دفعت جائحة كورونا “كوفيد-19” والتدابير التقييدية التي تم فرضها للحد من انتشار الفيروس 110 ملايين شخص في جميع أنحاء العالم إلى الفقر المدقع خلال عام 2020، وذلك وفقا لمؤسسة World Data Lab التي تمولها الحكومة الألمانية وتجمع الإحصائيات من وكالات الأمم المتحدة، وصندوق النقد والبنك الدوليين.
ووفقا للإحصائيات، فإن حوالي 30 مليونا من الأشد تضررا جراء الجائحة تم تسجيلهم في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، و 9 ملايين في أمريكا اللاتينية و 42 مليونا في الهند.
وذكرت مجلة (ذي إيكونوميست) البريطانية أن الجائحة تسببت في صعوبات كبيرة للكثير من المواطنين في أوغندا، لاسيما من الطبقة الوسطى؛ حيث ألحقت الجائحة ضررا كبيرا بحياة المعلمين والسائقين والتجار تصل إلى حد التدمير، وأن المساعدات التي يحصلون عليها صغيرة بشكل يبعث على السخرية، وتتم عشوائيا رغم أن أكثر من ثلث الأوغنديين يعيشون في فقر مدقع (أي بأقل من 1.90 دولار في اليوم).
وقد سجلت أوغندا نسبة منخفضة نسبيا من حالات الإصابة بفيروس “كوفيد -19″، حيث جرى الإبلاغ عن حوالي 162 ألف حالة إصابة و3 آلاف و500 حالة وفاة حتى الآن، لكن من المرجح أن الأرقام الحقيقية أعلى من ذلك بكثير؛ كما أنه بالكاد تم تطعيم 4% من السكان بشكل كامل، إضافة إلى أن أنظمة الحماية الاجتماعية الحالية موجهة – وفقا للمجلة – بشكل ضيق.
ففي بداية الجائحة، قررت الحكومة الأوغندية صرف منحة لمن تزيد أعمارهم عن 80 عاما، وأصبحت تصرف الآن على دفعتين سنويا بدلا من صرفها شهريا، وتشترط مثل هذه البرامج والمساعدات، كما هو الحال في أجزاء كثيرة من العالم الفقير، حيازة المستفيدين لبطاقات هوية وطنية، وهو ما لا يتحقق عند الملايين من الأوغنديين.
وتثير مثل هذه المشاكل في أوغندا تساؤلات حول ما إذا يجب أن تركز خطط المساعدات على توزيع الطعام المجاني، والذي غالبا ما يؤدي إلى انحراف الأسواق وتجعل المزارعين أكثر فقرا؟ أم الدعم النقدي المباشر؟ وإذا كان هذا الدعم هو الأفضل، فكيف ينبغي توزيعه؟ هل عبر فئات نقدية؟ أم قسائم شراء؟ أم مدفوعات عبر الهاتف المحمول؟ وكيف ينبغي تحديد أشد الناس فقرا واستهدافهم سيما وأن ملايين المواطنين في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى غير مدرجين في الاقتصاد الرسمي ما يعني أنهم خارج قواعد البيانات المركزية بالكامل!
ووفقا للبنك الدولي، فإن معدلات الفقر ربما ستبدأ في التراجع بشكل طفيف خلال الفترة المقبلة مع بدء الحكومات توزيع اللقاحات واستئناف النشاط الاقتصادي، كما يشير البنك إلى أن بعض الدول الفقيرة قدمت مساعدات طارئة للفقراء بسرعة غير مسبوقة، ففي العام الأول للجائحة، تم رصد أكثر من 3300 برنامج رعاية اجتماعية جديدا، ربع هذا العدد تقريبا في البلدان الفقيرة. وقد بلغ إجمالي ما أنفقته حكومات العالم على خطط الرعاية الاجتماعية المرتبطة بفيروس كورونا، منذ بداية الجائحة وحتى مايو الماضي، ما يقرب من 3 تريليونات دولار، وهو ما يعادل أربعة أضعاف ما أنفق خلال الأزمة المالية العالمية في 2008-2009، ولكن الغالبية العظمى من هذه الأموال (87%) تم إنفاقها في الدول الغنية.
ووفقا لصندوق النقد الدولي، أنفقت دول أمريكا اللاتينية 90 مليار دولار على التحويلات الطارئة في عام 2020، وانخفضت إلى 45 مليار دولار في الأشهر العشرة الأولى من عام 2021. وأنفقت الأرجنتين 5.3% من الناتج المحلي الإجمالي على مواطنيها الذين يعانون. وعلى النقيض من ذلك، كانت المكسيك شحيحة نسبيا، حيث خصصت أقل من 1% من الناتج المحلي الإجمالي فقط لهذا الغرض.
منذ فترة طويلة قبل ظهور الفيروس، جادل اقتصاديون حول أفضل الطرق لإخراج الفقراء من براثن الفقر، ناهيك عن كيفية إنقاذهم في أوقات الطوارئ.
واعتمد برنامج الدعم الاجتماعي البرازيلي “بولسا فاميليا”، الذي يُنسب إليه الفضل في خفض معدل الفقر في البلاد بمقدار الربع، على النقد باعتباره الطريقة الأكثر فاعلية لمساعدة الفقراء دون إلحاق الضرر بالأسواق، كما هو الحال مع معونات الغذاء وضمانات التوظيف.
في الوقت نفسه، فإن دعم السلع الأساسية مثل الخبز والأرز أو الأسمدة والوقود الأساسي مثل البنزين والكيروسين، أمر لا يحظى بالدعم، ويرجع ذلك جزئيا إلى أنه يثير استياء الطبقة الوسطى والفقراء، ويتسبب في فجوات كبيرة في الموازنات الوطنية. ويعود الفضل لهذا البرنامج في انتشال أكثر من 30 مليون برازيلي من الفقر بحلول عام 2014 من بين عدد سكان كان يبلغ حينها 203 ملايين وتم دفع الاستحقاقات بشكل أساسي إلى النساء، عن طريق البطاقة الذكية.
لقد استوحى عدد من الحكومات في إفريقيا، على الرغم من أن لديها اقتصادات صغيرة نسبيا، الأفكار من النموذج البرازيلي، حتى قبل الجائحة، وخطت خطوات كبيرة نحو إنشاء برامج الرعاية الاجتماعية.
ففي عام 2013، بدأت السنغال – على سبيل المثال – في توزيع الأموال على أفقر الأسر في مخطط يغطي حوالي 20% من السكان البالغ عددهم 17 مليون نسمة، كما أن سياسة الرعاية الاجتماعية الرئيسية في تنزانيا، والمعروفة باسم شبكة الأمان الاجتماعي الإنتاجية، والتي تم إنشاؤها في العام نفسه، تساعد حاليا أكثر من مليون أسرة.
بلا شك، فإن أحد الدروس المستفادة من الجائحة هو أن النقد، ليس دائما الدواء الشافي، فإنه ذا فائدة محدودة عندما تغلق المتاجر أو تؤدي اضطرابات سلسلة التوريد إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية.
ويجدر هنا ذكر أن ربات البيوت في الأحياء الفقيرة في نيودلهي لديهن قلق آخر وهو: عندما يتم إعطاؤهن الطعام، فإنهن يميلن إلى استخدامه على الفور لإطعام أطفالهن، ولكن إذا وزعت الحكومة المال، فإن الملاك والدائنين يطرقون أبوابهن على الفور.
إلى جانب ذلك، يمكن أن تستغرق المنح النقدية وقتا طويلا للوصول إلى من يعانون من فقر مدقع. فقد وجدت إحدى الدراسات التي شملت 53 دولة منخفضة ومتوسطة الدخل أن الأمر استغرق في المتوسط 107 أيام من أول حالة تم الإبلاغ عنها من فيروس كوفيد حتى سداد الدفعات الأولى.
كما أن العديد من الحكومات قدراتها محدودة فيما يمكنها إنفاقه لأنها مثقلة بالديون وبعضها على وشك التخلف عن السداد أو لديها قواعد ضريبية ضئيلة.
فمنذ أن ضرب فيروس كوفيد الهند، قامت حكومتها بثلاث جولات من المدفوعات النقدية في 200 مليون حساب نسائي. ومع ذلك، كانت كل دفعة قدرها 500 روبية فقط (6.70 دولار)، وهي بالكاد تكفي لبضع وجبات لعائلة في مدينة مثل دلهي.
وهناك واقع يجب الالتفات إليه، وهو أنه مهما كان الدعم النقدي محدودا أو سخيا، فلا تزال هناك مشكلة في توزيعه. يمكن للتكنولوجيا، بطبيعة الحال، تسريع عملية التسليم. ففي غضون أشهر من وصول الفيروس إلى تايلاند، تمكنت الحكومة من تسجيل 23 مليون مزارع وعامل غير رسمي، أي أكثر من نصف السكان في سن العمل، في خطة جديدة.
كما جرى تسجيل حوالي 6 ملايين شخص من أصل 59 مليونا في جنوب إفريقيا عبر الإنترنت للحصول على برنامج مساعدة الأوبئة في غضون أسابيع قليلة من بدء العمل بالبرنامج.
ورغم أن بعض الحكومات تواصل الاعتماد على طرق منخفضة التقنية في توزيع الأموال، إلا أن الجائحة كشفت عن عيوب جديدة في ذلك. فعلى سبيل المثال، تحركت السلطات البيروفية بسرعة لتقديم أموال طارئة عندما ضرب الفيروس البلاد، لكنها تجنبت التحويلات الرقمية، ما نتج عنه وجود طوابير طويلة في فروع بنك الدولة، وبالتالي كان لدى بيرو واحدا من أعلى معدلات الوفيات المرتبطة بفيروس كورونا في العالم.
وتجدر الإشارة إلى أن مخططات التحويل النقدي الجديدة تعتمد على المدفوعات الرقمية، ولكن المشكلة هي أنه غالبا ما يتم استباعد الأشخاص الأكثر احتياجا، حيث إن أكثر من نصف سكان العالم لا يستخدمون الإنترنت عبر الهاتف المحمول. كما أن حوالي 6% من هؤلاء المستهدفين، معظمهم في البلدان الفقيرة، يعيشون في مناطق لا تحتوي على أي تغطية للإنترنت وقد يكون الاتصال بالإنترنت مكلفا للغاية بالنسبة لأولئك الذين يعانون الفقر.
لقد كانت بعض الدول بارعة في إيجاد طرق للتغلب على مثل هذه العقبات، حيث سمحت حكومة ناميبيا بتقديم ما يصل إلى عشرة طلبات للحصول على مساعدات طارئة من خلال بطاقة هاتف واحدة، بحيث يمكن للأسر التي ليس لديها هاتف محمول الاقتراض من الجيران.
على أي حال، من الصعب للغاية على الحكومات أن تحدد بدقة من يستحق المساعدة.
ويمكن استخدام التكنولوجيا في اختيار المستفيدين، فعلى سبيل المثال، قامت حكومة “توجو” بتوسيع نطاق المساعدات النقدية بما يتجاوز العمال غير الرسميين حيث استخدمت أساليب مثل صور الأقمار الصناعية لتحديد المجتمعات الأكثر فقرا بناء على الكثافة السكانية وتحديد الأسر المحتاجة مع استخدام الخوارزميات وسجلات الهاتف المحمول لتقييم استهلاك الأفراد وبالتالي مدى فقرهم.
في نهاية المطاف، من الجيد أن الحكومات في البلدان المنكوبة بالفقر تبحث في كيفية وصول الدعم لمستحقيه وبناء أنظمة الرفاهية الخاصة ببلدانهم، وهو أمر يمكن احتسابه فائدة من فوائد هذا الفيروس المروع الذي دفع الكثير من البلدان إلى التفكير بمزيد من المرونة.
المصدر : أ ش أ