أنباء الشرق الاوسط، إن الصراع العربي الاسرائيلي يلقي بظلاله هذا العام على اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد من أجل المتوسط ، بل وعلى مجمل التعاون المتوسطي في مختلف المجالات، وذلك بالرغم من أن أهداف المنظمة الأورومتوسطية ليست سياسة في المقام الأول، بل تركز على التعاون والتكامل بين ضفتي المتوسط في مجلات تعود بالنفع علي شعوب المنطقة التي تواجه تحديات متعددة وعلى رأسها الهجرة غير الشرعية وتغيير المناخ والتصحر والتلوث، و كلها مجالات لها أولوية متقدمة على أجندة الاتحاد وتعد أحد أهدافه.
وأكد مساعد وزير الخارجية الأسبق أن “اجتماع برشلونة” سيسمح للدول الأوروبية ولدول جنوب المتوسط بالتباحث حول الحرب الجارية و الأوضاع في فلسطين، وتداعياتها على السلم والأمن الإقليمي.
وشدد على أهمية انتهاز هذا اجتماع الذي يجمع بلدان ضفتي المتوسط؛ لمحاولة تقريب وجهات النظر لا سيما في ظل الاتهامات الموجهة لبعض الدول الأوروبية، الواقعة شمالًا، بازدواجية المعايير و دعمها لحجة اسرائيل في الدفاع عن نفسها من ناحية، في حين تعتبر دول الجنوب، من ناحية اخرى، أن دولة الاحتلال ليس لها هذا الحق، بل عليها تحمل مسئوليتها القانونية إزاء الشعب الذي تحتل أرضه.
واعتبر أنه بعد مرور نحو خمسين يومًا على تلك الحرب الوحشية، فإن الأمور و الأهداف قد اتضحت أكثر فأكثر عقب أن دمرت الحرب قطاع غزة و قتلت الآلاف وشردت الأطفال ودفعت أكثر من اثنين مليون مواطن على النزوح نحو الجنوب، مستشهدًا في هذا الشأن بتغيير بعض الدول الغربية لمواقفها بعد أن كانت تساند إسرائيل في بداية الأزمة.
ولفت إلى زيارة رئيسي وزراء إسبانيا وبلجيكا إلى مصر ولقائهما بالرئيس عبد الفتاح السيسي، وتصريحاتهم في ختام الزيارة التي أكدت اهتمام الجانب الأوروبي بضرورة وقف نزيف الدم الفلسطيني وإطلاق النار كخطوة أولى لإطلاق مبادرة سلام تقوم على أساس حل الدولتين وفقًا للشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
وأبرز أن العنف وجرائم الحرب والإبادة التي تم ارتكباها خلال تلك الحرب والتي شاهدها الجميع وتم توثيقها في ضوء التقدم التكنولوجي لوسائل الاتصال، حركت الضمير الإنساني ودفعت شعوب العالم الحر للخروج إلى أكبر ساحات العالم للتعبير عن رفضهم لتلك الحرب اللاإنسانية، ما مثل ضغطًا على مواقف الكثير من البلدان.
ورأى أنه لا بد من التأكيد خلال اجتماعات برشلونة على أن الحرب لن تحل الصراع ولن تجلب الأمن لإسرائيل، بل إن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود ٤ يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية هي الضمان الوحيد للعيش بسلام جنبًا إلى جنب.
ونوه السفير مشرفة بأهمية مشاركة وزير الخارجية سامح شكري في اجتماعات برشلونة، في إطار الاتصالات المكثفة و الجهود المضنية التي تبذلها القيادة المصرية و دبلوماسيتها لحماية القضية الفلسطينية و إنهاء الحرب وإعادة الأمن والاستقرار للمنطقة، مختتمًا بالتذكير بأن مصر من الدول المؤسسة للاتحاد من أجل المتوسط عام ٢٠٠٨ وأحد أبرز الأعضاء المنخرطين في مختلف أنشطة المنظمة ولها دور بارز بالمتوسط.
من جهته، أكد سفير مصر الأسبق لدى المانيا، السفير الدكتور محمد حجازي، في تصريح خاص لوكالة أنباء الشرق الاوسط، أن منتدى دول الاتحاد من أجل المتوسط ينعقد في توقيت شديد الأهمية؛ حيث تحتاج الاوضاع المأسوية في قطاع غزة لتنسيق الجهود والاتصالات الدولية.
وأوضح مساعد وزير الخارجية الأسبق أن الاجتماع الوزراي الثامن لوزراء خارجية المتوسط يكتسب أهمية خاصة هذا العام خاصة وسط حضور الشركاء الاوروبيين والمتوسطين؛ إذ سيشهد تواصل وزير خارجية إسبانيا مع اللجنة الوزارية العربية الإسلامية للإحاطة بقرارات “قمة الرياض”، علاوة على مشاركة اللجنة في المائدة المستديرة للاتحاد من أجل المتوسط للوقوف على تطورات الاوضاع في إسرئيل وفلسطين والشرق الاوسط.
واعتبر أن تلك الاجتماعات شديدة الأهمية ستسهم في صياغة موقف دولي ضاغط على الحكومة الاسرائيلية اليمينية لتمديد الهدنة ووقف اطلاق النار بما يسمح باطلاق مسار سياسي والخروج من الموقف الذي يهدد أمن واستقرار المنطقة بل والعالم ويقدم نموذجًا لانتهاك القانون الدولي الإنساني ، وهو ما يجب ألا تقبل به الأسرة الدولية.
وسلط السفير حجازي الضوء على مشاركة الوزير سامح شكري في الاجتماعات لتجديد الرؤية التي طرحها الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال مباحثاته بالقاهرة مع رئيسي وزراء إسبانيا وبلجيكا، والتي أكد خلالها أهمية العمل من أجل تقديم المساعدات الإنسانية المستدامة وعلى الفور لإغاثة أبناء غزة ووقف إطلاق النار مع التصدي لمخططات التطهير العرقي والتهجير القسري التي كانت تنوي عليها إسرائيل، ثم الانتقال بعد ذلك للبحث عن أفق سياسي لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وهو الحل الذي ارتضاه المجتمع الدولي ويعد المدخل الوحيد لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.
يشار إلى أن الاتحاد من أجل المتوسط يجمع في عضويته الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والبالغ عددهم 28 دولة، إضافة إلى تركيا وإسرائيل والبوسنة والهرسك وألبانيا وموناكو والجبل الأسود والجزائر ومصر والأردن ولبنان وموريتانيا والمغرب وفلسطين وسوريا وتونس.
المصدر : وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)