رحل الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، الجمعة، بعد مسيرة حافلة بالإنجازات المحلية والعربية والعالمية تزخر بالعطاء وخدمة الوطن وأبنائه، وترك سيرة ذاتية ستبقى نبراسا تقتدي بها أجيال دولة الإمارات.
ولد الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان عام 1948 في قلعة المويجعي في مدينة العين، وهو النجل الأكبر للراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. ووالدته هي الشيخة حصة بنت محمد بن خليفة بن زايد آل نهيان.
وينتمي الشيخ خليفة إلى قبيلة بني ياس، التي تعتبر القبيلة الأم لمعظم القبائل العربية التي استقرت فيما يعرف اليوم باسم دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي عُرفت تاريخيا باسم “حلف بني ياس”.
وعاش الشيخ خليفة مع عائلته في قلعة المويجعي في مدينة العين، وتلقى تعليمه المدرسي في المدينة نفسها بالمدرسة النهيانية التي أنشأها الشيخ زايد.
وقضى الشيخ خليفة معظم طفولته في واحات العين، والبريمي، بصحبة والده الذي حكم منطقة العين في ذلك الوقت.
وحرص الشيخ زايد على اصطحاب نجله الأكبر في معظم نشاطاته، وزياراته اليومية، في منطقتيّ العين والبريمي، حيث كان للواحتين أهمية اقتصادية واستراتيجية لإمارة أبوظبي كأكبر منتج زراعي، وكمركز استراتيجي رئيسي لأمن المنطقة.
وظل الشيخ خليفة ملازما لوالده الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في مهمته الصعبة لتحسين حياة القبائل في المنطقة، وإقامة سلطة الدولة، مما كان له الأثر الكبير في تعليمه القيم الأساسية لتحمل المسؤولية والثقة والعدالة.
ولازم الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان المجالس العامة، والتي تعد مدرسة مهمة لتعليم مهارات القيادة السياسية في ذلك الوقت، مما وفّر له فرصة واسعة للاحتكاك بهموم المواطنين، وجعلته قريبا من تطلّعاتهم وآمالهم، كما أكسبته مهارات الإدارة والاتصال.
ورأى الشيخ خليفة تفاني والده لتحقيق الرخاء والرفاهية للقبائل، وحرصه على الحفاظ على أمنهم ووحدتهم الوطنية، ومبادراته في رعاية البيئة، والحفاظ على التراث الشعبي. وأصبح مؤمناً أن القائد الحقيقي هو الذي يهتم برفاهية شعبه.
وعندما انتقل الشيخ زايد آل نهيان إلى مدينة أبوظبي ليصبح حاكم الإمارة في أغسطس 1966، عين نجله الشيخ خليفة، الذي كان عمره 18 عاما في ذلك الوقت، ممثلا له في المنطقة الشرقية ورئيس المحاكم فيها. واعتبر هذا التفويض دليلا على ثقة الوالد المؤسس.
وسار الشيخ خليفة على خطى والده، واستمر في تنفيذ المشاريع التنموية الكبرى في المنطقة الشرقية، خاصة تلك التي تهدف إلى تحسين الزراعة.
وكان نجاحه الملحوظ في العين بداية حياة مهنية طويلة في خدمة الشعب، وبداية تولي دوره القيادي بسهولة، ومهارة سجلتها إنجازاته الكبرى.
وخلال السنوات التالية، شغل الشيخ خليفة عدداً من المناصب الرئيسية، وأصبح المسؤول التنفيذي الأول لحكومة والده الشيخ زايد بن سلطان، وتولى مهام الإشراف على تنفيذ جميع المشاريع الكبرى.
وفي 1 فبراير 1969، تم ترشيح الشيخ خليفة كولي عهد إمارة أبوظبي، وفي اليوم التالي، تولّى مهام دائرة الدفاع في الإمارة.
وأنشأ الشيخ خليفة دائرة الدفاع في أبوظبي، والتي أصبحت فيما بعد النواة التي شكلت القوات المسلحة لدولة الإمارات العربية المتحدة.
وفي 1 يوليو عام 1971، وكجزء من إعادة هيكلة حكومة أبوظبي، تم تعيينه حاكما لأبوظبي ووزيرا محلياً للدفاع والمالية في الإمارة.
وفي 23 ديسمبر 1973، تولى الشيخ خليفة منصب نائب رئيس الوزراء في مجلس الوزراء الثاني.
وبعد ذلك بوقت قصير، في 20 يناير 1974، تولّى مهام رئاسة المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، والذي حل محل الحكومة المحلية في الإمارة.
وأشرف الشيخ خليفة على المجلس التنفيذي في تحقيق برامج التنمية الشاملة في إمارة أبوظبي، بما في ذلك بناء المساكن، ونظام إمدادات المياه والطرق، والبنية التحتية العامة التي أدت إلى إبراز حداثة مدينة أبوظبي.
وتأسس جهاز أبوظبي للاستثمار عام 1976 بناء على أوامر من الشيخ خليفة بن زايد، بهدف إدارة الاستثمارات المالية في الإمارة، لضمان توفير مصدر دخل ثابت للأجيال القادمة.
وتمّ انتخاب الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيساً لدولة الإمارات في 3 نوفمبر 2004، في أعقاب وفاة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في 2 نوفمبر 2004.
وشارك الشيخ خليفة على نطاق واسع في مجالات التنمية الأخرى في البلاد، وفي مايو 1976، عُيّن نائبا للقائد الأعلى للقوات المسلحة لدولة الإمارات العربية المتحدة، في أعقاب القرار التاريخي للمجلس الأعلى للاتحاد بدمج القوات المسلحة تحت قيادة واحدة وعلم واحد.
وانصرف جُل اهتمام الشيخ خليفة إلى جعل المؤسسة العسكرية معهداً كبيراً متعدد الاختصاصات، يتم فيه إعداد كوادر بشرية مدربة، فأنشأ عدة كليات، وأمر بشراء أحدث المعدات والمنشآت العسكرية.
وبالإضافة إلى ذلك، قام الشيخ خليفة بإنشاء دائرة أبوظبي للخدمات الاجتماعية والمباني التجارية المعروفة باسم (لجنة خليفة) في عام 1981، ويقدم القسم قروض البناء للمواطنين.
وكان المنصب المهم الآخر الذي شغله الشيخ خليفة في أواخر ثمانينيات القرن الماضي هو قيادة “المجلس الأعلى للبترول (الذي تم نقل صلاحياته إلى المجلس الأعلى للشؤون المالية والاقتصادية). وشكّلت عملية تطوير المنشآت البتروكيماوية والصناعية في الإمارات جزءاً من برنامج طويل الأمد، يستهدف تنويع اقتصاد البلاد باعتباره من أولوياته.
وفي عام 1991، أسس الشيخ خليفة هيئة القروض لتوفير العقارات لمواطني الإمارة، لأغراض السكن والاستثمار على حد سواء.
وشغل حتى عام 2006 منصب رئيس مجلس إدارة صندوق أبوظبي للتنمية الذي يشرف على برنامج المساعدات الخارجية الإنمائية لدولة الإمارات.
وكان الشيخ خليفة الرئيس الفخري لهيئة البيئة – أبوظبي .
وتمّ انتخاب الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيساً لدولة الإمارات في 3 نوفمبر 2004، كذلك تولى مهامه كحاكم لإمارة أبوظبي إثر وفاة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي انتُخب أول رئيس للبلاد في 2 ديسمبر 1971، وحتى تاريخ وفاته في 2 نوفمبر 2004.
بعد انتخابه رئيساً لدولة الإمارات، أطلق الشيخ خليفة خطته الاستراتيجية الأولى لحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة لتحقيق التنمية المتوازنة والمستدامة، وضمان الرخاء للمواطنين.
وكان من أهدافه الرئيسية كرئيس لدولة الإمارات العربية المتحدة السير على نهج والده الذي آمن بدور دولة الإمارات الريادي كمنارة تقود شعبها نحو مستقبل مزدهر يسوده الأمن والاستقرار.
وأشرف الشيخ خليفة على تطوير قطاعي النفط والغاز، والصناعات التحويلية التي ساهمت بنجاح كبير في التنوع الاقتصادي في البلاد.
كما قام بجولات واسعة في جميع أنحاء دولة الإمارات العربية المتحدة، لدراسة احتياجات الإمارات الشمالية، وأمر ببناء عدد من المشاريع السكنية، والطرق، ومشاريع التعليم، والخدمات الاجتماعية.
بالإضافة إلى ذلك، أطلق مبادرة لتطوير السلطة التشريعية، من خلال تعديل آلية اختيار أعضاء المجلس الوطني الاتحادي، بشكل يجمع بين الانتخاب والتعيين، مما يتيح اختيار نصف أعضاء المجلس الوطني الاتحادي عبر انتخابات مباشرة من شعب دولة الإمارات.
وللأنشطة الرياضية نصيب كبير من اهتمام الشيخ خليفة الذي يحرص على متابعتها بشكل مستمر، وخاصة كرة القدم، وله إسهامات مادية كبيرة في دعم وتكريم الفرق، والأندية الرياضية المحلية، التي تحقق بطولات محلية وإقليمية ودولية.
وفي عام 2009، أُعيد انتخاب الشيخ خليفة بن زايد رئيساً لدولة الإمارات، وقد تعهد بمواصلة تنفيذ استراتيجيات طموحة للتنمية السياسية، والإدارية، والاقتصادية، والاجتماعية والثقافية التي كان قد بدأ فيها. وكان لقيادته الرشيدة، واهتمامه بمصالح الدولة الاتحادية الفضل في تجاوز الأزمات المالية، والإقليمية.
وأكد الشيخ خليفة على ضرورة إجراء تطويرات سياسية، لا تقتصر فقط على طرق الحوكمة، بل تشمل أيضاً إصلاحات مجتمعية ترفع من شأن الوطن والمواطن في كافة الميادين، وتعزز الانتماء الوطني.
بالإضافة إلى ذلك، حرص الشيخ خليفة أيضاً على انتهاج سياسة خارجية نشطة، تدعم مركز دولة الإمارات كعضو بارز وفعّال، إقليمياً، وعالمياً.
ويعتبر الشيخ خليفة من أشدّ المناصرين لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، ويؤمن أن نجاح وإنجازات هذا المجلس تعكس عمق التلاحم بين قادته.
كما أظهر الشيخ خليفة التزامه بتعزيز العلاقات الدولية من خلال استقبال قادة من دول آسيا، وأوروبا، والدول العربية الأخرى.
كما قام الشيخ خليفة بزيارات إلى دول آسيا الوسطى، لتوطيد علاقاته معها بعد تفكك الاتحاد السوفييتي.
وانتهج الشيخ خليفة سياسات إغاثية وإنمائية تدعم الدول والشعوب المحتاجة، بالإضافة إلى المساعدات الحكومية لدولة الإمارات.
وتعتبر مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية ثالث أكبر جهة مانحة للمساعدات الخارجية في دولة الإمارات، حيث وصلت مساعداتها المختلفة لأكثر من 70 دولة في مختلف أنحاء العالم.
واستجاب للعديد من حالات الطوارئ والأزمات الإنسانية لتلبية نداء المتضررين والمنكوبين والمهجرين أينما كانوا سواء في مشارق الأرض أو مغاربها، مثل تقديم المعونات الإغاثية بعد كارثة تسونامي في المحيط الهندي عام 2004 وزلزال عام 2005 الذي دمر جزءا كبيرا من شمال باكستان، والمناطق المجاورة في الهند.
المصدر: وكالات