مثل استطلاع هلال شهر رمضان بداية لاحتفالات المسلمين في شتى بقاع الارض بحلول هذا الشهر الكريم، وتختلف طقوس استطلاع الهلال والاحتفالات ببداية الصوم من بلد إلى آخر، لكن مصر تتميز عن سائر المدن العربية برونقها الخاص في الاحتفال بقدوم هذا الشهر، إذ تقام مظاهر للترحيب به على المستويين الرسمى والشعبى.
فعلى المستوى الشعبى، فقد دبت فى الشوارع والأسواق حركة نشيطة للشراء واكتظت المحال التجارية بالزبائن، وامتلئت بكافة المستلزمات التي يقبل الصائمون على شرائها، وتوفرت السلع رغم ارتفاع أسعار بعضها، وانتشرت الفوانيس بكافة أشكالها وأحجامها مزينة بألوان زاهية، وبدأ الاستعداد فى المساجد للابتهالات والمدائح النبوية وجلسات الذكرالروحانية، وصلاة التراويح، وتم الاستعداد لاستقبال ضيوف “موائد الرحمن” التى تتوفر طوال شهر رمضان، وهى موائد إفطار مجانية لعابري السبيل والفقراء، وهدأت الشوارع قبل الافطار لتداخل حلول شهر رمضان هذا العام مع امتحانات نهاية العام لطلاب الثانوية العامة والجامعات.
مراسم استطلاع رؤية هلال الشهر الكريم تختلف بين اليوم والأمس، حيث تغيرت طريقة الرصد مع التقدم التكنولوجي وتغير نمط الحياة، حيث كانت مصر تحتفل في الثلاثينات من القرن الماضي برؤية هلال رمضان، في اليوم التاسع والعشرين من شهر شعبان، وكانت الاحتفالات كبيرة وعظيمة يحضرها كبار القوم وكبار رجال الدولة في العاصمة والمدن الكبرى، بالإضافة إلى الاحتفالات الشعبية التي كانت تقام في الشوارع، والإعداد للشهر الكريم من تعليق الزينات ووضع مكبرات الصوت لتلاوة القرآن الكريم.
وقديما كانت توكل مهمة الرؤية إلى القضاة، والذين كانوا يقومون باستطلاع الهلال ويعلنون عن بداية الشهر، حيث كانت تعد لهم دكة على سفح جبل المقطم عرفت بـ”دكة القضاة”، يخرجون إليها لاستطلاع الأهلة، وفي العصر الفاطمي بنى القائد بدر الجمالي مسجدا له على سفح المقطم، استخدمت مئذنته كمرصد لرؤية هلال رمضان.
ويرجع إلى الفاطميين سن ما يعرف بموكب أول رمضان أو موكب رؤية الهلال، والذى أصبح عادة استمرت في العصر المملوكي، فكان قاضي القضاة يخرج في موكب محاط بالشموع والفوانيس لرؤية الهلال، ومعه القضاة الأربعة كشهود على الرؤية، وكان يشارك في الموكب المحتسب وأرباب الحرف والصناعات وكبار تجار القاهرة.
وفي عصر المماليك تم نقل مكان الرؤية إلى منارة مدرسة المنصور قلاوون، فإذا تحققت رؤية الهلال أضيئت الأنوار في الشوارع وفي المآذن و المساجد، إيذانا ببدء شهر الصوم، ثم يخرج قاضي القضاة في موكب تحيط به جموع الشعب حاملة المشاعل والفوانيس حتى يصل لداره، ثم تتفرق الطوائف إلى أحيائها معلنة الصيام، ويتم اختيار قاضي القضاة لما يمثله من مكانة لاستطلاع الهلال وإعلان الصيام، ولما لهذه المناسبة من تقدير وقدسية في نفوس وحياة المسلمين، كونها بداية لأكثر الشهور قدسية وعبادة في الإسلام.
وعاد استطلاع الهلال مرة أخرى إلى سفح المقطم في العصر العثماني، فكان القضاة الأربعة وبعض الفقهاء والمحتسب بالمدرسة المنصورية في بين القصرين، يجتمعون ثم يتجهون جميعا ويتبعهم دراويش الصوفية وأرباب الحرف وكبار التجار إلى مكان مرتفع بجبل المقطم حيث يترقبون ظهور الهلال، فإذا ثبتت رؤيته عادوا وبين أيديهم المشاعل والقناديل إلى المدرسة المنصورية، ويعلن المحتسب ثبوت رؤية هلال رمضان وبداية الصوم، واستمر الأمر على هذا النحو إلى أن أمر الخديوي عباس حلمي الثاني بنقل مكان إثبات رؤية الهلال إلى المحكمة الشرعية بباب الخلق.
وظلت مهمة استطلاع الأهلة وإعلان الصيام تسند إلى القضاة، إلى أن تم إنشاء دار الإفتاء المصرية أواخر القرن التاسع عشر، وأسندت إليها مهمة استطلاع هلال رمضان والاحتفال به، وتقوم الإفتاء بهذه المهمة كل عام بعد غروب شمس يوم التاسع والعشرين من شهر شعبان، ويتم ذلك من خلال لجانها الشرعية والعلمية المنتشرة بجميع أنحاء مصر.
وتعلن الإفتاء نتيجة الاستطلاع وتقيم الاحتفالات، التي يحضرها كبار رجال الدولة والمشايخ والعلماء، وعلى رأسهم مندوب رئيس الجمهورية، والإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر، ومفتي الجمهورية، ووزير الأوقاف، ومحافظ القاهرة والوزراء، وسفراء الدول الإسلامية، ورجال القضاء وغيرهم، ومع تقدم علوم الفلك يساعد علماء الفلك فى استطلاع هلال رمضان حيث يكونون أعضاء أساسيين فى اللجان الشرعية لرصد الهلال، وتكون حساباتهم الفلكية مؤشرا على بداية الشهر وليست ملزمة.
وتظل رؤية هلال رمضان هي المناسبة التي تعلن فيها الفرحة بقدوم شهر الصوم في مختلف بقاع العالم، ليجتمعوا جميعا على مائدة الإفطار والذكر في رمضان.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)